بعد أن كان شارع العاصمة المغربية الرباط وساحاتها الواسعة متنزها لسكان المدينة والوافدين عليها، يتمتعون بالتجول بين أرجائها، ويحملون إليها أبناءهم هربا من ضيق شققهم، ويتهافتون على المقاهي المنتشرة بها، متأملين المارة ومسهبين في أحاديث طويلة، أصبحت ساحات الشارع الرئيسي للعاصمة ملتقى شبه يومي لشباب اختار التعبير عن نفسه والاحتجاج طلبا لحقوقه إما بالاعتصام أما قبة البرلمان طلبا لعمل، أو الاحتجاج على محدودية الحرية المسموحة له من خلال الرقص. "" شباب تخرجوا في الجامعات واختاروا قضاء سنوات أمام البرلمان طلبا لعمل بعد التخرج في الجامعة التي باتت تشكل في المغرب طريقا شاقا لتحقيق الحلم في منصب عمل ملائم، ينقسم الشباب إلى مؤمن بكفاءته ومتمسك في الأمل ومكافح من أجل تحقيق ما يصبو إليه، ومن يختار ملازمة عائلته معتمدا عليها في كل شؤونه، ومن يختار بذل جهوده للهجرة إلى حلم قد يجده سرابا، وبين هذه الفئات من يخطط مسبقا ويتهيأ للاعتصام أمام قبة البرلمان، فالأمر ليس بالسهل، يبدأ من التسجيل في مجموعات تنظم نفسها على أساس الشهادة وسنة التخرج، ليتم التخطيط لتواريخ الاعتصام ويتم الانطلاق من أمام مقر الاتحاد المغربي للشغل في مسيرة يرددون فيها بشعارات مطالبة ومذكرة بحقهم في العمل، ومنددة بما يرونه وعودا كاذبة من الحكومة في إيجاد حل لقضاياهم. و لا يقف الأمر عند هذا الحد فالشاب الذي اختار ساحة الرباط للاعتصام يجب أن يتهيأ للهراوات التي قد تنزل على رأسه أو أي جزء من جسمه في أية لحظة، كما يجب عليه أن يتأكد من أن قدميه قادرتان على حمله في أي وقت، فرارا من غضبات رجال الأمن الذين لن يتركوه سالما إذا أمسكوا به، كما عليه أن يتهيأ لخوض إضرابات عن الطعام، وللمبيت في العراء، وعليه أحيانا أن يستعد لقرارات الانتحار إمعانا في تهديد الدولة، وألا يتردد في الاختيار بين الموت حرقا أو الموت سقوطا، المهم أن الطريقة تختلف والموت واحد، والإعلام مستعد لنقل هذه التضحية من أجل الأجيال المقبلة، والصحافيون الأجانب متربصين بهذه اللحظات ليؤكدوا لأبناء بلدهم أن دول المشرق لا تزال في عهد الظلمات و لا خوف منهم ولا هم يحزنون. شباب اختار الرقص في ساحات العاصمة احتجاجا على المجتمع وفي نفس المكان وإن لم يكن أمام البرلمان، ينتشر شباب يختلفون عن المعتصمين في شكل الاحتجاج وسببه وأهدافه، فهم اختاروا الرقص وسيلة للتمرد، ومنهم من اختار التمرد رقصا. التيكتونيك والهيب هوب والراب والبريك دانس وغيرها من الرقصات التي أصبح يتنافس على أدائها إتقانها ثلة من الشباب، حتى تحولت ساحات الرباط إلى مرقص مفتوح يعرض لوحات رقص كانت إلى الأمس القريب غريبة على مجتمعنا، وأصبحت في عصر العولمة موضة مبهرة لتتحول إلى فكرة مشروع ناجح يتمثل في إحداث قاعات رياضية خاصة لتدريب المشتركين بها على أداء هذه الرقصات. رقص الشارع أصبح موضة يتهافت عليها شباب العاصمة وضواحيها، الساحة ملتقاهم وأواخر النهار موعدهم، يتبادلون أطراف الحديث رقصا، ويتحدون بعضهم البعض في أداء حكات توصف بالصعبة، أغلبهم من الذكور والإناث بينهم قلة، القيثارة والموسيقى المحمولة لا تكاد تخلو من بين أيديهم. الجميع يتمرن بجدية، تظهر في ملابسهم التي امتلأت عرقا، كما أنهم لا يخجلون من السقوط، بل على العكس من ذلك يصفقون على بعضهم البعض كلما سقط أحدهم أو قام بحركة غير ناجحة أو خارج الإيقاع الموسيقى. يرون في رقصهم هذا على الملإ في الشارع وأما أنظار الناس تفجيرا لاحتجاجهم، يريدون أن يحترم ذوقهم، وأن يلاقوا الشتجيع على ما يحبون ممارسته بعيدا عن الانتقادات، والنظرات المستهزئة. شباب اختار "اللوك الغريب" ليعلن التمرد إذا كان شباب السبعينات من عشاق الهيبيز يفضلون ترك شعورهم تطول و لايجدون في هذا الأمر تشبها بالنساء، فشباب اليوم يختلف من تطويلة أفقيا على شكل قرون الغزال، أو تركه على شكل مكنسة، أو إزالة شعر الرأس من الجانبين ونقسه الصلع برسوم غالبا ما تكون لها دلالة ورموزا. وليس الشعر وحده طريق شباب اختاروا اللوك الغريب للتمرد، و لا لونه الذي يحيد عما خلق الله البشر، بل اللباس أيضا لا يخلو من أشكال التمرد، وتختلف حسب اختلاف الرقصة. عشاق التكتونيك يفضلون الجينز الضيق بكل الألون بالإضافة إلى القميص الضيق ذي الألوان الفاقعة والذي يحمل رمز النسر الفضي. أما عشاق «الراب» و«البريك دانس»، فتكون دائما ملابس مهلهلة وفضفاضة، ويكون مقاسها أكبر من المقاس الطبيعي للشخص الذي يرتديها، مع حذاء رياضي عال وكبير شبيه بأحذية لاعبي كرة السلة الأمريكية وقلادة العنق التي تحمل في الغالب اسم الشخص الذي يرتديها. أما «أتباع الميتال»، هؤلاء لهم طريقة خاصة في اللباس شعارها الأساسي هو اللون الأسود، بالإضافة إلى ارتدائهم العديد من القلادات التي تحمل رموز النجمة الخماسية، وأشكال الجماجم والعظام. في العاصمة، وبين هذه الساحة وتلك، يتجمع شباب يتشاركون تقارب السن، والحاجة إلى التعبير عن النفس، والاحتجاج طلبا للحقوق أو للاهتمام، تفرقهم طريقة التمرد، والهدف منه، في غياب لقوى وتكتلات قادرة على الاستماع إليهم وتوجيههم ورعايتهم.