من بين الإشكاليات الدستورية الناتجة عن الفراغ الدستوري الحاصل في مصر إشكالية الجهة المخول لها قانونا استقبال أداء الرئيس محمد مرسي اليمين الدستورية، والتي تعرف في الفقه الدستوري بكونها تلك الإجراءات الواردة في صلب الوثيقة الدستورية والتي يؤديها رئيس الدولة والأشخاص الذين يتولون السلطات العمومية تعبيرا على تعهدهم القيام بمهامهم بأمانة وإخلاص، بحيث يترتب على هذا الإجراء العديد من الآثار الدستورية والقانونية والسياسية، إذ يتم احتساب مدة ولاية الرئيس انطلاقا من تاريخ أدائه لهذا اليمين. وتختلف صيغ أداء اليمين الدستورية باختلاف النظم السياسية المعاصرة، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية يؤدي الرئيس الأمريكي اليمين الدستوري بصيغة دينية ملحوظة ، وذلك بأن يرفع يده اليمنى ويضع يده اليسرى على الإنجيل المقدس فيما نجد بعض الأنظمة السياسية يؤدي فيها الرئيس اليمين الدستورية مجردا من الصيغة الدينية، هذا في الوقت الذي أجازت فيه بعض النظم السياسية أداء الرئيس اليمين الدستورية ممزوجا بالصيغتين الدينية والمدنية مثلما هو عليه الحال في دستور ألمانيا الاتحادية الذي ينص على صيغة اليمين الدستورية بالعبارة التالية Que Dieu me soit en aide أي أن الحالف يطلب معونة الله، لكن هذا الدستور نفسه عاد وأجاز أداء اليمين بدون صيغة دينية، فيما اكتفت دساتير أخرى بأن يقسم الرئيس بشرفه فقط كحالة الدستور التركي لسنة 1924 في حين اكتفت دساتير أخرى بالقسم المجرد عن أي مدلول آخر كحالة الدستور البلجيكي والدستور النمساوي... فكيف هو الوضع مع رئيس مدني لمصر في ظل الجمهورية الثانية ؟ وهل هناك إطار دستوري ينظم هذا الإجراء في مصر وإذا كان الجواب بالنفي فما تأثير ذلك من الناحية الدستورية والسياسية؟ وفقا لمقتضيات الدستور المصري الملغى لسنة 1971 فإن أداء اليمين الدستورية للرئيس كان يتم أمام مجلس الشعب لكن نظرا لحالة الفراغ الدستوري والسياسي الذي تعاني منه مصر حاليا بسبب تضارب القرارات والإجراءات التي أقدم عليها المجلس العسكرى الخمسة عشر شهرا الماضية ، فقد عجزت النخب السياسية والعسكرية عن وضع دستور للبلاد بعد ثورة 25 يناير2011 ، الأمر الذي أدى إلى عدم تحديد صلاحيات واختصاصات سلطات الدولة المختلفة، مثلما أفضى هذا الوضع إلى عدم تحديد العلاقة بين هذه السلطات كاملة. هذا في الوقت الذي أشار فيه الإعلان الدستور المكمل في مادته 30 كيفية أداء اليمين الدستورية أمام الجمعية العمومية بالمحكمة الدستورية العليا، وذلك بإفصاح الرئيس بالعبارة التالية: " أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى ، وأن أحترم الدستور والقانون ، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة ، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه " هذه العبارة رددها الرئيس مرسي أمام مئات الآلاف من المحتشدين بميدان التحرير في أداء رمزي للقسم بدون أي تعديل أو تغيير أو تحوير ولو بسيط. فما هي الدلالات السياسية لأداء قسم سياسي أمام مئات الآلاف من المحتشدين بميدان التحرير لما لهذا الميدان من دلالات رمزية؟ أداء القسم ولو رمزي أمام حشود ميدان التحرير فيه العديد من الدلالات السياسية خصوصا أنه من الناحية الدستورية لا تطرح مشكلة في تعدد أماكن أداء اليمين الدستورية، فهناك نظم دستورية تقر بأداء اليمين الدستورية في المعابد الدينية إلى جانب المجالس النيابية. أولى هذه الدلالات أن الرئيس محمد مرسي يحاول المزج بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية حينما خاطب المحتشدين بالقول : " جئت اليوم لأنكم مصدر السلطة و الشرعية " مما يؤشر على محاولته بروز بمنظر الزعيم السياسي المرتكز على السلطة الشعبية وثانيها أن لجوءه لميدان التحرير في مليونية أطلق عليها مليونية تسليم السلطة هي رسالة سياسية لا تخطئها العين موجهة للمجلس العسكري مفادها أن الإخوان المسلمين مصممون على أخذ صلاحيات الرئيس كاملة دون نقصان مما يندر ببروز فصل جديد من المواجهة بين الرئيس المنتخب ومؤسسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وثالث هذه الدلالات محاولة سد الفراغ القانوني المترتب عن عدم وجود المؤسسة الدستورية المخول له قانونا تلقي اليمين الدستورية. نفس العبارة الواردة في الإعلان الدستوري سيلقيها الرئيس مرسي أمام الجمعية العمومية بالمحكمة الدستورية التي حلت مجلس الشعب ليؤدي أمامها اليمين الدستورية طبقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 30 من الإعلان الدستوري المكمل مما يترجم اعترافا رسميا من قبل الرئيس مرسي بالإعلان الدستوري المكمل المرفوع بشأنه دعاوى قضائية والمطعون فيه قانونا من قبل ثوار ميدان التحرير وعلى رأسهم الإخوان المسلمون ٬ فقبول الإخوان المسلمين بأداء اليمين الدستورية يعني قبولا ضمنيا بمقتضيات الإعلان الدستوري المكمل الذي يرفضونه . نفس السيناريو سيعاد كاملا أثناء مراسيم الاحتفال بجامعة القاهرة، حيث سيذكر رئيس المحكمة الدستورية المستشار فاروق سلطان بأن الرئيس مرسي أدى اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية طبقا لمقتضيات الإعلان الدستوري المكمل مما يعني أن الرئيس المنتخب ليس من حقه الاعتراض غدا على قرارات هذه المحكمة لأنه قبل بأداء اليمين الدستورية أمامها.وإلا سينعث بأنه يتعامل بكيفية انتقائية مع قرارات هذه المحكمة التي لا تقبل النقض خصوصا بعد انتهاء ولاية المستشار فاروق سلطان وتعيين المستشار مهري قبل 20 يوما كرئيس جديد للمحكمة من قبل المجلس العسكري فيما كان من الأجدى ترك مسألة التعيين للرئيس المنتخب من قبل الشعب. من الناحية الدستورية كان من الصواب حصول توافق على إصدار قرار بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وباقي الفرقاء السياسيين يعدل بموجبه القرار السابق المتعلق بحل مجلس الشعب بشكل يقتصر تنفيذ الحكم على الثلث الخاص بالمقاعد الفردية بمجلس الشعب، وبالتالي يظل البرلمان قائما بشكل يمكن رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام البرلمان المنتخب. لكن هذا الخيار استبعد ليحل محله تطبيق عملي لمقتضى من مقتضيات الإعلان الدستوري المكمل والمكبل لصلاحيات الرئيس المصري. ثمة ملاحظة أساسية ألا وهي أن الرئيس أعاد نفس القسم أمام ثلاث جهات في محاولة لإرضاء جميع المصريين، وهو أمر غير ممكن لأنه في الديمقراطية ليس هناك توافقات سياسية مطلقة، فصناعة التوافق السياسي مطلوب في مصر لكن لا ينبغي أن يعني ذلك نمذجة المصريين في قالب واحد لأن هذا أمر مستحيل التحقق.