أضحَتِ الجَامعةُ المغْربية تتجهُ شيئاً فشيئاً نحو القطاع الخاص عبر فتحِ تكوينات دقيقة ومدفوع عنها، لكن تلك التكوينات تبقى غير معترفٍ بها من قبل القطاع العمومي الذي يرى بعض فاعليه أن الجامعة أصبحت تتخلي عن مهمتها الجوهرية بولوجها إلى ميدان ليس من اختصاصها، والخاسر الأكبر في كل ذلك بكل تأكيد هو "الطالب". فثلاث سنوات من الدراسة بعد البكالوريا لا تعني شيئاً على المستوى العملي في سوق الشغل، وأصبح الحديث اليوم يدور حول ال "ماستر"، أي (شهادة البكالوريا+ 5 سنوات)، ولا يهم هنا إذا ما كان الأمر صحيحاً أو غير ذلك، فكل الطلبة تقريبا ممن يتابعون دراساتهم في الجامعة مقتنعون أن شهادة الإجازة بمفردها لن تُعَبِّد الطريق أمامهم للولوج إلى سوق الشغل، علاوةً على النظر إليهم بازدراء داخل جمعيات العاطلين من حملة الشواهد . ونتيجةً لذلك، اختارت الجامعةُ أن تتأقلم مع الطلب المتنامي على "مسلك الماستر" باعتباره "منقذا"، من خلال إطلاق "ماسترات" مدفوعة التكاليف داخل الكليات. في هذا الصدد، يرى المحافظُون أن مبدأ المجانية قد تم خرقه بشكل يعَرِّضُ جودة التعليم لمزيد من التراجع. فيما يَذهبُ المتفائلون إلى مباركةِ رؤية مسالك "الماستر" التقليدية تفسحُ المجال أمام أخرى جديدة ودقيقة والطلبُ عليها آخذٌ في التزايد ك "اللوجيستيك" و"فن التسويق" و"المصرفية" و"الموارد البشرية" و"مراجعة الحسابات التجارية"...إذ أصبحت كل مسالك ال"ماستر" هاته مفتوحة في وجه المترشحين بمعدل مالي يتراوح بين 30 و 40.000 درهم، وهي أرقام صادمةٌ لعدد مهم من الجامعيين والطلبة المنافحينَ عن مجانية التعليم. "لا أدَرِّسُ في "الماسترات الخاصة"، لكنني على علمٍ بإطلاق بعض الأساتذة مسالكَ تعليميةً علياَ في وقتٍ َلا تهتمُّ فيه بعض الجامعات إلا بالجانب التجاري" يؤكد رشيد الفيلالي، أستاذ بكلية الحقوق في جامعة الرباط، والأمين العام ل"ترانسبرانسي ماروك". ويعي الجامعي المذكور جيداً الفرق بين التكوينات وبين الإشهارات المزيفة، بينما يبقى الطلبة بدون مرجعٍ يوضحُ لهم الأمور. حتَّى أنَّ بعض السُّذَّجِ منهم دفَعُوا مصاريف تكوين مدته "عامان" قبل اكتشاف حقيقة مؤداها أن الشهادة التي بين أيديهم لا تساوي قيمة "الماستر". وإن لم تنبرِ الجامعات للتواصل بشكل أمْثل فإنه لن يتبقى من الماستر إلا بعض المفاهيم، وعليه وجب إعادة النظر في كل شيءٍ بدءً من نقطة الصفر. أزمة هوية: حريٌّ بالذّكْرِ أنَّ التكوين متاحٌ وفق صيغتين اثنتين: الأطر والطلبة. فالنسبة للأطر يدرسون نهاية الأسبوع فقط لمدة ثمان ساعات في الأسبوع الواحد. بينما يدرسُ الطلبة الذين يدفعون 5000 درهماً على الأقل، طيلة الأسبوع. رغمَ أن الشهادة هي نفسها في نهاية المطاف. والمثال المقدم ليس بالوحيد. فِيما يشكو أحد الطلبة من عدم كفاءة بعضِ الأساتذة، إذ أن بعضهم يدرِّسُ مجزوءاتٍ لأول مرة دون أن يتقنها، في الوقت الذي يفتقر الكثير منهم إلى الزاد "المعرفي". لكن الطلبة يتابعون رغم ذلك تكوينهم في المسالك المذكورة إذ" يمكن أن نرقى في عملنا، لكنَ ذلك ليس بالأمر المؤكد، وإن حصلَ فإن الأمر سيتم بشكل أقل أهمية إذا ما قورن بحال موظف حاصل على ماستر معترف به من لدن الدولة" يؤكد عادل. وإن كان النظام الجامعي في المغرب فريداً من نوعه، و من المعلوم كونهُ غير ناجع، فإنه قد غدا الآن هجيناً ويفقد هويته أكثر فأكثر. لأن فتح "ماسترات" خاصة يعني دخول الجامعة في نطاق المدارس الخاصة. ويقول حماد كسال بخصوص الشواهد غير المعترف بها من طرف الدولة "باعتباري مشغِّلاً، لا أكترث بكون الدبلوم معترفاً به من قبل الدولة أو غير معترفٍ به، والكفاءة التي اكتسبها الطالب هي التي تعنيني بالأساس". وفي غُضون ذلك، تنعِشُ التكوينات المجانية "الحلم المغربي" بالحصول على الوظيفة العمومية حيث البطالة إرادية. ف"الجامعاتُ تدلي بدلوها لأجل حَلِّ أزمة البطالة مقترحة تكويناتِ خاصَّةً بشكلٍ يهيئُ الطلبة بدون وسائل للالتحاق ب"التنسيقيات الشهيرة" لحاملي الشهادات العاطلين" يقول أستاذ بالرباط، والذي يدعو إلى النظر في عمق مجانية التعليم، للحسم في المسألة، إما بدفع كل شيءِ أو عدم الدفع بتاتاً. وقد سبقَ وأن أثار منشور للحسن الداودي في العاشر من أبريل الماضي، دعا فيه الموظفين إلى المواظبة على الحضور إلى مقرات عملهم جدلاً اتجه ليأخذ بعداً دستوريا، إذ أن المنع من متابعة الدراسة يمثل حرماناً من الحق في التعليم الذي يكفله الدستور. وما كان للمشكل أن يحصلَ لولا أن الوزير الوصيَّ لم يكن واضحاً في الحديث عن المواظبة منذ البداية. وعليه فإنه من الآن فصاعداً، لن يكون هناك حلٌّ آخر أمام الموظفين الراغبين في متابعة دراستهم إلا طلبُ عطلة غير مدفوعة الأجر من إدارتهم.