اسبشر المواطنون بحذف الصفة المهنية من البطاقة البيومترية (بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية)، في إطار تحقيق نوع من التكافؤ بين المواطنين، و حتى تجرى المسطرة مجراها العادي، دون التوجس من المهنة على البطاقة الوطنية السابقة. لكن من المفارقات غابت الصفات لتبرز الشارات بشكل لافت. فماذا تعني هذه الشارات على الواجهات الأمامية للسيارات، سواء التي تحمل العبارة المعروفة "يجب احترام وتقدير حامل هذه الشارة"، كلمات معدودة لا مجال فيها للتأويل. بصيغة الأمر بدون قيد أو شرط. أو غيرها من الشارات، كشارة هيئة المحامين، أو هيئة القضاة، أو الإذاعة والتلفزة المغربية، أو غيرها من الأيقونات من قبيل مجلة الشرطة مثلا؟ ونحن نسعى لتكريس دولة الحق والقانون، خاصة في ظل الحراك العربي، فما محل هذه الشارات من الإعراب؟ أليس من الخطورة بمكان انتشارها بشكل مطرد، خاصة مع تشديد العقوبات على مستعملي الطريق عند وقوع المخالفات، مع مدونة السير الجديدة حتى باتت محل بيع وشراء، بما أنها تؤدي المهمة وتفي بالغرض وزيادة، حتى وإن كانت المخالفة "يغرق فيها جمل"؟ قد تقبل من عامة الناس ممن لاهم في العير ولا في النفير، لا يهمهم لا بناء وطن ولا هدمه. مآربهم تقضى وبعدهم الطوفان. ولكن ما بال أصحاب البذلات القانونية، المفروض فيهم تكريس دولة الحق والقانون، يصر معظمهم إن لن نقل كلهم، على وضع الشارات على واجهات السيارات، هذا فضلا عن الصيادلة والأطباء؟ العبارة واضحة لا لبس فيها، فالاحترام والتقدير لحاملها على وجه الوجوب، وليس على وجه الندب والاستحباب، إن قمت به فلك أجر وإن لم تقم به لا إثم عليك. وليس الاحترام، وحسب بل وجوب التقدير والرفع من الشأن أيضا من خلال كلمة "تقدير". ويبقى المجال مفتوحا عن كيفية أداء هذا الاحترام والتقدير الواجب تقديمه، لهؤلاء الذين حسب هذا الامتياز بكل تأكيد، فهم من طينة غير طينة بقية المواطنين ممن لا حول لهم ولا قوة. فلا أرقام هواتف خاصة يحركونها عند الحاجة، ولا شارة لهم ولا بطاقة، يدلون بها عند الشدائد وتشفع لهم عند النوائب، بما أن طبيعة هذا الاحترام، غير محددة لا بقانون ولا تدرس بمعاهد التكوين. فهل الواجب المطلوب أو المفروض على الأصح، لهذه الفئة المميزة والمخصوصة بهذه الشارات، هو التغاضي عن مخالفاتهم قل شأنها أو كبر؟ أم هل يتم تقديمهم عن غيرهم في حال الطوابير الطويلة؟ أم تغني هذه الشارات عن جميع وثائق السيارة، بما أن هؤلاء ليسوا كغيرهم، لا بد من التماس الأعذار لهم، وتكييف ما يحدث لهم حتى ترضى الشارة وزيادة؟ أما غيرهم، فبما أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لا شيء لديهم يؤهلهم لنيل هذا الامتياز، فما عليهم سوى أن يمدوا أعناقهم طوعا أو كرها، لسيف القانون. ولا شئ غير القانون؟ في إطار دولة الحق والقانون، عنوان المرحلة، فهل من فقيه قانوني، يتكرم علينا بتأصيل هذه الظاهرة دستوريا، حتى تنقطع ألسنة السوء التي تستنكرها، وإلا ينبغي حذفها بما أنه لا وجود لنص قانوني يقوي شوكتها ويعضد وجودها؟ ما يقال عن هذه الشارات بلغتها الصريحة، وحمولتها الواضحة، نقوله عن شارات الهيئات. حقيقة الملفوظ غائب فهي لا تحمل غير الصفة ولكن المفهوم حاضر. وإذا كان العكس فلم وضعها على الواجهة الأمامية؟ ونحو هذا ومن جنسه لما يحضر أحدهم بلباسه المخزني، حتى وإن لم يكن من أصحاب النياشين، والملف بيده متبوعا بأحد أو إحدى معارفه، غير مبال بالبشر الذي ينتظر دوره، يدخل ويخرج دون اكتراث، وكأن الذين ينتظرون دورهم حشرات لا أقل ولا أكثر. وإن كان اللوم في واقع الأمر، ليس عليه وحده بقدر ما يتحمله هؤلاء أيضا. لأنه حتى وإن تجرأ أحدهم وقال اللهم إن هذا منكر، محال أن يجد من يسانده. مما يجعل الجميع يتجرع المرارة مكتفيا بنظرات مستنكرة أوالتأفف الخافت، متجنبا الدخول في مغامرة غير متكافئة. إذ من السهل تلفيق تهمة إهانة موظف أو عرقلة السير الطبيعي للعمل "وشكون يحيدها ليهوم من فمهوم". فإذا كان ولا بد من هذه الشارات المميزة المكرسة لنوع من العنصرية، بما أنها تفرض اعتبارا خاصا لحاملها، فلم لا تصبح مطلبا ملحا للفئات الأخرى كالمعلمين والأساتذة، والشيوخ والمقدمين والفلاحين، وهلم مهن؟ أم هؤلاء وغيرهم دماؤهم لا تحمل جينات تؤهلهم لهذا التشريف؟