"لاشيء يعجبني.. لا الراديو ولا صحف الصباح ولا القلاع على التلال " محمود درويش يبدو أن بعض الجهات لم يعجبها منع وزير الاتصال مصطفى الخلفي، إشهار القمار على شاشة التلفزيون العمومي. وإن كان من حق هذه الجهات التعبير عن انزعاجها، وإن كان غضبها مفهوما جدا، بحكم وفاء بعضها لمذهب "الرافضة" الذين لا أجد لهم من عبارة يرددونها مع أي تغيير جديد أفضل من عبارة "لاشيء يعجبني"، التي وردت في قصيدة جميلة للراحل الرائع محمود درويش، وبطبيعة الحال الفرق شاسع بين درويش وبين هؤلاء المتذمرين. ولقد كان رئيس الحكومة واضحا، وفق ما نسبته إليه احدى الصحف، حيث اعتبر أن "إشهار القمار في تلفزيون دولة إسلامية أمر غير مقبول (وماخدّامش)"، مخاطبا الذين يطالبون بفتح حوار حول القرار، "هل فتحتم حوارا يوم اتخذتم قرار ادراج هذا النوع من الإشهار؟ " وبدوره مصطفى الخلفي، كان واضحا، وضوح الشمس في نهار جميل، كما غنى المطرب عبد الهادي بلخياط عندما أعلن (الخلفي وليس بلخياط) في لقاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب عند مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته، بأنه لن يسمح بإشهار ألعاب الحظ واليانصيب على القنوات العمومية حتى لو كلفه ذلك منصبه الوزاري. وكان الخلفي حاسما في ذلك على اعتبار أن ذلك النوع من الإشهار يتعارض مع مقتضيات دستور 2011، كما يتعارض مع الأخلاقيات المتعارف عليها عالميا في مجال الإشهار، موضحا أن العالم كله يمنع هذا النوع من الإشهار في القنوات العمومية سواء في الدول الأمريكية أو الأوربية أو غيرها لأن ذلك يؤثر سلبا على الناشئة. وهي خطوة اعتبرها بعض المراقبين مبادرة "ذكية" من وزير في حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية الذي خاض معركة انتخابية حملته صناديق اقتراعها إلى قيادة الحكومة، تحت شعار "صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد"، وبيني وبينكم، إذا لم يقرر الخلفي، منع إشهار "القمار" (انطلاقا من خلفية سياسية أو إيديولوجية، لا يهم)، فإنه غير قادر على فتح ملفات أخرى في الإعلام وغيره من القطاعات. إن ما يهم في موضوع منع إشهار القمار، هو ظهور امتلاك وزير الاتصال الجرأة في اتخاذ قرار سياسي مهم وسط قطاع (يشبه الأقرع أينما ضربته يسيل دمه).. أجمع المهنيون بأنه يحتاج إلى شجاعة وجرأة لا تقل عن قرار منع "القمار"، ويحتاج إلى ويزر غير مبال بمن يرفعون شعار " أنا لاشيء يعجبني"، ذلك لأن التغيير -بدون شك- لن يعجب المستفيدين من الوضع الحالي. يمكن اعتبار قرار منع الترويج للقمار في التلفزيون، بداية للقطع مع عهد إلقاء الكلام على عواهنه، وتدشين مرحلة جديدة ترسم فيها دفاتر التحملات خارطة الطريق، تلك الدفاتر التي تضمنت مقترحا يمنع إشهار العاب الرهان واليانصيب، وجاء فيها أن الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري "الهاكا" هي التي ستتولى مراقبة مدى احترام هذا المقتضى من طرف وسائل الإعلام العمومية، حماية للجمهور الناشئ من آفة القمار التي بسببها يُصيب البيوت الخراب، فضلا عن استنكار العقلاء منطق الربح بدون بذل أدنى مجهود، (سويرتي) يربح، (سويرتي) يخسر، وما أكثر المرات التي يخسر فيها ويكون لذلك انعكاسات نفسية واجتماعية خطيرة. ولا أعرف لماذا لجأت بعض الأقلام الصحفية لانتقاد قرار المنع، المقارنة بين التجربة الحالية للخلفي في تدبير قطاع الاتصال، وتجربة محمد العربي المساري في حكومة التناوب ؟ رغم أنها مقارنة متعسفة لوجود الفارق، كما يقول الفقهاء، فالفارق شايع بين التجربتين، على مختلف المستويات، من أبرزها أن الحكومة الجديدة حكومة سياسية، جاءت في سياق الربيع الديموقراطي، حكومة في ظل دستور جديد.. وكان يمكن للعربي المساري اتخاذ نفس القرار في المرحلة الحالية لأن الوضع مختلف. أما الذين يعقدون مقارنة بين تدبير الخلفي ليومية "التجديد"، وتدبيره للشأن العام في قطاع الاتصال، فهي أيضا مقارنة لا تستقيم، لأن واقع الصحافة المكتوبة بالمغرب، تعترضه العديد من الإكراهات، منها منافسة المواقع الالكترونية، فضلا عن تبعية العديد من المطبوعات لهيئات سواء سياسية أو لوبيات اقتصادية. وفي اعتقادي، فإن المقارنة التي عقدها علي أنوزلا المدير السابق لنشر يومية ورقية اسمها "الجريدة الأولى"، عن طريق محاسبة وزير الاتصال خلال فترة توليه إدارة يومية "التجديد"، يمكن أن تنقلب على صاحبها، لأن المنطق يقتضي محاسبته عن سبب فشله في إدارة يومية "الجريدة الأخرى" التي توقفت في الطريق، وعلى كاهلها ديون بملايين الدراهم، في هذا الصدد يقول مثل صحراوي "الجمل يجب أن ينظر إلى سنامه، قبل أن ينظر إلى سنام صاحبه". ومهما قيل عن تجربة إدارة الخلفي ليومية "التجديد"، فإنها تظل تجربة مهمة شكلت إضافة نوعية من خلال المواضيع التي كانت تتطرق إليها، مكنت "التجديد" من احتلال صادرة العناونين الصحفية التي لا يمكن إغفالها من طرف الجهات التي تريد الاطلاع على أحوال البلاد. ومن وجهة نظري المتواضعة جدا، يخطئ من يقارن يومية "التجديد" بباقي العناوين الأكثر انتشارا، لسبب واحد فقط، هو أن هذه المقارنة لا تميز بين الصحف والمجلات الأكثر تأثيرا، والأكثر انتشارا، فلكل مطبوعة "تيماتها" فمنها من يشتغل ب"تيمة" الخير والشر، ومنها من يشتغل ب"تيمة" الربح والخسارة.. إن الفرق بينهما، مثل الذي يبيع الجمهور لشركات الإشهار، والذي يحترم جمهوره ويعلنها صراحة "باي باي السوريتي".."قل هل يستويان؟" [email protected]