أكد المحلل السياسي الدكتور عبد الفتاح الفاتحي بأن موقف الدبلوماسية المغربية من الانقلاب العسكري كان متزنا، بخلاف عدة قراءات وصفت الموقف المغربي بالمتسرع، حينما سارعت وزارة الخارجية المغربية إلى الإعلان بأن المغرب يرفض أي استيلاء على السلطة بالقوة إثر الانقلاب العسكري الذي عرفته جمهورية مالي، ويؤكد حرصه على استقرار جمهورية مالي ووحدتها وسلامة أراضيها”.. انسجام مع الإجماع الدولي وقال الفاتحي في حديث مع هسبريس إن الدبلوماسية المغربية عكست الإجماع الدولي الذي أدان الانقلاب العسكري على حكومة الرئيس المالي المنتخب شرعيا "امادو توماني توريه"، وبذلك توافق الموقف المغربي مع معظم المواقف الدولية التي أجمعت على إدانة الانقلاب العسكري في مالي، وطالبت بالعودة الفورية للنظام الدستوري والحكومة المنتخبة ديمقراطياً في هذا البلد الإفريقي، ومنها موقف مجلس الأمن الدولي ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الإتحاد الإفريقي وموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا والجزائر... ولفت الفاتحي بأن بعض القراءات جانبت الصواب حينما ذهبت إلى القول بأن الموقف المغربي من الانقلاب في مالي جاء متسرعا، لأن من شأن ذلك بحسب هذه القراءات تهديد المصالح المغربية في مالي؛ ذلك أن لا دبلوماسية في العالم مهما تكن على قدر العظيم من الدهاء والذكاء أن تشجع على الانقلابات العسكرية المقوضة لأسس الديموقراطية والشرعية الدستورية، وتعاكس بذلك إجماع القوى الكبرى في العالم. وأعرب المحلل المغربي عن استغرابه مما ذهبت له بعض التأويلات السياسية القائلة بأن موقف وزارة الخارجية المغربية غير مستقل وأنه تصريف لذات الموقف الفرنسي، لأن في ذلك الكثير من الادعاء، لا سيما أن الموقف المغربي لم ينسجم مع الموقف الفرنسي فقط ولكن مع موقف مجلس الأمن والولاياتالمتحدةالأمريكيةوالجزائر، بل مع معظم الدول الكبرى والهيئات المالية والديموقراطية. موقف واقعي وأفاد المتحدث بأن الأسلم للموقف المغرب أن يكون على هذا النحو انتصارا للشرعية الدستورية ولأعراف ومبادئ الديموقراطية التي يجب أن تؤطر إدارة الحكم في القارة الإفريقية، وهو ما يخدم حماية مصالحه السياسية في القارة الإفريقية، بدليل أن العديد من الدول الإفريقية ذات الحزب الوحيد هي التي ظلت تعاكس وحدة المغرب الترابية، حينما اعترفت بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية"، ومنحتها العضوية في منظمة الوحدة الإفريقية. وزاد الفاتحي بالقول إن الموقف المغربي كان أكثر واقعية، لكونه انسجم مع الرؤية الدولية ومواقف العديد من دول المنطقة، وخاصة الجزائر التي كانت لها علاقات ومصالح استراتيجية جد قوية مع الرئيس المالي المخلوع. وتابع "أعتقد أنه ليس من باب انتهاز الظرفية أن يعاكس المغرب مواقف المنتظم الدولي، وإلا لكلفه ذلك الكثير من الضغط السياسي والدبلوماسي يتجاوز أي ربح من دعم انقلابيي مالي، وإن كانوا أصدقاء لجبهة البوليساريو. مصالح المغرب وأبرز المتخصص في قضايا الصحراء بأنه إذا كان المغرب يتوفر على العديد من عناصر دعم لموقفه في مالي باستماراته والتواجد القوي للشركات الفرنسية بمالي، فإن نظام العسكر لا يمكنه تبني أطروحة الجزائر حاضنة جبهة البوليساريو لكثير من النقط الخلافية بينهما، منها السعي الجزائري إلى تصريف مشاكل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والطوارق على حساب مالي، فضلا على أن مالي كانت دواما على خلاف مع جبهة البوليساريو بسبب استباحة عناصر الأخيرة للتراب المالي في أكثر من مناسبة. وأوضح الفاتحي بأن الموقف المغربي هذا سيفرض على العسكريين الماليين حماية الاستثمارات المغربية في مالي، وتقديم الكثير من التنازلات للتخفيف من حجم الضغط الدولي الكبير عليه، خاصة بعد أن أوقفت المؤسسات المالية المانحة لمساعداتها الموجهة إلى مالي. وخلص المحلل إلى أن الموقف المغربي يتوافق مع موقف اللاعبين الكبار في المنطقة الإفريقية وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، فضلا عن تأثير استثماراته الاقتصادية المهمة في قطاعات حيوية بمالي كالاتصالات والمصاريف، ما سيمكنه من فرض ضغط على العسكريين الماليين لتقديم تنازلات سياسية واقتصادية حيال المغرب، ومنها موقفهم من قضية الصحراء.