بسم الله الرحمن الرحيم نشرت جريدة هسبريس أمس الجمعة، 23 / 03 / 2012م مقالا للمدعو رشيد المغربي ردا على الشيخ الفزازي في مقاله: [حرية المعتقد غير حرية الردة] تحت عنوان: [الرد على الشيخ الفزازي: حرية العقيدة تشمل حق الاعتناق وحق التراجع عنه] وفي ما يلي بعض الكلام تعليقا على هذا المدعو الدعي الذي تجرأ على الشيخ الجليل دون أن تكون له الأهلية العلمية لذلك. وليتحمل مني هذا الرد رغم أني من صغار طلبة العلم. فأقول وبالله التوفيق: الكافر نوعان: كافر أصلي وكافر مرتد. فالكافر الأصلي هو من كان أصلاً على غير دين الإسلام كاليهودي والنصراني والمجوسي وغيرهم من أهل الملل الباطلة .. أما الكافر المرتد فهو من كان على دين الإسلام ثم ارتد عنه إلى غيره. وحكم كل منهما مختلف في الدنيا، وخلود في النار في الآخرة... أما في الدنيا فلكل منهما حكم منفصل .. فالكافر الأصلي لا يجبر على اعتناق الإسلام – كما فصل الشيخ الفزازي في مقاله - فإن اعتنقه عن طواعية واختيار فلا يجوز له بعد ذلك الخروج منه، فإن فعل فهي الردة. وإن لم يعتنقه وجب على المسلمين النصح له وترغيبه في الإسلام وإقامة الحجة عليه بالتي هي أحسن... فإن أصر على كفره، فهو حر في اختياره، لا يجبر على ترك ملته، بل هو في حماية تامة، في دينه وعبادته ومعبده وأهله وماله... بشرطين اثنين، أولهما الرضى بشرع الله، وثانيهما إعطاء الجزية عن يد وهو صاغر، تنفيذا لحكم الله من سورة التوبة: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} اللهم إلا إن كان كافراً محارباً فهذا له حكم آخر. وهو وجوب قتاله ودفعه... وما لا يعلمه صاحبنا هو أن الكفار أنواع أهل ذمة وأهل صلح والمستجير والمعاهد ومن في هذا المعنى، وهناك الكافر الحربي. فأي نوع من الناس أنت يا رشيد وما أنت برشيد؟ الكافر المرتد .. هو الذي كان على دين الإسلام ثم ارتد عنه، فالردة هي قطع الإسلام بالكفر. وإجماع الأمة على قتله من قبل الحاكم بعد الاستتابة. – أقول من قبل الحاكم، وليس من أعيان الناس كما يظن الجهال، ذلك لأن تطبيق الحدود والقصاص والتعازير من أعمال السلطان وليس من أعمال الأعيان. وقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى، دون الإفصاح عن ذلك. أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل، أو بغض الله تعالى أو بغض رسوله صلى الله عليه وسلم .. وهذا الذي لم نؤمر بالشق على قلبه. وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. أو بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم، أو إهانة المصحف .. ونحو ذلك. والردة القلبية لا يمكن التوصل إلى معرفتها... فتسري عليه أحكام الآخرة فقط... بحيث لا تسري عليه أحكام الدنيا من التفريق بينه وبين زوجته المسلمة وإقامة الحد عليه إلا إذا أظهر هذا الاعتقاد القلبي بقول أو عمل كما أسلفنا الذكر. أدلة وجوب قتل المرتد: أجمع فقهاء الإسلام على عقوبة المرتد وهي القتل بالنص. وفصل الفقهاء في مدلول الاستتابة. فالمرتد يقتل بالقرآن والسنة والإجماع. من ذلك: حكم الكفر عليه بقوله سبحانه: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خالدون} وتنفيذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكم الردة والأمر به. والأدلة الصحيحة والصريحة على ذلك كثيرة. منها حديث عمر رضي الله عنه: أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الاسلام من أهل العراق، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب إليه : أن اعرض عليهم دين الحق ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، فإن قبلوها فخل عنهم ، وإن لم يقبلوها فاقتلهم ، فقبلها بعضهم فتركه ، ولم يقبلها بعضهم فقتله " (أخرجه عبد الرزاق في مصنفه))) حديث علي رضي الله عنه: أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " (أخرجه الجماعة سوى مسلم) حديث ابن مسعود رضي الله عنه: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ " (متفق عليه) قواعد في الردة وقتل المرتد: ليس كل مسلم وقع في قول أو فعل مكفر يكون كافرا مرتداً، أي : ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عيله ، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره ، منها الجهل ، والتأويل ، والإكراه ، والخطأ... أما الأول : فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى ، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية ، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل ، ويقل العلم. الثاني: كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان .. كما في قصة عمار رضي الله تعالى عنه، قال الله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} والثالث : ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له. كما في الحديث الصحيح: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: [لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ، من رجل في أرض دَويّة مهلكة ، معه راحلته ، عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه ، فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فاللهُ أشد فرحا بتوبة] ) رواه مسلم. والمرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة ، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له .. بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كانت عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل .. ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين ... قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18 " المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا . هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ " اه ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض ، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره ، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما ، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته ، بل يقتل ولو تاب ، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الردة على قسمين : ردة مجردة ، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين ، بل إنما تدل على القسم الأول – أي : الردة المجردة - ، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد ، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه ، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه ، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي ، فانقطع الإلحاق ، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه ، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين... فهل يفهم المدعو رشيد المغربي هذا؟ وهل علينا نحن المسلمين أن نترك ديننا الموثق في كتاب الله تعالى وفي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ما أجمعت عليه أمة الإسلام ونأخذ بآراء حفنة من البشر جعلوها قيما كونية حاججوا بها ديننا المحكم؟ وجعلها أذنابهم من بني جلدتنا مثل هذا – المغربي غير الرشيد – تسمو على أحكام الإسلام. فانظروا الانحطاط العقدي والانهزام الفكري لدى هؤلاء الجهال الذين أرادوها عوجا دون خجل أو وجل، ودون خوف من حد ولا أحد... بل يتبجحون بمروقهم عن الإسلام عن اختيار وطواعية مروقا لا أبا بكر له. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وكتبه: سعيد ياسيني / تطوان