سجل مراقبون تضاربا في مواقف مسؤولين جزائريين اتجاه إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر، فهناك منهم من لمح إلى قرب فتح الحدود البرية بين البلدين، فيما انبرت تقارير رسمية أخيرا للتركيز على مدى الخسائر الاجتماعية والأمنية والاقتصادية التي ستنجم عن فتح الحدود بين البلدين الجارين. هسبريس اتصلت بالدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، لمعرفة حقيقة هذا الذي يعتبره البعض تضاربا في المواقف الجزائرية إزاء قضية إعادة فتح الحدود البرية مع المغرب، والتي تم إغلاقها بقرار سياسي منذ 1994. حسابات ضيقة أكد الصديقي في البدء أن هذا التضارب في تصريحات المسؤولين الجزائريين بشأن فتح الحدود البرية بين الدولتين الجارتين، لا يعني أيضا الحديث عن وجود تضارب في المواقف داخل الدائرة الضيقة المتحكمة في صنع القرار السياسي الجزائري. ويشرح الصديقي قائلا: "التصريحات الصحفية المتناقضة هي مجرد تجاوب مع بعض المتغيرات الظرفية في المنطقة، أما الموقف الجزائري الرسمي بشأن هذه القضية فهو ثابت ولم يتغير، بمعنى أن الحكام في الجزائر غير متشجعين لفتح الحدود لأنهم ينظرون إلى القضية انطلاقا من حسابات سياسية واقتصادية ضيقة، فهم يرون في فتح الحدود مصلحة مغربية صرفة، وهذا ما يتناقض مع روح والمقاصد السامية لمشروع التكامل المغاربي الذي تطمح إليه كل شعوب المنطقة". وأبرز الخبير في العلاقات الدولية بأن ما يربحه المغرب اقتصاديا، لا يعني بالضرورة خسارة تلقائية للجزائر على هذا المستوى، بل بالعكس سينعش التجارة البينية بين البلدين، مما سيدعم بشكل كبير الناتج الوطني الخام لدى مختلف البلدان المغاربية، كما أن المنافع الاجتماعية وفتح جسور التواصل المباشر بين الشعبين سيشكل دعامة أساسية لمشروع التكامل المغاربي. واسترسل الصديقي: " إضافة إلى ذلك، إن فتح الحدود البرية سيؤدي إلى لم شمل آلاف الأسر وتسهيل التزاور في بينها، هذه الأسر التي انقطع التواصل بينها منذ ما يقارب العقدين"، قبل أن يخلص إلى أن قضية الحدود المغربية تعكس فعلا وبشكل جلي مدى ترجيح الأنظمة لمصالحها وحساباتها السياسية الضيقة عن مصالح شعوبها. مزاجية سياسية وقال الصديقي لهسبريس إن هذا التناقض في التصريحات يعود بالدرجة الأولى إلى المناسبات التي تُدلى فيها، مشيرا إلى أن حكام الجزائر الحاليين تطغى على تصريحاتهم الكثير من المزاجية، مما يجعلهم يغيرون مواقفهم أحيانا بشكل كامل وفي وقت وجيز جدا، حيث يحار المهتمون في رصد توجه الدبلوماسية الجزائرية في العديد من القضايا لاسيما فيما يخص العلاقات المغربية الجزائرية. واستطرد المتحدث: "كم من مرة صدرت من الرئاسة الجزائرية بيانات أو رسائل تجاه المغرب مفعمة بمعاني المحبة والعزم على العمل المشترك وغيرها من التعابير العاطفية الجياشة، لكن سرعان ما تنقلب الأمور رأسا على عقب وفي سرعة قياسية، لتصدر عنها رسائل تتناقض جملة وتفصيلا مع سابقاتها، وتوقع الصديقي بأن "تتكرر هذه المسرحية مرات أخرى في المستقبل". وأردف الصديقي بالقول: "أحيانا يؤاخذ عليََّ البعض هذا التشاؤم تجاه الدبلوماسية الجزائرية، ولكن يبدو لي أن هذا هو الواقع الذي لا يرتفع، وهذا هو قدرنا في هذه المرحلة"، مضيفا أنه "لن يكون هناك استقرار وانسجام في المواقف الجزائرية إلا إذا نظمت الانتخابات التشريعية القادمة بشكل نزيه، وأفرزت من يمثل حقا إرادة الشعب الجزائري الشقيق؛ كما أن فتح الحدود أو إزالتها وتحقيق التكامل أو الاندماج الجهوي لا يكون إلا بين أنظمة ديمقراطية حقيقية"، وفق تعبير المتحدث.