جرى، يوم 30 نونبر المنصرم، برحاب ملحقة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، وقّع الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، والدكتور فريد الباشا، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، اتفاقية شراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج والكلية سالفة الذكر، من أجل تأهيل مغاربة العالم للترافع حول قضية الصحراء المغربية؛ وهو مشروع يهدف في جملة ما يهدف إليه إلى تكوين ألفي مغربي من مغاربة العالم للترافع حول قضية الصحراء المغربية وبلغات بلدان الإقامة. وقد كان لي الشرف للمشاركة في مراسيم هذا التوقيع عبر تقنية التناظر المرئي، بجانب كل من الإعلامية والشاعرة المتميزة نادية يقين من ألمانيا والفاعل الجمعوي رشيد فارس من إسبانيا. وتطرقت مداخلاتنا، كل من ميدان اهتمامه، إلى السبل الكفيلة للتعريف بالقضية الوطنية في دول الاقامة ومواجهة خطاب الانفصال وتحسيس الرأي العام المدني والسياسي بحقائق ومعطيات علمية حول قصية الصحراء المغربية. إننا في مؤسسة حوار هولندا نرحب كل الترحيب بهذا المشروع الكبير، خاصة أنه قد جاء متزامنا مع التطورات الأخيرة التي عرفتها المنطقة الحدودية الكركرات والتي عرت مجرياتها عن الحقيقة الإجرامية لعصابات البوليساريو المدعومة من طرف جنرالات الجزائر، وما رافقها - وما زال - من إغراق ذباب العصابات الانفصالية لمواقع التواصل الاجتماعي بالأكاذيب والأخبار الزائفة حول انتصارات وفتوحات وهمية. لا يشك أحد في الروح الوطنية العالية التي تسكن وجدان ما يزيد عن خمسة ملايين مواطن يقيم خارج الحدود الجغرافية للمغرب. كما لا يشك أحد أيضا في الاستعداد الفطري لهذه الخمسة ملايين من أجل التضحية بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية والوقوف حيال أي مس ولو بشبر واحد بل بذرة واحدة من تراب الصحراء المغربية؛ لكن المشكل كان دائما هو في غياب شبه تام للمادة التاريخية والجغرافية والكتب والمنشورات المتعلقة بقضية الصحراء وخاصة بلغات بلدان الإقامة. صديق لي يعمل في مطار أمستردام ويعمل معه بعض الجزائريين يتصل بي بين الفينة والأخرى ليحكي لي عن السجالات التي لا تكاد تنتهي بينه وبين هؤلاء الجزائريين حول موضوع الصحراء المغربية. وهو الوحيد من بين جميع المغاربة في العمل من يستطيع التصدي لهم وتكذيب ادعاءاتهم والأوهام التي تم حشو رؤوسهم بها منذ نعومة أظفارهم؛ وذلك بحكم ترعرعه ودراسته في المغرب، وبحكم انتمائه إلى جيلنا الذي عايش ملحمة المسيرة الخضراء. أما المغاربة الآخرون، ومعظمهم من الشباب الذين ولدوا في هولندا، فهم لا يتوفرون على المعرفة الكافية التي تمكنهم من الدخول في مناقشات مع زملائهم الجزائريين أو غيرهم. إننا نعيش في عصر يحتم مقاربة قضيتنا الوطنية الأولى والتعاطي معها ومع قضايا أخرى أيضا بشكل مغاير تماما لما كان عليه الحال في الماضي. عصر يتميز بسيطرة صناعة واستهلاك المعرفة بشتى أشكالها وأنواعها المكتوبة والمسموعة والمرئية. إنه عصر الثورة المعلوماتية بدون منازع، عصر تعتبر فيه المعلومة الأساس الذي تبنى عليه السياسات والإستراتيجيات. من هذا المنطلق، أرى أن هذا المشروع الرائد سيسد بدون أدنى شك فراغا كبيرا فيما يتعلق بالترافع عن قضية الصحراء المغربية والوحدة الترابية للمملكة المغربية، بما سيوفره لمغاربة العالم وللأجيال الناشئة بالخصوص من آليات ووسائل ومعلومات بلغة بلد الإقامة؛ وهو ما سيفتح عهدا جديدا فيما يخص الترافع والتعريف بقضية الصحراء المغربية والدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، سواء للأجيال الصاعدة من مغاربة العالم أو لمجتمعات دول الإقامة نفسها. وإن مؤسسة حوار على كامل الاستعداد للانخراط في هذا المشروع والتعاون مع مجلس الجالية المغربية بالخارج من أجل إنجاحه. ختاما، أغتنم الفرصة لأحيي وأشيد بالدور الكبير الذي لعبه أفراد الجيل الأول من المهاجرين المغاربة في مختلف البلدان الأوروبية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية لبلدهم المغرب والوقوف في وجه التظاهرات والتجمعات التي كانت تنظمها عصابات البوليساريو الانفصالية. فعلى الرغم من إمكانياتهم الضعيفة والتكوين السياسي شبه المنعدم، وفي وقت كانت عصابات "البوليساريو" تحظى فيه بكامل الدعم المادي والمعنوي من دول المعسكر الشرقي آنذاك وأحزاب اليسار الراديكالي، فإن كل ذلك لم يثبط من عزيمتهم للتعبير في كل مناسبة عن مغربية الصحراء، مسلحين فقط بالأعلام المغربية وبوطنية عالية لا تقبل المساومة أو المقايضة. هذا الجيل الذي أبقى جذوة الارتباط بالوطن الأم متوقدة متوهجة في نفوس أبنائهم وأحفادهم. فتحية إجلال وإكبار لجميع أفراد هذا الجيل العظيم.