لم تكن أسماء تعتقد٬ عندما اختارت تولي شؤون بيتها وعدم دخول عالم الشغل٬ أنها ستجد نفسها أمام جدول أعمال حافل ومسؤوليات جمة تستهلك جانبا كبيرا من وقتها وجهدها٬ خاصة بعدما أصبحت أما لثلاثة أطفال. تؤكد أسماء٬ وهي شابة في ربيعها الثلاثين٬ في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أنها كانت واهمة عندما كانت تظن أن ربة البيت تعيش في راحة أكبر ولا تعاني من الإرهاق والتعب اللذين تشتكي منهما النساء اللواتي تشتغلن خارج المنزل. غير أن واقع حياتها أثبت لها أن الأمر ليس بالسهولة التي كانت تعتقد٬ وأن دور الزوجة والأم الساهرة على شؤون بيتها وأبنائها ليس هينا٬ لما يتطلبه من صبر وجهد لتلبية احتياجات أفراد الأسرة على كافة الأصعدة. تقول هذه الشابة٬ التي تعكس نبرة صوتها غصة كبيرة "صحيح أن ربة البيت تكون أكثر راحة نفسيا بسبب إشرافها بنفسها على تربية أبنائها وتسيير منزلها إلا أن الصورة النمطية التي تختزل المرأة ربة البيت في كونها مجرد امرأة عاطلة ومدمنة على المسلسلات تنتقص من قيمة دورها الهام٬ وتنم عن عدم معرفة بحقيقة ما تقوم به هذه الإنسانة في صمت من تضحيات في سبيل مصلحة أسرتها". يبدأ اليوم العادي لأسماء على الساعة السادسة صباحا ٬ إذ تقوم بتجهيز الابناء للتوجه نحو مدارسهم٬ قبل أن توصلهم إليها. وهي المهمة التي أضيفت إلى برنامج يومها بسبب "تحجج الزوج بعدم توفره على الوقت لذلك وانشغاله الكبير وإرهاق العمل". تعود أسماء بعدها إلى المنزل٬ لمباشرة أشغال الطبخ والتنظيف والغسل والكي٬ فضلا عن اقتناء كل ما يلزم البيت من مستلزمات٬ قبل أن تقوم مجددا باصطحاب أبنائها من مدارسهم. أما الفترة المسائية٬ فهي مخصصة لمساعدة الأبناء للقيام بواجباتهم المدرسية. ولذلك٬ فهي تستنفر كافة المعارف التي اكتسبتها خلال سنوات دراستها التي امتدت حتى البكالوريا٬ كي تكون في مستوى المهمة الموكولة إليها. وعما إذا كانت راضية عن حياتها٬ ابتسمت قليلا قبل أن تجيب بالإيجاب٬ قائلة " الحقيقة أنني أحس بسعادة كبيرة وأنا أقوم بدوري كزوجة وأم ٬ إلا أن ما يحز في نفسي هو أن هذا المجهود البدني والنفسي الكبير الذي أبذله لا يقابله أي اعتراف أو امتنان٬ فأنا لا أجد من يسعدني ولو بكلمة حب وشكر٬ اعترافا بسهري من أجل راحة الجميع ليلا ونهارا". وحتى عندما تحاول أسماء انتزاع كلمة شكر من أفراد أسرتها٬ يخيب الجميع أملها ويواجهونها بالقول "أنت لا تشتغلين ولديك وقت فراغ كبير"٬ كما لو أن أشغال المنزل٬ في نظرها٬ ليست عملا مثل سائر الأعمال. وهنا تؤكد أسماء أنها تتعرض أيضا للضغط والارهاق بسبب ثقل الأعباء الملقاة على عاتقها٬ والتي تتوزع بين السهر على شؤون تدبير المنزل وتربية الأبناء ومتابعة صحتهم الجسدية والنفسية ومراقبة سلوكهم وتحصيلهم العلمي٬ لتكون بذلك أول من يستيقظ بالمنزل وآخر من يخلد إلى النوم. كما ترى أن النساء اللواتي يشتغلن خارج البيت يعملن لساعات محددة ويستفدن من تعويض مالي مقابلها٬ ويستعن في الغالب بمساعدات منزليات تسهلن لهن الحياة وتساعدنهن في تربية أبنائهن. في حين أن عمل ربة البيت يستمر طيلة اليوم وأيام العطل والمناسبات ودون أي مقابل. وناهيك عما سبق٬ تعاني أسماء من الروتين الحياتي المترتب عن تكرار نفس المهام والأعباء المنزلية والذي يعتبر هما آخر يكبس على أنفاسها ٬ خاصة أن الإمكانيات المادية وقلة الوقت يحولان دون ممارستها أي هواية أو نشاط جمعوي يكسر ولو بشكل جزئي هذا الملل. ورغم ذلك ٬ تعترف أسماء أنها راضية عن حياتها التي وهبتها لأبنائها وبيتها٬ ولا تنتظر أي مقابل مادي عن ذلك٬ بقدر ما تأمل في أن تتغير نظرة المجتمع للمرأة ربة البيت٬ وأن يتم الاعتراف بأهمية دورها من قبل أسرتها والمجتمع٬ على غرار جميع النساء اللائي يشغلن مناصب هامة في الحياة العامة.