تستمرّ مع مشروع قانون المالية لسنة 2021 السياسات نفسها المعتمدة منذ عقود، وفق مذكّرة لجمعيّات مغربيّة، علما أنّ هذه السياسات قد خلّفَت "آثارا وخيمة" مثل برامج "التقويم الهيكَلي"، وتكرِّس "النّموذج التنمويّ السّائد الذي تمّ الإقرار بفشله". جاء هذا في مذكّرة لترانسبارانسي-المغرب، والفضاء الجمعوي، والجمعيّة المغربية لحقوق الإنسان، تضمّنت دراسة لبنود مشروع قانون المالية لسنة 2021. وتساءلت المذكّرة عن مصير خلاصات التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات، وخاصة التوصيّات ذات البعد حقوقي، من قبيل: ترسيخ مبدأ المساواة أمام الضريبة، واحترام مبدأ الشفافية وحق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومة، وتكريس مبدأ تصاعدية الضريبة، والحرص على التوزيع العادل للعبء الضريبي حسب القدرات الحقيقية لكل ملزم، وتشديد الجزاءات على المخالفات الجسيمة، وغيرها. وباستفهام كبير، سجَّلت المذكّرة تجاهل مشروع قانون المالية ما جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ل 2019، المعنون ب "من أجل نظامٍ جبائي يشكل دعامةً أساسيةً لبناء النموذج التنموي الجديد"، ودعوته إلى العمل على تغيير عميق في النظام الجبائي المغربي، حيث أقر بأوجه "المحدودية في النظام الجبائي المغربي وعدم انسجامه وضعفه في المردودية، سواء على مستوى إعداد السياسة الضريبية أو حكامتها، أو على مستوى التنفيذ". كما عبَّرَت المذكّرة عن قلقها مِن "البون الشاسع بين ما جاء في المذكرة الإطار، وما تمّ التنصيص عليه من خلال بنود مشروع المالية الذي لم يترجم الالتزامات المعبر عنها في المذكرة"، وزادت شارحة: "لا نلمس الاهتمام الصريح ب "تسوية وضعية الأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعميم التغطية الاجتماعية وإعطاء الأولوية اللازمة لإصلاح منظومتي الصحة والتعليم". كما سجّل المصدر ذاته "غياب الإرادة السياسية" في تفعيل البند الخامس من الدستور، المتعلق باللغات الرسمية والوطنية وحماية استخدامها، و"تعطيل القانون التنظيمي رقم 16-26، المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، حيث لم تخصص أي ميزانية خاصة بإدماجِ هذه اللغة في الحياة العامة". ودعت مذكّرة ترانسبارانسي المغرب والفضاء الجمعويّ والجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى "إرساء مقومات عدالة جبائية قائمة على النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها"، و"النهوض بالمواطنة الضريبية، من خلال تسخير الإنفاق الضريبي في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لكل الملزمين، وكافة المواطنات والمواطنين، وكل الفئات الهشة، دون إقصاء أو تمييز". ودعت مذكرة المطالب الخاصة بمشروع قانون المالية لسنة 2021 إلى "النهوض بالمرفق العمومي، والرفع من جودة خدماته، مع إيلاء الأهمية القصوى لقطاعي التربية والتعليم والصحة العموميين، باعتبارهما قطاعين استراتيجيين لتحقيق التنمية المستدامة والأمن المجتمعي". ونادت المذكّرة ب"إرساء نظام جبائي على الثروة والممتلكات غير المنتجة أو التي تعتمد على المضاربة، والقطع مع كل أشكال الريع والنهب والاستغلال اللامشروع للثروات الوطنية والمسّ بالتوازنات البيئية والإيكولوجيّة"، مع "مراجعة أشطر الضريبة على الدخل، وتخفيض النسب المطبقة على الأجور الدنيا والمتوسطة، والرفع من النسب على الأجور العليا بما يضمن مداخيل إضافية، وتقليص الفوارق الاجتماعية". وتحدّث المذكرة الجمعوية عن الحاجة إلى "تعميم آلية الضريبة التصاعدية، وتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل جميع مصادر الدخل بدون استثناءات، مع إرساء قواعد الشفافية في شكل وطريقة التدبير، خاصة في مجال المراقبة"، و"تشديد إجراءات المراقبة الضريبيّة على المقاولات الكبرى، والزيادة في عدد المحققين والمحققات من أجل وضع حد للتملص والتهرب، اللذين أصبحا قاعدة شبه عامة عند الملزمين باستثناء الأجراء الذين يؤدون بواسطة الاقتطاع من المنبع". ونادت المذكرة ب"مراجعة الاستثناءات الضريبية وربطها بمدى احترام القوانين الجاري بها العمل في المدونة العامة للضرائب وكافة القوانين، بما فيها مدونة الشغل، على علاتها"، و"مراجعة إسهام التضامن الاجتماعي على الأرباح والمداخيل للأشخاص الذاتيين، وتطبيقها على المداخيل والأرباح التي تتجاوز 300.000 درهم في السنة عوض 120.000 درهم المقترحة في مشروع المالية". ودعت المذكّرة الحكومة إلى "التخفيض من أسعار الضريبة على القيمة المضافة، والرسوم على الاستهلاك الداخلي للمنتجات المحلية، من أجل تخفيف العبء الضريبي على الفئات ذات الدخول الدنيا والمتوسطة دعما لقدرتها الشرائية، مع الرفع من النسب المطبقة على المنتجات الفاخرة بما يحفظ توازن الميزانية". وعبّرت الجمعيات التي أعدّت المذكرة عن قلقها مِن "مستوى حجم المديونية، وآثارها السلبية المؤكدة على الاقتصاد الوطني"، وطالبت ب"وضع حد للسياسة المتبعة في هذا المجال، والبحث عن البدائل من داخل الاقتصاد الوطني للحفاظ على التوازنات المالية والاجتماعية، عوض اللجوء إلى الاقتراضات كحلول سهلة لسد الخصاص ومكلِّفة من حيث ارتهان السيادة الوطنية لمصالح المؤسسات المالية الدولية". وسجّلت الهيئات ذاتها الحاجة إلى "إعطاء الأولوية في صرف الميزانية إلى القطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم والشغل، والرفع من نصيبها، بما يضمن تجويد الخدمات وتحسين أجور العاملين بها، والزيادة في عدد المدرّسين والأطباء ومفتشي الشغل، وتوفير التجهيزات الضرورية". وطالبت المذكّرة بتوضيح مضامين الميزانية المخصصة "للتّكاليف المشتركة" الواردة في نفقات التسيير وتقعيد مفهوم "مصاريف الاستثمارات" والتحديد المفصل للنفقات المخصصة لها، و"إلحاق مشروع قانون المالية بتقرير شامل حول وضعية المؤسسات والمقاولات العمومية"، إضافة إلى "تفعيل دليل الحسابات الذي كان من المفترض أن يبدأ العمل به في يناير من السنة الجارية، من أجل ضبط ممتلكات الدولة في جميع جوانبها". ونادت ترانسبارانسي المغرب والفضاء الجمعويّ والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ب"وقف مسلسل الخوصصة الذي أكدت الأزمات المتتالية، بما فيها أزمة كوفيد-19، أنه كان وبالا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للمواطنات والمواطنين"، مسجّلة في السياق ذاته الحاجة إلى "الإسراع في المعالجة الجذرية للمشاكل الموروثة عن الحقبة السابقة، بما في ذلك استرجاع المؤسسات والأنشطة العمومية المُفوَّتة للخواص".