يرى الأكاديمي هشام العلوي أنه بوصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض من المفترض أن تعيد الولاياتالمتحدةالامريكية علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وإسرائيل والنظام الإيراني، بالإضافة إلى بعث روح جديدة في ثورات الربيع العربي. وفي العلاقات الدولية، هناك مناهج عديدة مؤهلة لتتبع تنفيذ السياسة الخارجية للدول. الليبرالية بالنسبة للبعض، والبنائية للآخرين أو حتى الواقعية أو المثالية؛ وهما نظريتان متعارضتان. وتقوم النظرية الأولى على سعي الأمم إلى ضمان أمنها وتطوير نفوذها لمواجهة نفوذ القوى الأخرى، والثانية على زراعة الوهم والمثالية لنظام العلاقات الدولية القائم على نفي القوة وإعطاء القيمة المطلقة للفكرة أو للقانون. لكن تحليل الباحث الأكاديمي هشام العلوي الأخير لا يتناسب مع أي منهما، وبالتالي يشكل فضولًا؛ لأنه يحير أولئك الذين يحاولون فهم قضايا السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ضوء وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض. ونشر الأمير هشام مقالا تحليليا مثيرا للجدل في موقع مركز واترهيد التابع لجامعة هارفارد، يتحدث فيه عن التحديات التي سيواجهها الرئيس الأمريكي المقبل في مناطق العالم الحيوية لواشنطن. واعتمد المركز على آراء باحثين أدلوا برأيهم حول السياسات الخارجية لواشنطن في المرحلة المقبلة بقيادة بايدن؛ ومن ضمنهم الأمير هشام، الذي تناول ملفات السعودية والقضية الفلسطينية والربيع العربي والعلاقة مع إيران. ويرى الموقع الإخباري "أطلس أنفو" أن تحليل هشام العلوي يترك القارئ في حالة من الشك؛ لأن النظام الدولي، الذي يحاول رسم معالمه، يضع الولاياتالمتحدة كدولة أقوى من الدول الأخرى، بينما من حيث التعريف، فإن النظام العالمي فوضوي والدول مستقلة، إذ يحاول الباحث أن يبرز "تحليله" من منطلق نظام قطبي أحادي، علما أن حتى فكرة استحواذ كل من أمريكاوروسيا على قطب من العالم لم تعد موجودة منذ زمن بعيد. وأشار الموقع سالف الذكر، الذي يصدر باللغة الفرنسية، أن هشام العلوي أغفل بالفعل أن ميزان القوى قد تغير وأن البطاقات قد أعيد توزيعها، وتطورت التحالفات، وحتى العلاقة الدولية للولايات المتحدة لم تعد كما كانت. تحديات أمريكية بالنسبة للموقع الإخباري "أطلس أنفو | Atlasinfo"، على عكس ما ذهب إليه تحليل هشام العلوي، السنوات المقبلة للشعب الأمريكي ستكون مظلمة وحافلة بالتحديات؛ وهو ما سيجبر ادارة بايدن على إبقاء أعينها على الجبهة الداخلية، خصوصا بعد تحديات فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية وصعود الشعبوية، بالإضافة إلى مشاكل الهوية والأزمة العرقية، ما يضع البلاد على حافة حرب أهلية. ويبدو من المدهش أن ينطلق هشام العلوي في تحليله عن الولاياتالمتحدة، التي يعتبرها "وطنه الثاني"، من منطلق وكأن العالم لم يتغير وتوقف عن الدوران منذ أربع سنوات، والأكيد أن عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض لا تعني إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، مهما كانت إخفاقات إدارة ترامب. ويشرح الموقع الإخباري "أطلس أنفو" أن برنامج حملة بايدن يشهد على التزام المرشح الديمقراطي بتحقيق الرفاهية والازدهار والحقوق لكل مواطن أمريكي؛ ما يعني أن تركيزه سينصب على معالجة الاختلالات الداخلية. ويبرز المنبر الإعلامي أنه في العلاقات الدولية لدولة ما، فإن الأساسيات لا تتغير. الأسلوب والطريقة يصنعان الفرق، ولا يغيران الجوهر؛ ما يعني أن الخيارات الإستراتيجية لواشنطن لن تتغير، لا في ما يتعلق بالصينوإيران والسعودية والإمارات ولا حتى روسيا أو أوروبا. الملف الإسرائيلي بالنسبة للملف الإسرائيلي الفلسطيني فلا يحتاج المرء إلا إلى قراءة برنامج جو بايدن للتذكير ب"التزام الحزب الديمقراطي الراسخ بأمن إسرائيل". علاوة على ذلك، لا يزال جميع المتخصصين في الشرق الأوسط يفكرون في كلمات كامالا هاريس، نائبة الرئيس المنتخب، عندما قالت خلال الحملة الانتخابية: "يجب أن نقف إلى جانب إسرائيل، لضمان أمنها؛ وهو موقف يجب أن يكون صلبًا مثل الصخرة"، مضيفًة أن الديمقراطيين خططوا لمساعدة عسكرية بقيمة 38 مليار دولار لصالح الدولة اليهودية على مدى السنوات العشر المقبلة. وأورد الموقع الإخباري "أطلس أنفو" أن تحليل هشام العلوي، الذي يجعل إستراتيجية إدارة بايدن هي إستراتيجية "إعادة التزام حذر" مثل عقيدة أوباما، يدل على أن الرجل لا يدرك أن العمل الأحادي من جانب الولاياتالمتحدة ليس خيارًا قصير المدى وأن الوضع قد تغير في المنطقة بتشكيل محاور هجومية مثل تلك التي تقودها أنقرة أو قطر أو مرة أخرى الإخوان المسلمون. يعتقد الأمير هشام، في مقاله، أنه من المحتمل تراجع إدارة بايدن عن صفقة القرن، وتحاول إحياء حل الدولتين، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية ستحاول دفع إسرائيل للعودة إلى المفاوضات؛ لكن هذا التوجه، وفق أطلس أنفو، لا يوجد أي احتمال عليه. بالعكس، أعطى جو بايدن بالفعل جميع التعهدات للجماعات الإسرائيلية، من خلال الإشادة باعتراف دول الخليج بإسرائيل وإعلانه من خلال صوت نائبه كامالا هاريس أن أولوية ولايته هي أمن إسرائيل. هذه الالتزامات للإدارة الأمريكية من المرجح أن تعزز موقف بنيامين نتنياهو، بدلاً من دفعه إلى تبني خيار دولتين مع سلطة فلسطينية يصفها هشام العلوي بأنها "عالقة في تدهور محتضر لعقود". جهل بالموقف الأمريكي ويعتقد العلوي أن "الدول العربية سيكون لديها حافز أقل للتسرع في التطبيع مع إسرائيل دون أن تتناول الأخيرة الحقوق الفلسطينية". كما يغفل، في تحليله، النهج "المتشدد" للولايات المتحدة تجاه إيران، مهما كان اللون السياسي لإدارتها، كما أنه لا يأخذ في الاعتبار الدعم والضمانات المقدمة للقادة السعوديين والإماراتيين في تطبيعهم مع الدولة العبري"، يشرح أطلس أنفو. وحول الملف الإيراني، يتصور الأمير أن إدارة بايدن ستحاول استعادة مبدأ التفاوض الذي يجسده إطار الاتفاق النووي لعام 2015؛ لكن الطموحات التوسعية الإقليمية لطهران تجبر واشنطن، بغض النظر عن الشق السياسي لرئاستها، على الاستمرار في الضغط على نظام إيران، الأكثر تصميماً من أي وقت مضى على إنشاء ترسانتهم النووية. وخلال حملته الانتخابية، وعد المرشح الديمقراطي بإعادة تعديل علاقة الولاياتالمتحدة بالسعودية؛ لكن الأمير هشام يعتقد أن الإدارة الديمقراطية الجديدة ستشرع في "تفكيك" ما شكله ترامب مع المملكة العربية السعودية الجديدة في عهد محمد بن سلمان. هذا الاعتقاد، وفق أطلس أنفو، ليس مجرد خطأ؛ ولكنه دليل على الجهل بالموقف الأمريكي في المنطقة. وتعد المملكة العربية السعودية ركيزة أساسية في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية. ويكتب العلوي: "لقد لعبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دور الطليعة المضادة للثورة في الشرق الأوسط، وتسعى جاهدة إلى عكس المكاسب الديمقراطية. لقد سعوا إلى تعزيز الأنظمة الاستبدادية والحلفاء في جميع أنحاء المنطقة، ونجحوا في ذلك بفضل تفويض افتراضي من إدارة ترامب". ويعتقد هشام العلوي هنا أن جو بايدن سيبني سياسة مع حلفائه العرب تستند فقط إلى حقوق الإنسان. ويقول تحليل أطلس أنفو إنه لو كان هذا هو الحال لكان هذا النهج سائدًا مع إدارة أوباما ومع إدارة أسلافها الديمقراطيين على حدٍ سواء، حيث إن قضية انتهاكات حقوق الإنسان ليست سمة مميزة للسلطة السعودية الجديدة التي يجسدها محمد بن سلمان. ويضيف هشام العلوي، الذي نسي أن إدارة باراك أوباما دعمت الحرب: "إدارة بايدن أكثر صرامة وإدراكًا للعواقب الوخيمة لما أنتجته المغامرة السعودية الإماراتية في اليمن وليبيا وقطر". ويشدد المقال التحليلي لأطلس أنفو على أن جو بايدن لن يدير ظهره للسعودية أو الإمارات، الحليفين الإستراتيجيين في "احتواء" إيران و"الركائز الرئيسية" في تكريس التفوق الإسرائيلي في الشرق الأوسط. بخصوص الأمل بعودة الربيع العربي، يعتبر كاتب مقال أطلس أنفو أنه لا توجد "عملية تاريخية مستمرة (...) للتغيير السياسي"، والتي يمكن أن تسمى "الربيع العربي"، مستغربا من المنطلقات التي انطلق منها العلوي للقول بأن وصول الديمقراطيين إلى السلطة في واشنطن يمكن أن "يشجع الحركات الديمقراطية في المنطقة وحتى في العالم". ويكمن السبب الوحيد وراء عدم فتح صفحة الربيع العربي، حسب أطلس أنفو، في الفوضى غير المسبوقة التي زرعتها الوعود بغد أفضل بعد انتفاضات 2011، سواء في ليبيا أو سوريا أو اليمن، لا شيء مشجع. وحتى في تونس، التي يعتبرها العلوي مثالا للنجاح و"أول ديمقراطية في العالم العربي"، فبعد ما يقرب من 10 سنوات على نهاية نظام زين العابدين بنعلي، لم يكن يأس الشباب ومعدل البطالة المستشري وإفقار المناطق الداخلية والانقسام في هرم الدولة أكبر من أي وقت مضى، إلى حد بات غالبية التونسيين في حاجة إلى الأمن الاقتصادي. ويبرز المنبر الإعلامي ذاته أن الوافد الجديد إلى البيت الأبيض سيشرع في منطق البراغماتية ومنطق التحالفات القوية مع الأنظمة القائمة، مع العلم أن الوضع في المغرب العربي غير مذكور في أجندة السياسة الخارجية لبايدن. نلاحظ أن إفريقيا، على سبيل المثال، ورد ذكرها مرة واحدة فقط عندما يتحدث جو بايدن عن "تكامل الدول الصديقة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا". كما أن الاعتقاد بأن وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض سيعيد تنشيط الحركات الاحتجاجية في الدول العربية هو أولاً اعتقاد بأن الشعوب العربية تعمل فقط من خلال بوصلة البيت الأبيض، وهو تصور خاطئ. وعلى عكس قراءة العلوي، لن يمضي جو بايدن في التراجع عن ما فعله سلفه وسيضمن بالفعل أن ما حققه كتحول نموذجي يستمر قبل كل شيء لخدمة المصالح الفضلى للولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم. أولاً، بالنسبة لجو بايدن، فإن الهدف هو استعادة المصداقية التي تآكلت إلى حد كبير بسبب القوة الاقتصادية المتنامية والقوة الناعمة التي طورتها الصين. هذه هي أولوية الإدارة الأمريكيةالجديدة التي تعتزم استعادة وإعادة بناء شراكاتها في آسيا، خاصة مع اليابان وكوريا الجنوبية، وتعزيز إنجازاتها في أمريكا اللاتينية، واحتواء إيران، وضمان أمن إسرائيل، وإعادة إطلاق الحوار مع أوروبا، وإدارة أزمة المناخ، ومواجهة صعود القومية الشعبوية، ووضع حد "للحروب التي لا نهاية لها في أفغانستان والشرق الأوسط" واعتماد نهج جديد يوحد الحلفاء والشركاء حول قيم السلام والديمقراطية. ويخلص أطلس أنفو إلى أن جو بايدن، عضو مجلس الشيوخ لمدة 36 عامًا ورئيس لجنة العلاقات الخارجية لمدة عامين ونائب الرئيس لمدة ثماني سنوات، رجل واقعي براغماتي ومخضرم على الساحة الدولية ويؤمن بالتحالفات الإستراتيجية والمعاهدات والتعاون الدولي لإعادة الولاياتالمتحدة إلى ريادتها العالمية. وأضاف المنبر ذاته أن هشام العلوي قدم تفكيرًا خاطئًا حول جميع المحاور الإستراتيجية للسياسة الأمريكية لسببين هما: افتقاره إلى الرؤية، وحقيقة أنه يتصرف خلف الكواليس ك"صاحب مصلحة".