نبه محمد كريم، رئيس شعبة الاقتصاد بجامعة محمد الخامس خبير لدى البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، إلى الخلط الشائع ما بين مفهوم "الموارد والمداخيل" من جهة، ومفهوم "التكاليف والنفقات" من جهة أخرى. وقال الأكاديمي المغربي خلال مشاركته في ندوة نظمها منتدى الحداثة والديمقراطية بعنوان "أي تدبير للمدينة بالمغرب، قراءة في ميزانية جماعة الرباط": "تعرّفُ المادة 152 من القانون رقم 14-113 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها الميزانيةَ بكونها الوثيقة التي يقدر ويؤذن بموجبها بالنسبة لكل سنة مالية في مجموع موارد وتكاليف الجماعة. هذه المادة لا تميز بين المداخيل الذاتية والقروض من جهة، ولا تميز بين نفقات التسيير والتجهيز وأداء أقساط الدين. نفس الشيء بالنسبة للمواد 174 و179، وهو اختيار المشرع". وأضاف: "لكن من أجل تقييم صلابة ميزانية جماعة الرباط لا يجب الاعتماد على القروض أو تسديداتها السنوية، وإنما اعتبار ميزانية ذاتية للجماعة مبنية على المداخيل الذاتية أو المحولة في شكل حصة الضريبة على القيمة المضافة من جهة، وعلى النفقات الفعلية كالأجور والمعدات والتجهيز، هذا المؤشر الذي يتوجب استخراجه يعبر عن عجز في الميزانية، نفس الشيء بالنسبة لادخار الجماعة فهو سلبي، أما العجز الأولي الذي يعبر عن مدى استمرارية وقدرة الجماعة على التسديد، فهو ضعيف أيضا". وذكر محمد كريم بالمبادئ الكلاسيكية لتدبير المالية المحلية كما نص عليها القانون التنظيمي، و"هي مبدأ السنوية، مبدأ التخصيص، مبدأ الوحدة، مبدأ التوازن، مبدأ الشمولية، وكذا مبدأ جديد وهو صدقية توقعات المداخيل والنفقات (المادة 152)؛ وتعني عدم تضخيم مداخيل الرسوم الجماعية وإلا ستطرأ مشاكل فيما بعد، أهمها الالتزام بالنفقات وتصفيتها والأمر بصرفها، لكن عندما تصل إلى الخازن العام لا يتم تأديتها (لعدم وجود السيولة حقيقيا)، مما يساهم في تراكم ديون الجماعة في شكل متأخرات أداء إزاء شركة النظافة أو ريضال أو إزاء الجمعيات أو المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي قدمت الخدمة للجماعة، مما ينعكس سلبا على الخدمة المقدمة للساكنة". وشدد المتحدث على أن عدم احترام الصدقية يخل بمبدأ السنوية ومبدأ التوازن، و"يختل التوازن الاقتصادي عندما يختل التوازن الموازناتي والمالي، والكل مرتبط"، مؤكدا على أن السياسة الرديئة تساهم بدورها في التدبير الرديء. ف"المبدأ الجديد المتعلق بالصدقية وكذا الاعتماد على الميزانية الذاتية للجماعة هدفهما إرساء ميزانية برامج بأهداف ومؤشرات تقييم كمية كما نصت عليها المادة 158، لأن المساءلة المفترضة لمسؤول البرنامج أو المشروع في آخر السنة ستتم على أساس الاعتمادات الحقيقية التي أعطيت وليست الاعتمادات المضخمة"، يؤكد الخبير الدولي. كما اقترح محمد كريم إغناء اجتماعات لجنة الميزانية والمالية للمجلس بإنتاج كل هذه الوثائق التي نص عليها أو لم ينص عليها القانون التنظيمي، لأنها ستساهم في تجويد تهييئ الميزانية، "التهييئ الذي يرتهن به النجاح فيما بعد ب 80 بالمائة"، معتبرا أن التهييئ أهم من التنفيذ. وأكد المتدخل أن الميزانية هي تجسيد لمبدأ الاستقلال المالي والإداري وأداة لتمويل النشاط الإداري للجماعات الترابية، وبالخصوص إطار مالي لتنفيذ مشاريع التجهيز وتحقيق أهداف النمو والتنمية. وزاد: "في ظل القانون التنظيمي المتعلق بمالية الجماعات، الذي يفرض التحول إلى ميزانيات البرامج والمشاريع المبنية على الاستثمار، وباستحضار معطى أن ميزانية التسيير لجماعة الرباط تمتص 90 بالمائة يصعب عليها ومثيلاتها إنجاح هذا التحول، والتي تبدو كعدد كبير من الجماعات في المغرب ميزانية استهلاك وليس إنتاج، في الوقت الذي يدعو فيه الملك إلى بلورة نموذج نمو وتنمية مبني على الاستثمار والإنتاجية والنمو ثم التنمية بدل الاستهلاك الذي عمق عجز الميزانية والعجز التجاري (العجز التوأم)". وختم محمد كريم مداخلته بالإشارة إلى الإجراءات الأربعة المهمة التي أوصى بها وزير الداخلية عمال الأقاليم والولاة ورؤساء الجماعات، والتي تترجم كلها روح نموذج تنموي جديد يبدأ بترشيد النفقات وتقليصها إلى الحد الضروري، والتركيز على المشاريع ذات المردودية الاجتماعية والاقتصادية، وتفضيل المنتوج المحلي والمقاولات الوطنية في الصفقات العمومية.