عن منشورات المتوسط بإيطاليا، صدر كتاب جديد للنَّاقد والأكاديميّ المغربي عبد الفتاح كيليطو، بعنوان: "في جوٍّ من النَّدَم الفكريِّ". ووَفق ورقة تقديميّة للكتاب، فقد استقى كيليطو عنوان مؤلفه الجديد من مقولةٍ لفيلسوف العلوم الفرنسي غاستون باشلار، استهلَّه بها: "إذا ما تحررنا من ماضي الأخطاء فإنَّنا نلفي الحقيقة في جوٍّ من النَّدم الفكري. والواقع أنَّنا نعرف ضدَّ معرفة سابقة، وبالقضاء على معارف سيِّئة البناء، وتخطِّي ما يعرقل، في الفكر ذاته، عملية التفكير". ويستهلُّ النَّاقد والأكاديميّ عبد الفتاح كيليطو كتابه الجديد بالحديث عن "المقامات"، واضعا أفكاره في سياقٍ تاريخيٍّ لا يخلو من علائق مع المناهج الحديثة، بحكم اشتغاله على التجديد في الدراسات الأدبيَّة العربيَّة. ويكتب كيليطو: "خصوصية الكتابة مرتبطة بنوعية القراءة.. ماذا قرأت؟ وبادئ ذي بدء ما هو أول كتاب قرأته؟ في كل مناسبة أقدِّم عنواناً مختلفاً حسب مزاج اللحظة، ومنعرجات الذاكرة، وحسب الشخص الذي يسألني ولغته والأدب الذي ينتمي إليه، فأقترح، بل أخترع كتاباً أول، أُبدع مرة أولى. ها نحن أمام مسألة البدايات. هل هناك أصلاً مرة أولى؟ في أغلب الأحيان لا تكون مؤكدة ومضمونة، سواء أتعلق الأمر بالقراءة أم بأمور أخرى.. ما إن نعتقد الإمساك بها حتى نكتشف، وربما في الحين أو في ما بعد، أنها مسبوقة بأخرى. المرة الأولى في النهاية هي المرة بعد الأولى، وفي أحسن الأحوال المرة الثانية". ويسترسل الكاتب في حديثه المخطوط إلى أن يكشف: "ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعل هذا هو تعريف الأسلوب، أن تظل حبيس طريقة في الكتابة". ووَفق الورقة نفسها، يذكر كيليطو أنّ الجاحظ خلّصه من شعوره بالنقص، بعدما اتضح له وهو يقرؤه أنّه لم يكن يستطيع أو على الأصح لم يكن يرغب في إنجاز كتاب بمعنى استيفاء موضوع ما، والمثابرة عليه والسير قدماً دون الالتفات يميناً أو يساراً؛ بل وهو نفسه يقر بهذا ويعتذر مراراً. "على ماذا؟"، يزيد الناقد المغربيّ متسائلا، ليجيب: "كدت أقول على تقصيره، وما هو بتقصير.. يعلل الأمر بتخوفه من أن يمل القارئ، والواقع أنه هو أيضاً كان يشعر بالملل ويسعى إلى التغلب عليه، وهذا سرّ استطراداته المتتالية". ويضيف كيليطو في السياق ذاته: "أسس الجاحظ بصفة جلية فن الاستطراد، ودشَّنَ فن الانتقال المفاجئ من موضوع إلى موضوع، من شعر إلى نثر، من موعظة إلى نادرة، من مَثَل إلى خطبة، من جد إلى هزل. وإذا كان من اللازم تشبيهه بكاتب أوروبي، فلا أرى أفضل من الفرنسي مونتيني الذي كان يكتب، ب'القفز والوثب'، ولا أشك أنه كان يقرأ أيضاً بهذه الطريقة". ويمضي كيليطو في كتابتِه المناجاةِ الحكايةِ الدّرسِ: "أفهم اليوم لماذا قضيتُ سنوات في دراسة المقامات، ذلك أن مؤلفيها، المتشبعين بفكر الجاحظ، نهجوا الأسلوب نفسه، وقد أكون تأثرت بهم، فكتبي تتكون من فصول قائمة بذاتها، إنها استطرادات، مجالس، أو إذا فضلنا مقامات، بكل معاني الكلمة".