عادت ظاهرة اختطاف الأطفال خلال الأسابيع الأخيرة لتثير مخاوف الأسر المغربية، خاصة في الجنوب الشرقي للمغرب، التي أصبحت لا تشعر بالأمان اتجاه أطفالها الصغار، بعد تسجيل مجموعة من عمليات الاختطاف والاغتصاب والقتل في صفوف الأبرياء، الشهر الماضي. وتعد قضية مقتل الطفلة نعيمة أورحي بزاكورة بعد اختفائها عن الأنظار لمدة تزيد عن شهر، وقضية قتل الطفل عدنان بوشوف بعد اغتصابه بمدين طنجة، (تعد) النقطة التي أفاضت الكأس، وأصبح الجميع يتحدث عن الظاهرة الخطيرة التي يتعرض لها يوميا عدد كبير من الأطفال الصغار في مختلف ربوع المغرب، دون رادع من الدين أو القانون أو حتى الأخلاق. ويرى عدد من الحقوقيين بإقليم زاكورة أن ظاهرة خطف واغتصاب وقتل الأطفال تمثل، ومنذ زمن بعيد، كابوسا يؤرق الأسر والعائلات خاصة بالجنوب الشرقي، مشيرين إلى أن مقتل الطفلة نعيمة لأسباب تعود إلى الشعوذة واستخراج الكنوز باعتبارها "زوهرية" تجعل مخاوف الأسر تكبر أكثر من السابق، موضحين "أن القانون يجب أن يأخذ مجراه الحقيقي وعدم التساهل مع أي متورط في مثل هذه الجرائم الشنيعة". وتعود تفاصيل قضية الطفلة نعيمة إلى 17 شهر غشت الماضي، حيث اختفت عن الأنظار في ظروف غامضة، وتم على إثر ذلك تبليغ الدرك الملكي بأكدز، وانطلقت عملية البحث عنها في كل مكان بمساعدة أبناء الدوار والدواوير المجاورة، إلى أن تم العثور على جثتها من طرف راعي غنم فوق جبل بالقرب من دوار تفركالت، التي تنحدر منه الضحية، يوم 26 شتنبر الماضي. وعلى إثر هذه القضية، فتحت عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسرية زاكورة تحقيقا، تحت إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بورزازات، ودام التحقيق أكثر من أسبوع، ليتم توقيف أحد ممتهني التنقيب عن الكنوز بالمنطقة الذي فر ناحية أجلموس بإقليم خنيفرة؛ وهو من سكان أحد الدواوير الذي يبعد عن موقع الجريمة بحوالي 20 كيلومترا، كما تم توقيف "فقيه" ينحدر من الدوار نفسه الذي وقعت فيه الجريمة للاشتباه في تورطه في هذه الجريمة الشنعاء. يوم الأحد الماضي، جرى تقديم المشتبه بهما أمام أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بورزازات، الذي قرر إحالتهما في حالة اعتقال على قاضي التحقيق، الذي قرر أيضا متابعتهما في حالة اعتقال وايداعهم السجن المحلي بورزازات، في انتظار تحديد جلسات التحقيق المقبلة من أجل تعميق معهما البحث. وتعليقا على هذا الموضوع، قال عبد الصمد آيت بنعلي، فاعل حقوقي بإقليم زاكورة، إن القوانين الحالية التي وضعها المشرع تساهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة الخطف والاغتصاب والقتل التي يكون ضحاياها في غالب الأحيان من الأطفال الصغار، مشيرا إلى أن الوضع الحالي والمقلق الذي تعيشه الطفولة المغربية يستوجب من الدولة أن تقوم بإصدار قوانين ردعية لحماية الطفولة. وأضاف الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن عمليات الخطف والقتل التي يتعرض لها الأطفال تسجل في غالب الأحيان بسبب الاغتصاب أو من أجل الاستغلال في استخراج الكنوز، مشيرا إلى أن "المجرم أصبح لا يخاف القضاء أو القانون، وأصبح لا يعطي قيمة للعقوبة ويتباهى بجرمه ولا يبالي بأي قانون أو عقوبة أو عدالة؛ وذلك كله بسبب غياب نصوص قانونية رادعة ومنصفة للضحايا، أو عدم تنفيذه الفصول القانونية كما تم إصدارها"، وفق تعبيره. وبخصوص النقاش الوطني المثار على خلفية قضية اغتصاب الطفل عدنان بطنجة، وكذا اختطاف الطفلة نعيمة بضواحي أكدز، وقتلها على ضوء عملية مرتبطة بالبحث عن الكنوز، قال إبراهيم آيت أملخير، من هيئة المحامين، "إن المشرع المغربي نظم عملية التنقيب والبحث عن الكنوز وفق مقتضيات القانون 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات والمنقوشات والتحف الفنية، كما تم تعديله بالقانون رقم 19.05". وأضاف المحامي ذاته أن المشرع المغربي ألزم كل الباحثين والمنقبين عن الكنوز بضرورة الحصول على رخصة بمقتضى الفصل 45 من هذه المادة، مشيرا إلى أن المشرع المغربي لم يقر أية عقوبات حبسية أو سالبة الحرية بخصوص المخالفين لمقتضيات القانون الخاص بالبحث والتنقيب عن الكنوز، باستثناء الغرامات المالية. وبخصوص اختطاف الأطفال، أكد أملخير أن جل الاتفاقيات والمواثيق الدولية تجرم خطف الأطفال (الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تشير إلى أن كل دول الأطراف تتخذ جميع التدابير الملائمة لمنع اختطاف الأطفال وبيعهم والاتجار بهم لغرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال)، لافتا إلى أن "القانون الدولي في هذا الصدد واضح". وأضاف المتحدث عينه أن المشرع المغربي أقر في فصوله 170 و171 و172 بأنه يعاقب العقوبة القصوى في الجريمة المتقلعة بالاختطاف بالعقوبة سالبة الحرية تصل بين 10 و20 سنة كلما تعلق الأمر بالقاصرين، مشيرا إلى أن المشرع وضع قانونا صارما في هذا الإطار لحماية الطفولة من الاختطاف. وأضاف المتحدث: "لا شك في أن الجريمة ظاهرة اجتماعية واقتصادية وثقافية قبل أن تكون فعلا شاذا يجرمه القانون وتجابيه القيم والأخلاق، وهي ظاهرة قديمة مستمرة في المجتمع البشري منذ الأزل"، مضيفا "الجريمة ظاهرة سلبية تهدد كيان أي مجتمع واستقرار أي فرد. لذا، كانت المجتمعات وما زالت تشرع مجموعة من القوانين الرادعة للحد من استفحال الجريمة فيها أو القضاء عليها، إضافة إلى ما يلاقيه المجرم من نبذ وتحقير من طرف المجموعة الإنسانية التي ينتمي إليها". وطالب المحامي بضرورة العمل على اجتثاث الجريمة من ينابيعها، بالقضاء على كل الظروف المهيئة للجريمة وتهيئة وسط يساعد على الإصلاح في المجتمع، وسط تعتلي فيه الأخلاق والتسامح والتعايش والاختلاف والمبادئ صدارة القيم فيه، لافتا إلى أن "ذلك لن يتأتى هذا إلا عن طريق مؤسسات تربوية ومؤسسات حاضنة تقوم بدورها في غرس وتكريس هذه القيم والأخلاق لدى التلاميذ لمنع انتشار السلوكات الإجرامية".