نزل خبر إصابة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفيروس كورونا المستجد على كثير من الأمريكيين كالصاعقة، خصوصا بين مؤيديه، في وقت تعيش فيه الولاياتالمتحدة واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية نتيجة الفشل في التصدي للجائحة. ويقف الأمريكيون على حقيقة أن هذا الفيروس لا يفرق بينهم، وأنه أصاب أعلى هرم في البلاد، بعد سبعة أشهر من الحرب ضده، وتسجيل البلاد أكثر من 209 آلاف حالة وفاة بسببه، وتجاوز عدد المصابين به سبعة ملايين و370 ألف حالة إلى حدود مساء السبت. وطوال الأشهر الأخيرة، ظل ترامب يقلل من خطر الإصابة بالفيروس، فتارة يعتبره مجرد انفلونزا موسمية، وتارة أخرى يتحدث عن اختفائه بحلول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل ضربت "كورونا" الجناح الغربي من البيت الأبيض بقوة. وإذا كان ترامب قد هون مرارا من خطورة الفيروس، إلا أنه وصفه ب"القاتل" في فبراير الماضي، خلال مقابلة مع الصحافي الأمريكي بوب وود ورد، لكن مضامين هذه المقابلة لم تخرج إلى العلن إلى غاية شتنبر المنصرم، ضمن كتاب نشره وود تحت عنوان "غضب". دعوة إلى التغيير ودعا عدد من السياسيين الأمريكيين إلى اعتبار هذه اللحظة التي تعيشها البلاد بمثابة "ناقوس للخطر"، والعودة إلى العلم والمختصين في مجال مواجهة الأوبئة، بدل التشكيك في خطورة الفيروس والجدال حول الكمامة. وعلى الرغم من ارتفاع عدد المصابين، إلا أن عددا من الولاياتالأمريكية لا تلزم مواطنيها بارتداء الكمامة في الأماكن العمومية، في حين أوصت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" بارتداء قناع أو قماش يغطي الفم والأنف للحد من انتشار الفيروس، في حين يبدي البيت الأبيض موقفا مغايرا من هذه التوصية. ونقل موقع "أكسيوس" الإخباري عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أنه لا توجد أي خطط لإصدار تعليمات تلزم الموظفين والزوار في البيت الأبيض بارتداء الكمامات، رغم إصابة الرئيس ترامب وعدد من المحيطين به بالفيروس. وإلى جانب ذلك، ظل الرئيس يسخر من منافسه الديمقراطي جو بايدن، بسبب ارتداء هذا الأخير للكمامة خلال مختلف الأنشطة التي يشارك فيها، مقابل ظهوره هو بالكمامة في مناسبات معدودة. وفي أول ظهور له بعد الإعلان عن إصابة ترامب، ظل بايدن يرتدي الكمامة طوال نشاط انتخابي في ولاية ميشيغن شمال البلاد ولم ينزعها حتى حينما تناول الكلمة كما عود مناصريه، وقال: "هذا الخبر هو تذكير لنا كأمة أننا بحاجة إلى القيام بعمل أفضل ضد الوباء"، معتبرا أن ذلك يعد أيضا ناقوس خطر. ودعا عضو مجلس النواب فرانك بالوني الإدارة الحالية إلى تغيير استراتيجية التعامل مع الجائحة بعد إصابة الرئيس، وقال في تغريدة عبر حسابه على "تويتر": "أتمنى للرئيس ترامب والسيدة الأولى الشفاء العاجل، وآمل أن تكون هذه الإصابة بمثابة جرس إنذار لكل من يرفض الاستماع إلى خبراء الصحة العامة"، وفق تعبيره. وذهب مدير الاتصالات السابق بالبيت الأبيض أنتوني سكاراموتشي في الاتجاه ذاته؛ إذ عبر في استجواب مع قناة "سي ان ان" عن حزنه من التطورات الأخيرة، وقال: "إنه أمر محزن للبلد، لأننا نعيش حاليا هذه المعضلة بسبب تسييس العلم والكمامات والصحة العامة، لذا آمل أن يكون هذا الوضع بمثابة ناقوس خطر للرئيس وموظفيه". مرحلة صعبة إصابة ترامب بكورونا تأتي في وقت تشهد فيه البلاد موجة ارتفاع جديدة للإصابات هذا الأسبوع؛ إذ سجلت أكثر من 54 ألف حالة إصابة جديدة يوم الجمعة، وهو أعلى رقم تسجله البلاد في يوم واحد منذ الرابع عشر من غشت الماضي. وحسب جامعة "جونز هوبكينز"، فإن 29 ولاية أمريكية سجلت معدلات إصابة أعلى خلال الأسبوع الأخير، مقارنة مع الأسابيع الأربعة الماضية، في مؤشر على المنحى التصاعدي للفيروس من جديد. ويعتقد مايكل أوسترهولم، مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا، أن الولاياتالمتحدة حاليا تتواجد في "منطقة مجهولة"، موضحا في تصريح لقناة "ان بي سي نيوز" أن الأسابيع المقبلة ستبين كيفية تعامل المواطنين الأمريكيين مع الفيروس بعد إصابة الرئيس. كما حذر من إمكانية انفجار الوضع. ويزيد اقتراب فصل الشتاء من صعوبة الوضع في الولاياتالمتحدة؛ إذ يختار أغلب الناس المكوث داخل الأماكن المغلقة حيث يزداد خطر الإصابة بالعدوى بشكل كبير، حسب خبراء الصحة. وفي هذا السياق، حذر أنتوني فاوتشي، الخبير الأمريكي في الأمراض المعدية، من هذا الوضع، وقال في حديث لقناة "أي بي سي": "لسنا في وضع جيد"، حسب تعبيره. وأفاد فاوتشي بأن هناك بعض الولايات التي قامت بعمل جيد في مواجهة الوباء، لكن هناك ولايات أخرى شهدت ارتفاعا في حالات الإصابة، وكذا زيادة الاستشفاء، في حين ذكر أنه من المحتمل أن ترتفع حالات الوفيات أيضا. هذا الوضع، بحسب الخبير الأمريكي، يحتم على البلاد مضاعفة الجهود، وقال في هذا الإطار: "نحن حقا في حاجة إلى تكثيف إجراءات الصحة العامة التي نتحدث عنها طوال الوقت"، مشددا على ضرورة تقليص عدد الإصابات اليومية إلى ما دون 10 آلاف.