"استعمال الكمامة يعارض نظام التنفس الذي منحه لنا الرب"، "لا أريد ارتداء الكمامة لنفس سبب عدم ارتداء الملابس الداخلية"، "الكمامة يمكن أن تؤدي إلى الاعتداء الجنسي على الأطفال". كانت هذه تصريحات لمواطنين أمريكيين في مقاطعة "بالم بيدج" في ولاية فلوريداجنوب البلاد، خلال تصويت مجلس المقاطعة على إلزامية ارتداء الكمامة في الأماكن العمومية، في وقت تعرف فيه الولاية ارتفاعا مضطردا لعدد الإصابات الجديدة بفيروس "كورونا". تقدم هذه التصريحات أحد ملامح الانقسام الذي يعيشه المجتمع الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، بعد أن تم "تسييس ارتداء الكمامة"، وبرزت نظريات مؤامرة عديدة حول "كوفيد 19"، بالرغم من انتشاره الكبير في جميع الولاياتالأمريكية. وبالرغم من ارتفاع أعداد المصابين فإن أغلب الولايات لا تلزم مواطنيها بارتداء الكمامة في الأماكن العمومية؛ في حين أوصت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" بارتداء كمامة أو قماش يغطي الفم والأنف من أجل السيطرة على هذا الانتشار، في وقت يبدي فيه البيت الأبيض موقفا مغايرا لهذه التوصية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "كايزر فاميلي" هذا الشهر أن 89 في المائة من الديمقراطيين و72 في المائة من المستقلين قالوا إنهم يقومون بارتداء كمامات خلال وجودهم خارج بيوتهم، مقارنة ب58 في المائة من المنتسبين إلى الحزب الجمهوري. لماذا لا يرتدي ترامب كمامة أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاومة قوية لارتداء الكمامة، إذ لم يظهر في أي مناسبة وهو يرتدي كمامة؛ في حين أنه سخر من منافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي ظهر في مناسبات عديدة وهو يرتديها. ولإبراز موقفه الرافض، قال دونالد ترامب، في حوار له مع جريدة "وول ستريت جورنال"، إن "ارتداء الكمامة سيف ذو حدين"، مشيرا إلى أن ارتداءها "يعد بيانا سياسيا وليس إجراء صحيا وقائيا". وانقسمت مواقف قادة الحزب الجمهوري حول جدل الكمامات؛ فقد قال لامار أليكساندر، السيناتور الجمهوري عن ولاية تينيسي، إن "ارتداء ترامب لكمامة سيزيل الوصمة السياسية المرتبطة بهذا الموضوع". وأضاف السيناتور ذاته، في حديث لشبكة "سي إن إن"، أن "ارتداءها مهم من أجل الحد احتواء انتشار الفيروس، حسب خبراء الصحة". وذهبت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، في الاتجاه ذاته. وقالت بيلوسي، في مقابلة مع قناة "إي بي سي" الأحد، إن على "ترامب أن يكون رئيسا يقدم المثال للجميع؛ فالرجال الحقيقيون يرتدون الكمامات، ويقدمون النموذج"، وفق تعبيرها، داعية ترامب إلى الظهور في الأنشطة العامة وهو يرتدي كمامة. فوائد الكمامة خلصت دراسة أجرتها جامعة واشنطن إلى أنه إذا ارتدى 95 في المائة من الأمريكيين الكمامات، فإن ذلك سيساهم في خفض عدد الوفيات بسبب فيروس "كورونا" بما يناهز 330 ألف حالة بحلول الأول من أكتوبر المقبل. وكشفت دراسات عملية أن فرض عدد من الدول على مواطنيها ارتداء الكمامات في الأماكن العامة ساهم في الحد من انتشار الوباء؛ كما هو الحال بالنسبة إلى دراسة أجرتها "هيلث أفيرز"، التي أبرزت تجربة كوريا الجنوبية التي تعد من أهم التجارب الناجحة في مواجهة انتشار "كورونا" عبر العالم. دعوة الكمامات في الولاياتالمتحدة تقودها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ لكن هذه التوصيات جاءت بعد تصريحاته عديدة لأنتوني فاوتشي، رئيس هذه المراكز، قال فيها إن "المواطنين ليسوا في حاجة إلى ارتداء الكمامات"، قبل أن يبرر فاوتشي تغيير موقفه بأن الولاياتالمتحدة كانت تخشى نفاد الكمامات للأطقم الطبية. وبعد أن تمكنت المصالح المختصة من توفير هذه الكمامات للأطقم الطبية المعنية بشكل كاف، تمت دعوة جميع المواطنين إلى ارتدائها في الأماكن العمومية من أجل الحد من انتشار الفيروس. وكتبت "نيويورك ماغازين" أن "الأمريكيين لا يثقون في خبراء الصحة؛ لأن هؤلاء الخبراء لا يثقون في وعي المواطنين لمواجهة الفيروس"، مشيرة إلى أن "عدم الثقة في قدرة الجمهور على التصرف بمسؤولية دفع هذا الجمهور إلى الاعتقاد بأن نصائح المتخصصين عديمة الفائدة".