كشف الشريط السينمائي "دقات القدر" الذي بثته القناة الأولى المغربية مساء يوم الجمعة الأخير، المستمد من رواية "السمفونية الخامسة" للروائي والمخرج والسيناريست محمد اليونسي عن محطات تاريخية مهمة عاشها المقاومون بمنطقة الريف بالمغرب، حيث إن شخصيات هذا العمل السينمائي تتأرجح صفاتها بين الفاضلة والانتهازية، منها من أبانت عن مواقف إنسانية متشبثة بمبادئها ومنتصرة لخصالها والدفاع عن حوزة الوطن بروح فدائية عالية، وأخرى منمطة يسكنها الجشع والنفاق والخيانة والظلم. كما جسدت مضامين "دقات القدر" بعمق عن وعي فني سينمائي، بواسطة تشكيل مرئي للصورة السينمائية، التي استعارت شتى أشكال الرموز والدلالات لتشييد منجزها الفني، كتوظيف تقنيات تقابلية ضدية في صور الشريط: (نهار/ ليل) (ضوء/ ظلام) (ضجيج /سكون) (سلم /حرب) (حلم / واقع)...، وكل هذه التقابلات الضدية المتباينة ساهمت في إثراء معنى ومغزى "دقات القدر"، باعتبار أن الإنسان مرتبط بقدره، مهما حاول التملص منه، وهذا السؤال الدلالي يبدو لنا يشكل الرهان الإبداعي الذي ركز عليه المخرج، حتى يستطيع المتلقي التفاعل مع أحداث الشريط بشكل يستوحي فعل إعادة قراءة الأحداث التاريخية التي ذهب ضحيتها جملة من المقاومين المغاربة في حرب الريف وتأثرهم بالغازات السامة إلى جانب أهاليهم. ومن أبرز مشاهد هذا الشريط كذلك، أنه قدم صورة المرأة المغربية في موقف بطولي ومثالي، ضحت بالغالي والنفيس من أجل التشبث بكرامتها وأخلاقها ومبادئها متحدية المساومات والترغيب والترهيب في أن تعتنق ديانة أخرى تحت فعل الإكراه، ويمثل هذا الموقف شخصية "مارية"، الفتاة المغامرة بحثا عن الحرية والاستقلالية في أخذ القرار، وليست خنوعة للضغوطات التي مارسها عليها الرهبان في الكنيسة، ومتمردة على كل القيود التي كبلت بها. كما أن شخصية" توضا" كسرت بدورها التقاليد والتوصيات المشبوهة التي قيدت حرية المرأة في تلك الحقبة التاريخية الحرجة. نستنتج على ضوء هذا المعطى الفني السينمائي أن شريط "دقات القدر" أعاد تمثيل أحداث تاريخية عرفتها منطقة الريف المغربية، بطريقة إبداعية فنية صورت روح المقاومة الشرسة التي تزعمها المقاومون بقوة واستماتة في مواجهة جيش الاحتلال، رغم توفر هذا الأخير على ذخائر متطورة في العتاد والأسلحة العصرية، بيد أن حب الوطن عند رموز المقاومة بالمنطقة ثورة عبد الكريم الخطابي والقبائل المساندة له تعد نموذجا يحتذى به في بسالة المقاومة الريفية التي حالت دون تحقيق المستعمر الإسباني لمآربه ومخططاته الاستعمارية. ونشير إلى أن هذا الشريط ساهم في تقديم بطولته الممثلة والكاتبة الروائية يسرى طارق، إلى جانب نخبة من أبرز نجوم فن التمثيل بالمغرب نذكر على سبيل المثال لا الحصر، عبد الله شاكيري ومحمد الشوبي ورفيق بوبكر وبعض الممثلين الأجانب. *باحث في التراث والثقافة