برؤية سردية موغلة في التّاريخ تعودُ بالقارئ إلى عوالمِ السّلطة الخفيّةِ وكواليسِ الحكمِ الفانيةِ، يتتبّعُ الكاتب الفرنسي ماييل غونوارد، في روايتهِ "مؤرّخ المملكة" الصّادرة حديثاً عن دار النّشر "Grasset"، مشوارَ "مستشار" الملك الرّاحل الحسن الثّاني عبد الرّحمان الجريب، الذي عُيّن في هذا المنصب عام 1968، وهو مشوارٌ بدأ "مبهماً" وانتهى "غامضاً". لم يكن عبد الرّحمان الجريب، الذي يقدّمه الكاتب كبطل للرّواية، سوى شخصيّة من "خيالِ" المؤلّف الذي يعود في متنِ قصّتهِ إلى سنوات الأربعينيات التي شهدت بروز "وليّ العهدِ" الحسن الثّاني، في المدرسة المولوية، إلى جانب الجريب الذي أصبحَ في ما بعد مستشارًا ومؤرّخًا للمملكة، يقدّم النّصح للملك، كما كان يفعلُ "مؤرّخوا ومستشارو الملوك الفرنسيين الذين كانوا ينهلون من التّاريخ القديم في نصائحهم". ويعودُ الكاتب في روايتهِ إلى طرق تدريس وليّ العهد الحسن الثّاني في المدرسة المولوية.."شخص ما مقرّب من الملك يختار حوالي خمسة عشر طفلاً من عمر الأمير لمرافقته خلال هذه السّنوات الدراسية، يتم اختيارهم بعناية. ويدرس الأمير مع رفاقهِ الذين يمثّلون جميع الطبقات الاجتماعية المختلفة في البلاد". وفي حوارٍ له مع مجلّة destimed الأدبية يقول الكاتب الفرنسي في شرحهِ لأسباب تناولهِ الحياة الخاصّة ل"وليّ العهد الحسن الثّاني": "لقد وجدت في ذلكَ متعة حقيقية، خاصّة في الجانب التّاريخي. وكانت هناك لمسة رومانسية في الأحداث، تجمعُ لحظات من القرن السابع عشر والقرن العشرين. ومن وجهة نظر الجغرافيا شرقًا وغربًا، أردتُ أن أسلّط الضّوء على هذا الجو الفريد جدًا من خلال الكتابة..إنه أيضًا سياق تاريخي غنيّ بالأحداث، والالتواءات والمنعطفات، والحكايات المتعلقة بحياة البلاط". ويكملُ الأديب الفرنسي الذي يوصفُ في الأوساط الأدبية الباريسية ب"الطّموح": "أدهشتني قراءة الأعمال التاريخية عن الحسن الثاني، إنّها توليفة ماتعة تمتزجُ فيها خيالات الكاتب والأمكنة والشّخصيات، هو عالم يعيدُ سردَ حكايات 'ألف ليلة وليلة'. وهنا يمكن العودة إلى قصّة الحسن الثّاني عندما سافر متخفيًا، متنكرا في زي رجل عادي، لاستقصاء رأي الناس، مثل خليفة بغداد في 'ألف ليلة وليلة'". كما يعود الأديب الفرنسي إلى قصّة أخرى كان بطلها الملك الرّاحل، موردا: "قرأت في سيرة الحسن الثاني أنه أجبر ابنة أحد ضبّاطه على الزواج من رجل قبيح للغاية، وهي حكاية مشابهة جدًا في قصة 'ألف ليلة وليلة'". هي قصّة يرى الكاتب أنّها ''بحث مضن في التّاريخ وسير الحسن الثّاني، والكتب التي نشرها بنفسه، محاولاً تقريب شخصيتهِ الرّئيسة في الرّاوية من عوالم الملك الرّاحل، ومنغمساً في عالم الأدب، من خلال "مذكرات" القديس أو "ألف ليلة وليلة" ترجمة أنطوان غالاند، وكذا Le Siècle de Louis XIV من تأليف فولتير (الذي كان هو نفسه، لبعض الوقت، مؤرخًا في خدمة لويس الخامس عشر) و"Histoire d'une Grecque moderne" للكاتب بريفوست". وفي هذا الصّدد، يؤكّد الكاتب المغربي الطاهر بنجلون في رأي منشور على مجلة "لوبوان" أنّه "لا أحد ممن مرّوا بالكلية الملكية يمكنه أن يروي هذه التّجربة (يقصد تجربة الدّراسة إلى جانب الملك)"، مردفا: "ربما تم توجيههم بعدم الكشف عن أي شيء عن حياتهم خلال هذه السنوات عندما كان لهم شرف الدّراسة مع الأمير. نعلم أيضًا أن الأمير، بمجرد أن يصبح ملكًا، يجند مستشاريه من بين زملائه السابقين في الفصل. إنه تقليد مغربي". ويضيف الأديب الفرانكفوني: "هي رواية مكتوبة بلغة لا تشوبها شائبة. نحن نبحث عن المؤلف وراء الاسم الفرنسي الذي قدمه الناشر، نتكهن ونتخيل ولا نجد شيئًا. من هو هذا المغربي الذي تجرأ على خيانة أسرار الدّراسة مع الأمير؟ نقول لأنفسنا، هذا الرجل الذي يروي القصص لا بد أن عمره يقترب من 90 عامًا.. اسمه عبد الرحمن، هو من أصل متواضع، وطالب لامع". وخصّص كاتب الرّواية فصلاً مهمّا من قصّتهِ لأحداث انقلاب 10 يوليوز، إذ كان عبد الرحمان الجريب، وهو مستشار الملك وبطل الرّواية وأحد ضيوف "صاحبة الجلالة" في عيد ميلاده؛ بحيث يحكي أنّه تبع الملك عندما اختبئ في الحمام خوفاً من بطش الانقلابيين، حيث سيجد كبار القوم ورجالا ذوي نفوذ مختبئين في دورات المياه، وبعد هذه المحنة، التي تم سردها بتفصيل كبير، تم تعيينه "مؤرخ المملكة". وسرعان ما سيدرك البطل أنّ هذا التّعيين علامة على "عدم الرّضا"، إذ أصبح بدون مهمّة، وهو تعيين أبعده عن الرّباط، وسيقضي حياته بين لحظات "النعمة" وأخرى من الخزي. ويقول الكاتب: "الملك له قراءته الخاصة للأشياء. لا أحد يعرف أو يجرؤ على طرح الأسئلة. نحن لا نناقش قراراً ملكياً". "وتظهر رواية 'مؤرخ المملكة'، ونشرتها Grasset، كرواية تاريخية هائلة ودقيقة. نقول لأنفسنا: إنه يقول كل شيء، بلا عقدة، بلا رقابة!"، يؤكّد الكاتب المغربي بنجلون. ويمثّل غونوارد صاحب الرّاوية أستاذ الفلسفة السّابق في جامعة السوربون الذي لم تطأ قدمه المغرب مطلقًا، والذي، وفقًا لتصريحاته، ليست له صلة بالمملكة، بصرف النظر عن الاهتمام الكبير جدًا بدراسة تاريخها. ويتحدث الكاتب عن "جاذبية معينة. ليس للحسن الثاني في البداية، ولكن لمولاي إسماعيل، سلطان الإمبراطورية الشريفية العظيمة (1646-1727)"، تكتب مجلّة جون أفريك.