قضية اغتصاب وقتل الطفل عدنان لم تعد قضية أسرته وحدها، بل قضية المجتمع والدولة ومؤسساتهما. وأول ما يجب على الدولة تقديمه لأسرة الضحية في هذه اللحظة، هو تعيين أخصائيين نفسيين واجتماعيين لمساعدة الوالدين على تجاوز الأزمة النفسية وتداعياتها. فهذه القضية تسائلنا جميعا عن هذه التحولات الخطيرة التي تحدث في المجتمع والمآل الأخطر الذي نتجه إليه. تحولات عجزت مؤسسات المجتمع والدولة عن مواكبتها ولا حتى فهمها؛ وغدا واضحا أن الجميع، مسؤولين، مشرّعين، مواطنين في وضعية استقالة واستكانة إزاء ما يمور في المجتمع. إننا نعيش وضعية تطبيع تام مع كل أنواع الجرائم، وعلى رأسها الاغتصاب والقتل. فما أن تحدث جريمة اغتصاب حتى تتعالى الأصوات التي تلتمس الأعذار للجناة عبر سلسلة من التبريرات تجعل الجناة ضحايا لدوافع نفسية لا شعورية أو اقتصادية أو غريزية، فتلقي بالمسؤولية على الآخر (الدولة والمجتمع والضحايا). فعند حدوث عمل إرهابي ينبري دعاة التبرير إلى تحميل الدولة كامل المسؤولية في انتشار الفقر والجهل والأمية كما لو أن الإرهاب نتيجة ميكانيكية للفقر. أما عند ارتكاب جرائم اختطاف الفتيات واغتصابهن أو التحرش بهن في الفضاء العام يتصدى دعاة الأسلمة إلى تحميل الضحايا مسؤولية ما يتعرضن له إما بسبب اللباس أو التواجد خارج المنازل كما لو أن الفضاء العام خاص بالذكور والمجرمين دون العنصر النسوي. وكذلك عند ارتكاب عمليات النشل أو السطو أو النهب (نهب الأكباش قبيل العيد)، تخرج الأصوات مبررة هذه الجرائم بالفقر والغلاء والتهميش. تبرير الجريمة جزء منها، والسكوت عنها مشاركة فيها. إن انتشار ظواهر التحرش والاختطاف والاغتصاب ليس له من تفسير سوى ضعف وترهّل المنظومة التشريعية فضلا عن تضخم البيروقراطية التي تزيد مساطر التبليغ والتقاضي تعقيدا، ما يشجع على تعطيل القانون وشراء الأحكام القضائية (أحكام كثيرة بتبرئة المجرمين من تهم الاغتصاب رغم توفر كل الأدلة المادية والقرائن، كثير من ضحايا الاغتصاب والتحرش لا يتم التعامل مع شكاياتهن بكل جدية ومسؤولية لدى الضابطة القضائية)، فضلا عن كون ثقافة العنف بكل أشكاله باتت سائدة في المجتمع وتظهر في مستويات الحياة العامة للمواطنين (عنف السائقين، العنف في المدارس، العنف في المواقع الاجتماعية، العنف في المنازل والمعامل...). كل هذه العوامل وغيرها (العوامل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية) صارت تحرض على العنف، ينضاف إليها ضعف الشعور بالخوف من العقوبات السجنية لما باتت السجون توفره من الخدمات التي لا تتوفر لكثير من المواطنين الأسوياء خارج أسوار السجون. الأمر الذي يقتضي: 1. مراجعة المنظومة الجنائية بما يجعل العقوبات السالبة للحرية تستهدف الأشخاص الذين يشكلون خطرا على غيرهم وعلى المجتمع مقابل اعتماد العقوبات البديلة في القضايا الجنحية. فالسجون صارت بمثابة معاهد لتكوين السجناء الخطيرين بحكم تبادل خبرات المجرمين. 2. تشديد العقوبات في قضايا العنف والاختطاف والاغتصاب مع إعادة تصنيف السجون وفرز السجناء حسب الجنح أو الجنايات المتابعين فيها حماية للسجناء من عدوى الجرائم. بالإضافة إلى تحويل السجناء إلى قوة إنتاجية تستفيد الدولة من طاقاتهم لتغطية تكاليف إقامتهم بالسجون، وإنجاز أوراش تنموية مهمة. 3. تنفيذ عقوبة الإعدام في الجرائم المتعلقة بالإرهاب والاغتصاب المقرون بالقتل. فكلما كانت العقوبة رادعة انخفضت نسبة الجرائم الخطيرة. وأيا كانت دوافع المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام ومبرراتهم، فإن المآسي التي يخلّفها المجرمون القتلة تستوجب تحقيق العدالة بالنسبة لأهل الضحايا قبل كل شيء، ثم ضمان الأمن واستقرار النظام الاجتماعي. إذ لا يمكن إقناع ذوي الأطفال ضحايا الاغتصاب والقتل بأن الدولة حققت لهم العدالة بأن حكمت على المجرمين بالسجن المؤبد الذي سيتحول إلى محدد وقد يستفيد من العفو بعد انصرام ثلثي المدة. ولعل التقارير حول مؤشر الجريمة في الدول يمدنا بمعطيين أساسيين: أولهما: أن الدول التي تطبق منظومة جنائية تعتمد الأحكام المخففة تتصدر لائحة الدول من حيث معدل جرائم الاغتصاب، كما هو الحال بالنسبة للسويد التي تحتل المرتبة الرابعة عالميا، والأولى أوروبيا وغربيا بمعدل 64 حالة اعتداء جنسي لكل 100 ألف نسمة، بحسب القائمة التي نشرها عام 2019 موقع "trendrr"، المختص بعرض قوائم الصدارة العالمية في مختلف الأصعدة، استنادا إلى إحصاءات لمراكز ومنظمات بحثية محلية ودولية. ثانيهما: أن تقارير المنظمات الدولية حول الجريمة تفيد بأن المنظومات الجنائية القائمة على الصرامة وتشديد العقوبات، بما فيها تنفيذ أحكام الإعدام، يكون لها تأثير مباشر على انخفاض معدلات الجريمة. فبحسب التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي لسنة 2016، الذي يقيس معدل الجريمة بصورة نصف سنوية ل117 دولة، نجد كوريا الجنوبية مثلا التي تطبق عقوبة الإعدام تحتل المركز الأخير "117"، لتكون أقل دول العالم في معدلات الجريمة بتقييم 14.31، تليها سنغافورة في المركز قبل الأخير، ثم اليابان وهونغ كونغ وتايوان. الخلاصة نفسها يمكن استنتاجها من التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي لعام 2019، الذي تقوم بإصداره موسوعة قاعدة البيانات "نامبيو"، حيث احتلت قطر التي تطبق عقوبة الإعدام المركز الأخير كأقل دول العالم في معدلات الجريمة بتقييم 13.26، تليها اليابان في المركز قبل الأخير والإمارات وتايوان وهونغ كونغ وجورجيا، فيما احتل المغرب المرتبة الخامسة عربيا و12 إفريقيا و37 عالميا؛ بينما التقرير السنوي العالمي لمؤشر الجريمة للنصف الأول من سنة 2020 صنّف المغرب في الرتبة ال45 عالميا، وال15 إفريقيا. ويعتمد المؤشر على معايير عديدة كجرائم القتل والسرقة والسطو والاغتصاب ويرتب الدول بمقياس يتراوح من صفر إلى 100، حيث كلما اقتربت دولة من الصفر كانت معدلات الجريمة فيها قليلة، فيما ترتفع هذه المعدلات في حالة اقتراب تقييم دولة ما من 100. نحن إذن أمام ظاهرة خطيرة آخذة في الانتشار، ولا يكاد يمر يوم دون أن نسمع أو نقرأ أخبارا عن حالات اختفاء أطفال أو اغتصاب. من هنا يبقى المدخل الأساس والاستعجالي هو تغيير القانون بتشديد العقوبات، فكما كان إعدام الحاج ثابت عبرة لكل رجل سلطة سولت له نفسه استغلال سلطاته لافتراس أجساد النساء والعبث بكرامتهن، سيكون إعدام مغتصبي الأطفال وقاتليهم رادعا لكل وحش آدمي، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن؛ فالقانون الجنائي المغربي يشجع على الإجرام بكل أنواعه، وخاصة جرائم الاغتصاب التي يميز فيها بين ضحايا الاغتصاب (هتك عرض، اغتصاب فتاة بكر، اغتصاب متزوجة أو مطلقة أو أرملة) حيث تختلف العقوبات التي تظل غير رادعة في كل الأحوال. وهذا الذي يشجع المجرمين على اقتراف جرائمهم (هجوم مجرمين بسلا على فتاتين بمسكنهما واغتصباهما دليل على فقدان الخوف من هذا القانون المشجع للمجرمين). وكلما فقد القانون هيبته ساد الخوف وانتشر الإجرام. لقد حان الوقت لإعادة الاعتبار للقانون وللقضاء ولمؤسسات الدولة التي ينبغي أن تسهر على تطبيق القانون وحماية حقوق المواطنين وأمنهم.