إن الأغلبية الحكومية و المعارضة كلاهما يعترفان بصعوبة الظرفية الاقتصادية التي يمر منها المغرب، نظرا لتأثره المباشر بما يعانيه الاتحاد الأوروبي الغارق في أزمته المالية الخانقة التي تكاد أن تعصف بمنطقة " اليورو" برمتها، لكونه الشريك الاقتصادي الرئيسي للمغرب، مما سيكون حائلا دون أن تحقق الحكومة الحالية، بزعامة حزب العدالة والتنمية، لكثير من وعودها التي أطلقتها خلال التصريح الحكومي الذي حازت به الثقة أمام البرلمان عبر جلب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص الشغل. في الواقع، لا يمكن لأحد أن ينكر الصدى الطيب الذي خلفه تنصيب حكومة السيد بن كيران في نفوس الكثير من المغاربة، لكن ليس بالأحاسيس الطيبة وحدها يمكن إخراج الناس من المشاكل التي يعيشونها وتحسين أحوالهم الاقتصادية وإن بدرجات متفاوتة، بل لا بد من إتباع الوعود والمتمنيات بالعمل الواقعي والجاد. لكن ماذا تحاول حكومة السيد عبد الإله بنكيران فعله للخروج من الوضعية الحالية ؟ المتتبع للخطوات التي صدرت عن الحكومة الحالية، يلاحظ أنها خطوات متعددة الاتجاهات والمسارات، إن على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي. فعلى المستوى الوطني تحاول الحكومة من جهة، الإسراع بإسكات صوت الاحتجاجات التي تصدر هنا وهناك في شتى مناطق المغرب، عبر مسكنات ومهدءات، لم ترتق لحد الآن إلى مستوى إجراءات عملية تروم معالجة مسببات تلك الاحتجاجات من جذورها عبر وعود بإحداث برامج تنموية، وفتح حوار حول معضلة البطالة ( حالة أحداث تازة، احتجاجات المعطلين بالرباط الخ...). أضف إلى ذلك، فتح ملفات الفساد المالي ( الذي هو بالمناسبة واجب على الحكومة وليس منة تمن بها على المغاربة ) الذي بدأ يطيح ببعض الكبار لصوص المال العام وأباطرة الفساد في العهد السابق، من خلال إحالة ملفاتهم إلى القضاء. إن انتظارات المغاربة من موضوع محاكمة رموز الفساد سوف لن تقف عند حد سجن ناهبي المال العام،لأن السجن وحده لن يقدم ولن يؤخر في الأمر شيء، بل لابد من إرداف ذلك باسترداد الأموال التي نهبوها عبر مصادرة أموالهم وممتلكاتهم، حتى يتم استيفاء آخر درهم سرقوه من أموال الشعب. إن استرداد الأموال المسروقة سيكون له انعكاس كبير على المالية العامة من جهتين. الأولى: بضخ تلك الأموال في مشاريع تنموية تروم تحسين وضعية الفئات الاجتماعية الفقيرة، التي لم تستفد قطعا من سياسات الحكومات السابقة. والثانية: أنه سيتم إيقاف نزيف المال العام مستقبلا، وقصر يد اللصوص عنه، نظرا للعبرة التي سيأخذها الجميع من خلال المحاكمات التي يجب أن تطول كل من كان في منصب المسؤولية واستنزف خيرات البلاد والعباد، وكل من شاركهم أو استفاد معهم من قريب أو بعيد. الكل يعلم أن حكومة السيد ابن كيران، إذا لم تربح رهان محاربة الفساد، فهي ستخسر كل رصيدها أمام المغاربة وأمام شركاء المغرب الدوليين. تخسر رصيدها الانتخابي أمام المغاربة مما سيكون له انعكاس على المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية أكثر من باقي الأحزاب المشاركة معه في الائتلاف الحكومي، حيث سيحل به ما حل بسابقيه من الأحزاب، ممن كان في المعارضة وانتقل إلى السلطة ( والكلام هنا ينسحب بالخصوص على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوت الشعبية). وتخسر رصيدها أمام الشركاء الاقتصاديين الدوليين، حيث سيحرمها ذلك من جلب استثمارات جديدة، يكون لها دور في إخراج الاقتصاد المغربي من أزمته، عبر ضخ أموال مهمة وخلق فرص شغل عبر تلك الاستثمارات، المغاربة في حاجة ماسة لهما. أما على المستوى الدولي، فقد حاولت الحكومة تنويع علاقاتها وشركاءها الدوليين والاقتصاديين بهدف الحصول على علاقات اقتصادية متميزة، تعود بالنفع على المغرب، مع مختلف العناصر الإقليمية والدولية، من خلال تشجيع دخول استثمارات تلك الدول للمغرب عبر الترويج للنموذج المغربي ( الإصلاح في ظل الاستقرار )، أو من خلال فتح أسواقها أمام الصادرات المغربية. وهذا كله ترجمته تحركات الدبلوماسية المغربية وسعيها الحثيث إلى العمل على بعث الروح من جديد في الاتحاد المغاربي، ذهاب رئيس الحكومة إلى مؤتمر " دافوس" الاقتصادي، والزيارات الكثيرة لوزير الخارجية سعد الدين العثماني للعديد من الدول الإفريقية والأوروبية. إن السيد بنكيران يعلم جيدا، أن رأس ماله هو" المعقول "، كما كان يقول دائما، ولكي يترجم هذا المعقول إلى واقع يمشي على رجليه، عليه أن يكون حازما في اتخاذ القرارات المناسبة والجريئة التي تعطي لكل ذي حق حقه، وأن لا ينتهج سياسة المداهنة ولا المهادنة مع لو بيات الفساد مهما تشعبت شبكاتها وعظمت قوتها. صحيح أنه يمارس السلطة مع فاعلين آخر، أحزاب متحالف معها، القصر. كما أن هناك " لوبيات " وجماعات ضغط متعددة ومتشعبة المصالح ترفض التخلي عن امتيازاتها، لكن هذا كله لن يكون مبررا له أمام الشعب، إن هو فشل في مهمته باعتباره رئيسا للحكومة والمسئول الأول عن سياستها، ما لم يكن هو صريحا وصادقا معه في الإعلان عن سبب الفشل، ومن يقف وراءه؟ كما وعد بذلك المغاربة في حواراته الصحفية مع وسائل الإعلام. إن على السيد عبد الإله بن كيران ، أن يكون حازما في قراراته وسياساته، وأن يلزم حكومته بأن تكون في خدمة الفئات المستضعفة أكثر منها في خدمة الأغنياء وأصحاب الامتيازات، خاصة وأن برنامج عمل حكومته رفع شعار مكافحة الفساد وترسيخ الحكامة الجيدة في مختلف القطاعات، ولا سبيل لذلك إلا عبر استحضار مقولة : " إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ".