أعلنت وزارة الداخلية وجزمت عبر بلاغ لها أن سنة 2021 ستكون سنة انتخابية بامتياز، وبذلك تكون قطعت الشك باليقين، بعد الأخبار التي تم تداولها بشأن تأثير تفشي الفيروس التاجي وتداعياته على بلادنا وعلى العالم بأسره. وأطلقت عقب ذلك سلسلة من المشاورات مع الهيئات السياسية، همت طرق التنظيم والتدبير. وواكبت كل هذا مجموعة من التكهنات والتوقعات، لدى كل من المهتمين والمتخصصين، كما شكلت موضوعا لنقاشات الصالونات السياسية، وعبر الجرائد بمختلف أنواعها؛ ولم تسلم من ذلك حتى النقاشات العادية المجتمعية في الأوساط العائلية والمقاهي وغيرها. وظل السؤال المحوري يخص اسم الحزب الأغلبي الذي سيتسلم زمام أمور الحكومة المقبلة. وبالرجوع إلى الوضعية الحزبية الراهنة، يتضح بشكل جلي أنه يكتنفها الكثير من الخلط، وأن الرؤية غير واضحة، نتيجة الاضطراب في المواقف لدى الأحزاب السياسية المتواجدة في مقدمة المشهد السياسي؛ ونتيجة كذلك للوضعية الحزبية "المضطربة" لدى الكثير منها. وحتى نمسك ببعض الأدوات التي ستمكننا من الوصول إلى تحديد جزء كبير من ملامح "الحزب الأغلبي لسنة 2021"، فإن الوضع يتطلب منا تشخيص جوانب أساسية واستعراض بعض المؤشرات الخاصة بمؤسساتنا الحزبية. حزب العدالة والتنمية الذي "يقود" الحكومة الحالية خضعت "متانة وحدته" لامتحان عسير إبان تشكيل هذه الحكومة، بعد إعفاء أمينه العام السابق من المهمة، وما رافق ذلك من تفاعلات داخلية حادة من عقد لمؤتمر مجلسه الوطني الذي أفضى إلى عدم التمديد لأمينه العام آنذاك، وإطلاقه جولات من الحوار الداخلي... كل ذلك إذا ما أضيفت إليه القرارات القاسية (المقاصة، والتقاعد، والتعاقد...) التي اتخذت إبان حكومة بنكيران، والصورة الباهتة التي ظهر بها الحزب في تسيير دواليب الحكومة الحالية؛ والتي عرفت تعديلا وصف بالتعديل من أجل حكومة الكفاءة؛ إضافة إلى ما واكب ذلك من "سلوكيات" بعض قياداته، التي أضرت بما يدعيه من "طهرانية"، إلى جانب عوامل أخرى، سيجعلنا نجزم بأن هذا الحزب سيتراجع انتخابيا ولكن لن يهزم، ولعل ما سيضمن له ذلك هو تنظيمه المتميز إذا ما قورن بخصومه الحزبيين، ف"قوته" يستنبطها من ضعف فهمهم للتدبير التنظيمي الحزبي والسياسي. ورغم هذا التفوق "المزعوم" الذي يحظى به الحزب بالنظر إلى غياب منافسين حقيقيين، والتميز الذي يتسم به، فإن استمرار قيادته لحكومة ثالثة سيبقى أمرا غير محسوم فيه، لاعتبارات يصعب عرضها هنا؛ فبالقدر الذي يبدو ذلك منطقيا من الناحية الميدانية فإن عكسه يبقى واردا سياسيا. أما حزب التجمع الوطني للأحرار الذي انبرى إلى منافسة خصمه (العدالة والتنمية) بديلا عن حزب الأصالة والمعاصرة (الصيغة الإلياسية التي حققت تقهقرا شنيعا أمامه، وأدت إلى زلزال مس قناعة وهيكلة الحزب ومازالت ارتداداته مستمرة إلى حدود الآن)، فرغم التفوق "المادي" الذي يتميز به، فإنه يفتقد إلى القيادة السياسية الكاريزمية، إضافة إلى هشاشة سمعة قياداته التي ترتبط بمجال المال والأعمال، وما رافق ذلك من تصريحات وسلوكيات غير مقبولة لدى فئات اجتماعية شعبية واسعة، استغلها خصمه ووظفها قصد إحراجه؛ إضافة إلى تصريحات بعض قياداته التي تتسم بما يمكن أن ننعتها ب"السذاجة الخطابية السياسية". وقد حدث هذا عدة مرات في لقاءات حزبية دعائية موجهة للعموم. ويجب أن نستحضر مجموعة من الاستقالات التي حدثت مؤخرا داخل هذا الحزب؛ بل إن الأمر بلغ إلى حد الحديث عن بزوغ حركة تصحيحية داخله، في مرحلة كان من الواجب إطلاق السرعة النهائية للظفر بقيادة حكومة 2021.. ورغم ذلك فإنه بالقدر الذي قد ندعي عدم استطاعته في تحقيق مبتغاه، فإننا لا ننفي قدرته على الوصول إلى حلمه، لاعتبارات أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن حزب الاستقلال لا يعدم حظه في قيادة الحكومة المقبلة لاستفادته من تبعات التسيير حاليا، نظرا لاصطفافه في صف المعارضة، وثبات قاعدته الحزبية، وسمعة منشئه، وعدم دخوله في صراعات، سواء مع نظرائه الحزبيين أو داخل هيئته، منذ إبعاده لأمينه العام السابق من دفة قيادة الحزب، وتقلد شخصية أخرى بدله، على الرغم من ضعف كارزمتيها السياسية فإنها مسنودة من قبل جهات نافذة. ويبقى حزب الأصالة والمعاصرة الحلقة الأضعف في تقلد المنصب المذكور، بالنظر إلى "الزلزلة" التي تعرض لها، و"التخلية" التنظيمية التي عرفها إبان مؤتمره الأخير، إذ عرف بروز قيادة جديدة تدعي أنها لبت نداء القواعد من أجل "تطهير" الحزب، وتصحيح مساره، وقبل هذا وذاك تدارك "خطيئة النشأة"، وإعادة ترتيب الأولويات داخل البيت الداخلي، وإعادة صياغة تحالفات حزبية تراعي "البراغماتية السياسية" في المقام الأول. وبعد كل هذا التشخيص، فالسؤال العالق والملح هو: أي حزب سيقود حكومة 2021؟.. وإذا كنا قد اعترفنا منذ البداية بأن الوضع الحزبي الحالي لا يساعد في تحديد اسم بعينه، وإن كان الاسم لا يهمنا كثيرا، فإننا نجزم بأن "الحزب القائد" لن يخرج عن اللائحة الرباعية المذكورة؛ وبأننا قادرون على تحديد صفاته وملامحه وخصائصه، وسنقتصر على ذكر بعضها: أن فوزه جاء نتيجة وضع حزبي رتيب ومضطرب وفراغ تنظيمي حزبي رهيب، حيث الصراعات والحسابات الحزبية الضيقة المرتبطة في جزء كبير منها بالانتصار للذات وللمصالح الشخصية، البعيدة عن المصالح المجتمعية العامة؛ وفي أحسن الأحوال الانحياز إلى التعصب الحزبي "المقيت". أن الظفر برئاسة الحكومة المقبلة قد يكون، في نصيب منه، وليد التعاطي ل"منشطات" محرمة دستوريا (دينية أو مادية، أو وعود زائفة...)، فالدعاية الانتخابية تستلزم استعمال آليات وأدوات شرعية متعارف عليها كونيا، يأتي في مقدمتها برنامج طموح، لكنه قبل ذلك، يجب أن يكون واقعيا وقابلا للتطبيق؛ فهم المواطن هو الشغل والسكن والمدرسة والمستشفى، وغير ذلك مما يضمن له حياة كريمة؛ وأما ما دون ذلك فدغمائية لا تصلح لا في "العير" ولا في "النفير"، ما سيزيد من منسوب العزوف الانتخابي، والمساهمة في خلق جيوش من الغاضبين والمنتقدين للوضع. أن قيادته للحكومة لا تعني بالضرورة القوة التنظيمية والشعبية الواسعة، بل إن الأمر لا يتعدى استغلال ظاهرة مستفحلة وخطيرة تتجسد في تغول العزوف الانتخابي. ويتضح ذلك حال رجوعنا إلى الأرقام المسجلة خلال الاستحقاقات السابقة. وخلاصة القول إن تلك هي صفات وخصائص والتزامات ومسؤوليات الحزب القائد للحكومة المقبلة، وهي التي تهمنا في المقام الأول؛ وعليه فإننا ندعو أحزابنا السياسية اليوم إلى تنفيذ اختصاصاتها وفق ما ينص عليه الدستور، من تأطير وتدبير ووضع خطط، ورسم رؤى مستقبلية تحسن من وضع بلادنا، بعيدا عن تحويل الوسيلة إلى هدف (قيادة الحكومة)، فالمبتغى والمطلوب هو العمل على تحقيق وتوفير تنمية الوطن، وبالتالي تحقيق الرفاهية للمواطنين. *أستاذ التعليم العالي وعضو المنتدى الأوربي للوسطية ببروكسيل