بدا الوضع في محيط البيت الأبيض مشحونا مساء الخميس، تزامنا مع اختتام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري أشغاله، وإلقاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خطاب قبول ترشيح الجمهوريين لخوض الانتخابات. كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف، بالتوقيت المحلي للعاصمة واشنطن ديسي، حينما شرع ترامب في إلقاء خطاب قبول الترشح، بينما تتضاعف أعداد المحتجين في محيط البيت الأبيض، الذي تم إغلاق عدد من الشوارع المؤدية إليه. لم يكتف المتظاهرون برفع شعارات مطالبة بالعدالة الاجتماعية و"وضع حد للعنصرية" في الولاياتالمتحدة، وإنما رفعوا أيضا شعارات تدعو إلى رحيل ترامب، ونائبه مايك بانس. ويأتي انعقاد المؤتمر الجمهوري بعد أسبوع من مؤتمر الحزب الديمقراطي، الذي توج بترشيح نائب الرئيس السابق، جو بايدن، مرشحا للحزب في انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل. ومازالت الاحتجاجات مستمرة في عدد من الولاياتالأمريكية، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية وإصلاح أجهزة الشرطة، بعد اندلاعها ماي الماضي على خلفية وفاة المواطن الأمريكي ذي الأصول الأفريقية جورج فلويد. كما زادت حدة هذه الاحتجاجات بعد انتشار مقطع "فيديو" يوثق عناصر شرطة في ولاية ويسكونسون شمال البلاد وهي تطلق سبع رصاصات نحو شاب يدعى جيكوب بليك، ما أدى إلى إصابته بالشلل حسب عائلته. ليلة ترامب الكبرى تمثل الليلة الأخيرة من المؤتمر الوطني أحد أبرز المواعيد قبل الانتخابات، إذ تحظى بنسب متابعة عالية على مستوى التلفزيون والإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، كما أنها مناسبة لعرض الخطوط العريضة من البرنامج الانتخابي ومستقبل البلاد. وأثار ترامب جدلا واسعا هذا الأسبوع بعد اختياره إلقاء خطاب قبول الترشح من البيت الأبيض، ما اعتبره عدد من المراقبين غير قانوني، بالنظر إلى استغلال مقر فيدرالي يتم تمويله من قبل دافعي الضرائب لصالح نشاط انتخابي حزبي. قبل صعود ترامب إلى المنصة التي وضعت في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، ألقى قادة بارزون في الحزب الجمهوري كلمات داعية للتصويت لصالح الحزب خلال الانتخابات المقبلة، ومنوهة بحصيلته في البيت الأبيض ومجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية. ومن أبرز قادة الحزب الذين تحدثوا ليلة الخميس زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وعضو مجلس الشيوخ تيم كوتون، بالإضافة إلى وزير الإسكان بين كارلسون، والعمدة السابق لمدينة نيويورك، رودي جولياني. وكانت نجلة الرئيس ومستشارته، إيفانكا ترامب، آخر المتحدثين قبل صعود ترامب للمنصة. ورسم جميع المتحدثين صورة قاتمة للولايات المتحدة في حال وصول المرشح الديمقراطي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، إلى درجة ادعاء ميتش ماكونيل أن "الديمقراطيين يريدون التحكم في أعداد البرغر التي يتناولها الأمريكيون"، وهو هنا يقوم بتحوير تصريح سابق لنائبة بايدن، كامالا هاريس، قالت فيه إن الإدارة الديمقراطية ستسعى إلى وضع خطة لقواعد إرشادية تبتغي تحسين نمط تغذية الأمريكيين. احتفاء ترامب بنفسه! إذا كانت أغلب خطابات الذين تحدثوا خلال هذا المؤتمر لم تتجاوز خمس دقائق، اختار ترامب أن يتجاوز خطابه ساعة من الزمن، وذلك أمام 1500 شخص في حديقة البيت الأبيض، وتحدث خلاله عن برنامجه الانتخابي، وإنجازاته خلال السنوات الأربع الماضية. وهاجم ترامب منافسه بايدن، وقال: "في المؤتمر الديمقراطي، هاجم جو بايدن وحزبه أمريكا بشكل متكرر باعتبارها أرض الظلم العنصري والاقتصادي والاجتماعي؛ فكيف يمكن لهذا الحزب أن يسعى إلى قيادة بلادنا في ما يمضي الكثير من الوقت في هدم ما أنجزته الولاياتالمتحدة؟". وتابع ترامب هجومه على خصومه الديمقراطيين بالقول: "يرى اليسار المتخلف أن أمريكا ليست البلد الأكثر حرية وعدالة واستثنائية في العالم، وإنما ينظر لها كأمة شريرة يجب أن تعاقب على خطاياها"، مضيفا: "ويعتقد خصومنا أن الخلاص لا يمكن أن يأتي إلا من خلال منحهم السلطة، وهذا ما تنشده كل الحركات القمعية عبر التاريخ". وجدد الرئيس الأمريكي دعمه لمختلف أجهزة الشرطة وتدخلاتها في حق المتظاهرين، مبرزا ما اعتبرها اختلافات في توجهاته بالمقارنة مع جو بايدن. وفي هذا الصدد، خاطب ترامب شعبه بالقول: "سيحسم تصويتكم إذا ما كنا سنحمي الأمريكيين الملتزمين بالقانون، أم أن نطلق العنان للفوضويين والمحرضين والمجرمين الذين يهددون حياة وأمن المواطنين؟ وستحسم هذه الانتخابات إذا ما كنا سندافع عن طريقة الحياة الأمريكية، أم أن نسمح لحركة راديكالية بتفكيكها وتدميرها بالكامل؟". واعتبر ترامب أن بايدن لن يعمل من أجل توفير الوظائف للشعب الأمريكي، موردا: "جو بايدن ليس منقذا لروح أمريكا، إنه سيدمر وظائف هذا البلد، وإذا أتيحت له الفرصة فسيكون مدمرا للعظمة الأمريكية أيضا". وبعد انتهاء خطاب الرئيس الأمريكي، انطلقت الألعاب النارية من "واشنطن مونيمانت"، أمام البيت الأبيض، احتفالا باختتام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وقبول ترامب لترشيح الحزب. وإذا كان الوضع اتسم بطابع احتفالي في البيت الأبيض، فإن محيطه عرف توترا كبيرا بين عناصر الشرطة التي كانت مرابطة في مختلف الشوارع المؤدية إليه، والمتظاهرين المناهضين للرئيس ترامب. وعاينت هسبريس حالة الاحتقان هذه، بعد أن قامت عناصر من الشرطة بتوقيف بعض المحتجين واعتقالهم، فيما عرف محيط البيت الأبيض تدافعا كبيرا بين الطرفين. ومن أبرز لحظات الاحتقان كذلك لحظة خروج عضو مجلس الشيوخ الجمهوري، راند بول من البيت الأبيض، محاطا بعناصر الشرطة التي قامت بحمايته من بعض المتظاهرين الذين أبدوا معارضتهم وسخطهم على الإدارة الحالية والحزب الجمهوري. وتأتي احتجاجات الخميس قبل يوم واحد من مظاهرات يرتقب تنظيمها في العاصمة واشنطن، تخليدا لذكرى خطاب زعيم الحركة المدنية الشهير مارتن لوثر كينغ، الذي قال فيه "لدي حلم".