تعيش التعاضدية الوطنية للفنانين وسط صراع محتدم وصل إلى القضاء بين فريقين يزعم كل واحد منهما أنه هو الذي يحُوز شرعية رئاسة مجلسها الإداري، وأفرز تداعيات سلبية على الفنانين المنخرطين، بعد أن تمّ تجميد الحساب البنكي للتعاضدية إلى حين إنهاء نزاع "معركة إثبات الشرعية". بدأ الصراع بين رئيس التعاضدية الوطنية للفنانين، الحاج يونس، وستة من الأعضاء الداعمين له، وبين عبد الإله أمزيل، الذي عُيّن رئيسا جديدا للتعاضدية خلال جمع عام انعقد بتاريخ 04 يوليوز الماضي بدعوة من مجموعة من أعضاء المجلس الإداري. مفاجأة الحاج يونس انفرط عقد التعاضدية الوطنية للفنانين بعد تعيين أمزيل رئيسا جديدا لمجلسها الإداري لتدبير شؤونها ريثما يتم تنظيم مؤتمرها المقرر نهاية السنة الجارية. الحاج يونس والأعضاء الداعمون له رفضوا انتخاب عبد الإله أمزيل رئيسا جديدا، واعتبروا أن انتخابه لا يكتسي أية شرعية، وأن الرئيس الشرعي للتعاضدية هو الحاج يونس، لكنّ المفاجأة هي أن هذا الأخير عمد إلى إبرام اتفاق تنازل بمُوجبه عن رئاسة التعاضدية لفائدة "خصمه" السابق أمزيل. ولا يُعرف السبب الذي جعل الحاج يونس يتنازل عن "شرعيته" كرئيس للمجلس الإداري للتعاضدية الوطنية للفنانين، بعد صراع مرير مع أمزيل وصل إلى القضاء واستدعى تدخل الشرطة القضائية عقب تبادل اتهامات بشأن الهجوم على مقر التعاضدية والعبث بأجهزته، فيما انقسم الأعضاء الذين كانوا معه إلى فريقيْن، فريق مؤيّد لاتفاق التنازل، وفريق معارض له. يقول عبد الكبير الركاكنة، الذي يدافع بقوة عن كون الحاج يونس هو الرئيس الشرعي للتعاضدية الوطنية للفنانين، ويصر على أن أمزيل "رئيس غير شرعي"، إن الحاج يونس لا يمكنه أن يتنازل عن الرئاسة لفائدة أمزيل بقوة القانون الذي يحتّم عليه أن يسهر على البقاء في منصبه إلى حين انتخاب أجهزةِ التعاضدية لرئيس جديد. وقال الركاكنة في تصريح لهسبريس: "التنازل عن رئاسة المجلس الإداري للتعاضدية لا يتمّ عبر توقيع محضر اتفاق، بل يتم داخل الأجهزة، وإذا كان هناك اتفاقُ تنازل فهو غير شرعي وهو إجراء غير قانوني، حيتْ الحاج يونس ماشي ديال راسو باش يدير هاد الخطوة، لأن الأمر يتعلق بجهاز يسيَّر بقوانين، والقانون لا يخوّل له حق التصرف خارج اختصاصات أجهزة التعاضدية". ورفض الرگاكنة الجواب عن سؤال بخصوص ما إذا كان الحاج يونس قد "خذل" الأعضاء الذين دعموه وتمسّكوا به رئيسا شرعيا، وعددهم ستّة أعضاء تمّ طردهم بسبب معارضتهم لأمزيل، قبل أن ينشطرَ صفُّهم هم أيضا، حيث دعمَ ثلاثة منهم تنازل الحاج يونس ل"غريمه" السابق. واكتفى عبد الكبير الركاكنة بالقول: "التنازُل عن رئاسة التعاضدية الوطنية للموظفين مؤطَّر بمساطر قانونية، ولا بد أن يتم داخل الأجهزة وليس خارجها، وحتى إذا تنازل الحاج يونس عن الرئاسة فإنه يبقى هو المسؤول عن التعاضدية إلى حين انتخاب رئيس شرعي جديد". "اتفاق صُلح" في المقابل، يقول عبد الإله أمزيل والأعضاء الداعمون له إن أمزيل هو الرئيس الشرعي لمجلس إدارة التعاضدية الوطنية للفنانين. وأكد أمزيل في بلاغ مذيّل باسمه كرئيس للتعاضدية، صدر بتاريخ 10 غشت الجاري، أن الحاج يونس أقدم على تسليم الرئاسة إليه، وأنّهما "أبرما اتفاق صلح والتزام مصادَق عليه". وبمُوجب اتفاق الصلح الموقع بين الحاج يونس وعبد الإله أمزيل، الذي تؤكّده صور وثّقت عملية التوقيع والمصادقة على محضر الاتفاق تتوفر عليها هسبريس، اتفق الطرفان على التنازل عن "جميع الشكايات والدعاوى المقامة في شأن هذا النزاع"، بحسب ما جاء في البلاغ الموقع باسم عبد الإله أمزيل. وتشير الوثيقة نفسها إلى أن الطرفين، أي أمزيل والحاج يونس، التزما ب"الاشتغال سويا في إطار القوانين الجاري بها العمل لمصلحة التعاضدية الوطنية للفنانين ومنخرطيها، في احترام تام لتوجيهات وزارة الشغل والإدماج المهني، وكذا هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي". وبخصوص الأعضاء الستّة المُستبعدين، فقد تم الاتفاق على "تجاوز الأسباب التي أدت إلى استبعادهم عن التعاضدية"، لكنّ البلاغ لم يذكُر سوى أسماء ثلاثة منهم، وهم البشير شجاعدين، ومحمد الزيات، وعبد الحي الملاخ، فيما لم يذكر أسماء ثلاثة آخرين، وهم عبد الكبير الركاكنة، وسعيد الأمين، وصلاح الشرقاوي الذين ما يزالون متشبثين بكون الحاج يونس هو الرئيس الشرعي للتعاضدية، ويرفضون إصباغ الشرعية على عبد الإله أمزيل. وفيما تعذّر نيل رأي عبد الإله أمزيل، لوجود هاتفه خارج الخدمة، وعدم ردّ الحاج يونس على اتصالاتنا، قال البشير شجاعدين، وهو أحد الأعضاء المستبعدين بسبب تمسكهم ب"شرعية الحاج يونس"، قبل أن يؤيّدَ تنازل هذا الأخير عن رئاسة التعاضدية لفائدة أمزيل، إن الاتفاق المبرم بين الطرفين "أملاه الحرص على مصلحة تعاضديتنا، وعلى مصلحة الفنانين المنخرطين فيها". وأوضح المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن عبد الإله أمزيل هو الذي طلب من الحاج يونس الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض، مضيفا: "بالنسبة إلينا اعتبرنا هذه الخطوة مبادرة جيدة، ومن غير المقبول أن نرفض دعوة الصلح، لأنّ حسم الخلافات القائمة قضائيا، لن يتم إلا في شهر مارس أو أبريل من السنة المقبلة على الأقل". وعلّل شجاعدين مساندَته وزميليْه الآخريْن ل"اتفاق الصلح" بين عبد الإله أمزيل والحاج يونس، رغم أنهم كانوا في السابق متمسّكين ب"شرعية الحاج يونس" ويرفضون تولّي أمزيل رئاسة التعاضدية، بكونهم "راعوْا مصلحة الفنانين". وزاد قائلا: "لو رفضْنا اتفاق الصلح لكُنا أشخاصا بدون ضمير، لأن إبقاء الحلافات بيننا وعدم السعي إلى حلها يعني أننا لا نفكر في مصلحة الفنانين، وسنكون قد ارتكبنا جريمة في حقهم، بغضّ النظر عما إن كان أمزيل رئيسا شرعيا للتعاضدية أم لا". تزكية وزارية ينصّ محضر اتفاق الصلح المبرم بين الحاج يونس وعبد الإله أمزيل، بحسب الإفادات التي قدمها شجاعدين، على مجموعة من البنود، منها الالتزام بتنفيذ ملاحظات وقرارات وزارة الشغل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، باعتبارهما الجهتين المناط بهما مراقبة الجوانب الإدارية والقانونية والمالية للتعاضدية. كما اتفق الطرفان على إرجاع الأعضاء المستبعدين، على الرغم من أن البلاغ الصادر باسم عبد الإله أمزيل لم يذكر سوى ثلاثة منهم، لكن شجاعدين قال إن هناك "موافقة مبدئية على إعادة جميع الأعضاء"، مضيفا أن البلاغ أشار إلى أن "باب الحوار سيظل مفتوحا أمام الجميع". وعلى الرغم من أن "الخصميْن" السابقين، أي الحاج يونس وعبد الإله أمزيل، بديَا في وئام تام خلال توقيع محضر "اتفاق الصلح"، إلا أن مضمون الاتفاق المبرم بينهما يطرح إشكالات قانونية، ذلك أن وزارة الشغل والإدماج المهني لم تُضف طابع الشرعية على عبد الإله أمزيل، وقدمت جُملة من الملاحظات حول تعيينه رئيسا جديدا للتعاضدية. وأكدت الوزارة في مراسلة تحمل رقم 289/2020، تتوفر عليها هسبريس، أن الجهات الداعية إلى الجمع العام المنعقد يوم 4 يوليوز الماضي، وانبثق عنه تعيين عبد الإله أمزيل رئيسا جديدا للتعاضدية خلفا للحاج يونس، تجاهلت الملاحظات والقرارات التي سبق أن تقدمت بها الوزارة الوصية، ولا سيما ما يتعلق منها باستبعاد رئيس المجلس الإداري رغم البت في استقالته نهائيا بتاريخ 10 فبراير من طرف المجلس الإداري وإصدار قرار برفضها. ومن ضمن الملاحظات التي سجلتها وزارة الشغل على الجمع العام الذي عُين فيه أمزيل رئيسا جديدا للتعاضدية الوطنية للفنانين، "التجاوز الصارخ لمقتضيات النظم الأساسية للتعاضدية، ولا سيما تلك المتعلقة بالدعوة إلى عقد الجمع العام وبتحديد جدول أعماله"، كما سجّلت "عرقلة المجلس الإداري لتنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عن الوزارة الوصية، الموجهة إلى الرئيس الحالي للتعاضدية". المثير في الموضوع، هو أنّ البلاغ الذي تم الإعلان فيه عن "تبادل السلط" بين أمزيل والحاج يونس، صدر في اليوم نفسه الذي صدرت فيه الوثيقة المذكورة عن وزارة التشغيل، التي أكدت، بناء على الملاحظات التي سجّلتها، أن الحاج يونس "ما زال متمتعا بجميع صلاحياته كرئيس للمجلس الإداري للتعاضدية نظرا لغياب أي إجراء قانوني ينزع عنه هذه الصفة"، ما يعني عمليا أن الوزارة تؤكد أنه ما زال هو "الرئيس الشرعي". من جهته، قال عبد الكبير الركاكنة إن "التعاضدية الوطنية للفنانين مؤسسة تُسيَّر بتدبير جماعي وليس بتدبير فردي، وهناك أجهزة تراقبها ممثلة في وزارة الشغل والإدماج المهني وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وهي مؤسسات الدولة يجب الامتثال لقراراتها". خروقات وملايين إذا كان الصراع بين "الحاج يونس وأتباعه" و"عبد الإله أمزيل وأتباعه" قد شقّ صفّ التعاضدية الوطنية للفنانين، قبل أن تختلط الأوراق بعد "اتفاق الصلح" المبرم بين الرئيسيْن المتنازعين حول شرعية رئاسة التعاضدية، فإن السؤال الذي يطرحه المتتبعون للشأن الفني هو: "ما هو السبب الرئيسي الذي فجّر هذا الصراع؟". "إنّه المال!"، يقول مصدر متابع للشأن الفني من خارج التعاضدية الوطنية للفنانين، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص من مسيري التعاضدية أصبحت لهم أطماع مالية، خاصة وأن بعض المناصب يصل الراتب الشهري المخصص لها إلى الملايين، زيادة على العلاوات. وبالرجوع إلى صندوق مال هذا الجهاز المكلف بتدبير التغطية الصحية للفنانين، نجد أن ميزانيته ارتفعت من ثلاثة ملايين درهم (300 مليون سنتيم) سنة 2014، إلى ستة ملايين درهم (600 مليون سنتيم)، وتصل نسبة مساهمة الدولة في هذه الميزانية إلى 80 في المئة، و20 في المئة المتبقية عبارة عن مساهمات المنخرطين. "الأطماع المالية" لبعض الأشخاص داخل التعاضدية الوطنية للفنانين كانت محطّ شكايات توصّلت بها وزارة الشغل من طرف بعض أعضاء التعاضدية وهم المؤيدون للحاج يونس رئيسا شرعيا، وأنشؤوا لجنة مختصة لمراقبة مال التعاضدية. يقول عبد الكبير الركاكنة إن الرئيس السابق للتعاضدية الوطنية للفنانين، محمد قاوتي، عندما غيَّر منصبه إلى مدير للتعاضدية، رفع أجره إلى 45 ألف درهم (خام)، بينما لم يكن أجر سلفه، عبد الهادي الصديقي، يتجاوز 11 ألف درهم، مبرزا أن الأجر الذي كان يتلقاه قاوتي "غير قانوني"، كما أن "عقد عمله تشوبه خروقات قانونية"، على حد تعبير الركاكنة. موضوع الأجر الضخم لمدير التعاضدية الوطنية للفنانين ووضعيته القانونية، وُجهت بشأنه شكاية إلى وزارة الشغل، التي راسلت رئيس المجلس الإداري للتعاضدية بتاريخ 18 مارس الماضي، منبهة إياه إلى أن فريق المراقبة التابع لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي سجل أن "استمرار محمد قاوتي في منصبه يعتبر خرقا لمقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل". الوزارة الوصية على قطاع التشغيل والإدماج المهني، التي تتولى مراقبة الجانب الإداري والقانوني للتعاضدية الوطنية للفنانين، حرصت على تأكيد وجود خرق للقانون في عقد الشغل الذي يربط التعاضدية بمديرها محمد قاوتي، وكتبت بخطّ عريض أن هذا العقد "غير قانوني". "عندما علمنا بأن مدير التعاضدية يحصل على خمسة وأربعين ألف درهم شهريا، بحثنا عن العقد الذي يربطه بالتعاضدية، فوجدنا أنه غير قانوني، وقلنا له لا يمكن أن تحصل على هذا الأجر الضخم من المال العام، لأننا في تعاضدية مناضلة، وإذا كان لا بد أن تحصل على أجر فعليك أن تكتفي بأحد عشر ألف درهم التي كان يحصل عليه المدير السابق سي الصديقي"، يقول الركاكنة. وتابع أن الأعضاء الذين عارضوا حصول مدير التعاضدية على الأجر المذكور "ناضلوا داخل الأجهزة من أجل مراجعته، دون تسرب الخبر حتى لا تُخدش صورة التعاضدية، ولكنه رفض، وكانت هذه هي النقطة التي أفاضت الكأس، حيث تم طردنا من التعاضدية"، مضيفا: "ما دام أن الوزارة أقرّت بأن العقد الذي يربط المدير بالتعاضدية غير قانوني، فإن المبلغ الذي يحب أن يعيده إلى الخزينة يصل إلى مئة وعشرين مليون سنتيم".