يتحدث براين كاتوليس (Brian Katulis)، العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، عن التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى التحولات التي طرأت على هذه السياسة خلال ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب. ويقول كاتوليس في حوار خاص لهسبريس إن التركيز على الملف الإيراني شكل أكبر تحول في السياسة الخارجية الأمريكية، مشيرا إلى أن حملة الإدارة الأمريكية ضد إيران فشلت في تحقيق أهدافها وكلفت الولاياتالمتحدة الكثير في الشرق الأوسط. ويورد الخبير في سياسات الشرق الأوسط أن "النظام الإيراني عمل على تقويض الاستقرار ونظام الدولة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأجزاء من شمال وغرب إفريقيا"، كما يشدد على أن طهران قامت بتعزيز قدراتها النووية منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي قبل سنتين. أما فيما يخص الوضع في شمال أفريقيا، فيقول كاتوليس إن "ليبيا تحولت إلى ما يشبه الدوامة التي تتداخل فيها أدوار عدد من القوى الإقليمية والعالمية، من روسيا وتركيا، بالإضافة إلى شبكات إرهابية ذات امتداد عالمي"، مشبها ما يحدث فيها بما حدث في سوريا، محذرا في الوقت ذاته من تمدد ذلك إلى الدول المجاورة. نص الحوار: في غضون أقل من ثلاثة أشهر، ستكون الولاياتالمتحدةالأمريكية على موعد مع الانتخابات الرئاسية، وبعد أربع سنوات من وصوله إلى البيت الأبيض، يطرح السؤال حول حصيلة الرئيس دونالد ترامب. في رأيك، ما هي أبرز التغييرات التي طرأت على السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال هذه الولاية؟ أكبر تحول في السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال إدارة ترامب يتمثل في مضاعفة الضغط على إيران، وجعله أولوية قصوى لسياسة الولاياتالمتحدة في المنطقة، وذلك بدل التركيز السابق على الحملة ضد "داعش" في العراقوسوريا. فشلت حملة الضغط القصوى التي أطلقها ترامب في تحقيق أهدافها المعلنة بشأن إجراء مفاوضات جديدة مع إيران، وكلفت هذه الحملة الولاياتالمتحدة أمنها القومي من خلال عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وكان نهج إدارة ترامب العام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مربكا وغير متسق، مما زاد من التصور المتزايد بأن الولاياتالمتحدة لم تكن موثوقة ومتناسقة من الناحية الاستراتيجية، وهو تصور بدأ في سنوات جورج بوش وتزايد في عهد الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب. بما أنك تحدثت عن تركيز السياسة الأمريكية على الملف الإيراني في الشرق الأوسط، هل تعتقد أن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران كان قرارا صائبا وحقق أهدافه بتعطيل البرنامج النووي لإيران كما تقول الإدارة الأمريكية؟ منذ انسحاب إدارة ترامب من هذا الاتفاق، عززت إيران قدراتها النووية، ولا توجد أي مؤشرات على إجراء مفاوضات دبلوماسية حول اتفاق جديد في وقت قريب. وأعتقد أن نهج هذه الإدارة تجاه إيران كان سلبيا بشكل تام ولا يخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وكذا وقف الانتشار النووي. تقول إن إيران عززت من قدراتها النووية، لكن هناك تقارير استخباراتية وصحافية تتحدث أيضا عن توسع النفوذ الإيراني كذلك في عدد من الدول بالشرق الأوسط، كيف تقيم هذا النفوذ؟ عمل النظام الإيراني على تقويض الاستقرار ونظام الدولة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأجزاء من شمال وغرب إفريقيا، ويتزايد هذا النفوذ الفعلي لطهران في المناطق القريبة منها مثل العراقوسوريا ولبنان وأفغانستان، وسعت طهران إلى بناء داعمين ومنظمات شريكة في أماكن مثل اليمن وأجزاء من غرب إفريقيا. لم يساهم ما تقوم به إيران في السلام والاستقرار، ويصعب إيجاد مثال واحد في السنوات الأخيرة لمساهمة النظام الإيراني في تحسين الوضع الأمني في المنطقة أو خارجها. خلال يونيو السابق، كتبت في إحدى مقالاتك التحليلية أن الولاياتالمتحدة تخلت عن دورها القيادي في العالم لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ما هي جوانب هذا التراجع؟ ساهمت عدد من الأزمات الداخلية في استنزاف الولاياتالمتحدة، وصرف قادتها النظر عن العديد من المشاكل الرئيسية التي تواجه العالم، ويمكن إجمال هذه الأزمات في الانقسامات السياسية الداخلية في أمريكا، وأسلوب الحكم غير المتوقع لترامب، وجائحة كورونا، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات المطالبة بالعدالة الاجتماعية في مختلف أرجاء البلاد. هذه العوامل ساهمت في انكفاء أمريكا على نفسها، بالنظر إلى قلة النقاشات الاستراتيجية حول السياسة الأمريكية الشاملة والأمن القومي؛ إذ لا يبدو أن ذلك يؤثر في صنع العملية السياسية في الولاياتالمتحدة. وقبل التطورات الأخيرة، ساهمت سياسة ترامب غير المتسقة، خصوصا على المستوى الخارجي، في منح فرص لدول أخرى كالصينوروسيا لتوسيع نفوذهما في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، ويعد انسحاب الولاياتالمتحدة من المؤسسات الدولية مثل بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة إحدى الأمثلة على هذا التراجع. تحدثت عن تأثيرات جائحة كورونا، التي تتزامن مع صراع النفوذ مع عدد من القوى الدولية في عدد من المناطق عبر العالم، على المكانة الدولية للولايات المتحدة، كيف يمكن أن يتعامل القادة السياسيون الأمريكيون مع هذه الأزمات؟ أهم شيء يجب أن تقوم به الولاياتالمتحدة حاليا هو تطوير خطة سياسية أكثر فعالية للتصدي لفيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية لهذا الوباء؛ فالوضع الحالي يستنزف الإرادة السياسية والقدرات الاقتصادية الأمريكية، وذلك من أجل الالتزام بسياسات خارجية أكثر ثباتا. التجاوب السياسي الضعيف شوه سمعة الولاياتالمتحدة على الصعيد الدولي، وهي سمعة كانت قد تضررت من قبل بسبب الحرب في العراق سنة 2003 والأخطاء التي تم ارتكابها في الحرب العالمية على الإرهاب. أما فيما يخص الصراع الإيديولوجي في العالم، فإن أمريكا تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لنشر قيم الديمقراطية التي ينص عليها الدستور الأمريكي، وستكون انتخابات نوفمبر المقبل اختبارا لقدرة البلاد على الارتقاء إلى مستوى هذه القيم. النجاح على الصعيد العالمي يتطلب نجاح الاستقرار على المستوى الداخلي، ما عدا ذلك، فإن دولا أخرى ستبحث عن أمثلة يمكن الاقتداء بها، وقد تجد ذلك في الصين التي تقدم رؤية تنافسية. عودة إلى موضوع الشرق الأوسط، في رأيك، ما هي أبرز التحديات التي تواجه المنطقة في خضم المطالبة المتواصلة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتداعيات جائحة كورونا؟ أعتقد أن المنطقة تواجه التحديات ذاتها التي رصدتها تقارير التنمية البشرية في المنطقة العربية، والتي صدرت لأول مرة بداية الألفية الحالية؛ إذ إنها ما تزال تعيش عدة ضغوط اقتصادية واجتماعية وديموغرافية. هذه الضغوط هي التي ساهمت في الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت المنطقة سنة 2011، وما تزال قائمة، كما أن التحدي السياسي الرئيس الذي يواجه معظم دول المنطقة هو نقص الحرية وعدم احترام الحقوق الأساسية. تعتبر ليبيا أقل البلدان استقرارا في شمال أفريقيا، خصوصا في ظل التوترات الأخيرة، كيف يؤثر هذا الوضع على الاستقرار في المنطقة في ظل تشابك دور القوى الدولية والإقليمية هناك؟ تحول هذا البلد إلى ما يشبه دوامة تتداخل فيها أدوار عدد من القوى الإقليمية والعالمية، من روسيا وتركيا إلى شبكات إرهابية ذات امتداد عالمي، تماما كما حدث في سوريا قبل سنوات. وأعتقد أن ما يحدث في ليبيا لن يتوقف داخل أراضيها فقط، ومن المرجح أن يصدِّر تهديدات أمنية سلبية إلى المنطقة برمتها. بما أنك اشتغلت سابقا في الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس بيل كلينتون، كيف يمكن لواشنطن الإسهام في إحلال الأمن في ليبيا التي تتدخل فيها عدد من القوى الأجنبية؟ تحتاج الولاياتالمتحدة إلى اعتماد استراتيجية تعطي الأولوية للدبلوماسية والحل السياسي للصراع في ليبيا والدفع نحو تسوية سلمية جديدة بين الفصائل المتناحرة، ويبقى التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة أمرا ضروريا. ورغم أن الولاياتالمتحدة ليست منخرطة بعمق في ليبيا وحاولت بدلا من ذلك إسناد هذا الدور إلى الشركاء الأوروبيين، إلا أن ذلك لم يسفر عن أي نتائج تذكر.