خلصت ورقة بحثية، منشورة في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أنه على الرغم من تقدم "بايدن" حاليًّا على حساب "ترامب"؛ فإن أزمة فيروس "كورونا" تفرض حالة من عدم اليقين على المشهد الأمريكي والعالمي، وتجعل من الصعب توقع مسار الأحداث خلال الشهور المقبلة التي تسبق الانتخابات، وكذلك توقع أو ترجيح هوية الرئيس الأمريكي المقبل. وأفادت المقالة التحليلية، المعنونة ب"تكتيكات ترامب وفرص بايدن في الانتخابات الأمريكية المقبلة"، بأن جائحة "كوفيد-19" والاحتجاجات على قتل الشرطة للمواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد غيّرت الكثير من مفردات المشهد السياسي والاقتصادي في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نونبر المقبل. ومع بداية العام الجاري، صور الرئيس دونالد ترامب، خلال خطابه الأخير لحالة الاتحاد، قوة الاقتصاد وازدهار سوق الأوراق المالية بأنه نجاحه المميز؛ لكن مع جائحة "كوفيد-19" تواجه تلك الإنجازات انكماشًا غير مسبوق. فقد عانى الاقتصاد الأمريكي من ركود كبير، حيث فَقَد ما يقرب من 40 مليون أمريكي وظائفهم. وعلى الرغم من قيام الإدارة الأمريكية بتقديم سلسلة من حزم الإنقاذ والتحفيز، فإنها في حاجة إلى تقديم المزيد؛ وهو ما أثّر بشكل كبير على مستوى شعبية الرئيس الأمريكي، ناهيك عن معالجته السلبية لقضية مقتل المواطن فلويد وما أعقبها من حركة احتجاجية واسعة النطاق. وعلى ذلك، أصدر مركز ING للتحليلات الاقتصادية والمالية، في يونيو الماضي، تقريرًا من إعداد الباحثين مارك كليف وجيمس نايتلي، تحت عنوان: "مرصد السياسة الأمريكية.. هل حان وقت بايدن؟"، والذي يُحلِّل المشهد السياسي والاقتصادي الأمريكي الحالي، وتأثيراته المتوقعة على الانتخابات الرئاسية في نونبر 2020، بجانب الحديث عن تكتيكات ترامب الانتخابية لمواجهة خصمه جو بايدن، ومستقبل السياسة الأمريكية في حال فوز أحد المرشحين. تكتيكات ترامب الانتخابية تشير الورقة البحثية إلى أن ترامب استفاد من تأثير "التجمع حول العلم" rally-round-the-flag effect، وهو مفهوم يُستخدم في العلوم السياسية والعلاقات الدولية لتفسير زيادة الدعم الشعبي قصير المدى لحكومة أو قادة سياسيين في بلد ما خلال فترات الأزمات أو الحرب الدولية، وهو ما حدث مع ترامب في أوائل أبريل 2020 مع بدايات أزمة كورونا في الولاياتالمتحدة، حيث ارتفعت معدلات شعبيته إلى 45%، وهي نسبة أعلى من تلك التي حصل عليها في أول أشهر من توليه الحكم عام 2017. ومع ذلك، انخفضت نسبة شعبيته سريعًا، لتصبح أقل من 43%، وأعلى بقليل من نطاق 40-42%، وهو النطاق الذي دارت حوله شعبية ترامب معظم فترات عام 2019، بحسب المركز البحثي؛ أي أن ارتفاع شعبية ترامب في بداية أزمة "كورونا" كان متواضعًا، وكذلك كانت نسبة الانخفاض في الفترة التالية. لذلك، هناك من يرى أن ترامب لا يزال يحصل على دعم كبير، بحيث إن تأثير أزمة "كورونا" على شعبيته كان متواضعًا، ولكن هذا التقييم قد يخضع للتغيير خلال الشهور المقبلة. لذلك، ترى الورقة أن ترامب يحاول أن يجعل الانتخابات وكأنها استفتاء على شعبية خصمه السياسي جو بايدن، بدلًا من التركيز على إنجازاته الشخصية، حيث يتجاهل اللوم على التكلفة الاقتصادية لأزمة "كورونا"، ويُلقي اللائمة بالكامل على الصين. ويسعى ترامب إلى اعتبار بايدن متطرفًا أو غير موثوق به، أو غير مؤهل شخصيًّا للرئاسة. كما وصفه –مازحًا- على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه "متحرش بالأطفال"، وغالبًا ما يُطلِق عليه "جو النائم"، وتتهم دعاية ترامب دائمًا بايدن ب"الشيخوخة". كما يتشابه هذا التكتيك الانتخابي الذي يمارسه ترامب مع التكتيك الذي استخدمه سابقًا ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات السابقة لعام 2016، حينما تم تسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاص بها. وتضيف الورقة أن إستراتيجية ترامب الانتخابية تعتمد على إثارة الرأي العام ضد خصمه بقضايا تقع بين نطاق "القضايا الوهمية والقضايا التي لم تثبت صحتها"؛ وهو ما يجعل خصمه في موقف الدفاع دائمًا، ويكون ترامب في مأمن من الهجمات المرتدة لخصمه. وقد تدور هذه الانتخابات أيضًا حول الصين، فقد ألقى ترامب باللوم عليها في انتشار فيروس "كورونا" حول العالم. كما اتهم مستشار في البيت الأبيض هانتر بايدن بأنه تلقى رشاوى من الصين قدرها مليار دولار. وردّت حملة بايدن بتذكير الجمهور الأمريكي بتعليقات لترامب في وقت سابق من العام، حينما كان يُشيد بالرئيس الصيني شي جين بينغ. على جانبٍ آخر، وفيما يخصّ الاحتجاجات واسعة النطاق على قتل الشرطة لجورج فلويد، حاول ترامب محاكاة خطابات الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون أثناء حملته الانتخابية عام 1968، من حيث الترويج لرسالة تطبيق "القانون والنظام"، وهو الاتجاه الذي تميل إليه الأحزاب المحافظة، ولكن الفرق أن نيكسون كان خارج السلطة حينما روّج لهذا الخطاب، بينما ترامب هو صاحب المنصب، ناهيك عن أن مصداقية ترامب لدى الجماعات المحتجة في حدها الأدنى. ملفات حاسمة في الانتخابات المقبلة كما تناول التقرير عددًا من الملفات التي ستُلقي بظلالها على الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، والتي ربما تمثل عامل الحسم لصالح أحد المرشحين، توردها المقالة فيما يلي: أولًا- الصين والحرب التجارية المقبلة: إذا لم تُظهِر استطلاعات الرأي أي تحسن في شعبية ترامب خلال الشهور المقبلة، ربما يلجأ مرة أخرى إلى ورقة اللعب المفضلة لديه، وهي الصين والحرب التجارية، حيث من الممكن أن يُعيد فرض تعريفات جديدة على المنتجات الصينية، خاصةً في ضوء غضبه مما وصفه ب"فيروس الصين". ومن المحتمل أن يُقرر تمزيق الاتفاق التجاري بين الولاياتالمتحدةوالصين الذي تم توقيعه في يناير الماضي 2020، فقط بحجة أن الصين لم تفِ بالتزاماتها. وترتيبًا على ما سبق، من المرجّح أن تنخفض الأسهم في البورصة الأمريكية بشكل حاد، ويصبح مستقبل الاقتصاد أكثر قتامة، بجانب زيادة تكاليف الأعمال وتعطيل سلاسل التوريد، ويأتي ذلك كله في توقيت يعج بالاضطرابات الاقتصادية أساسًا. ومن المتوقع أن يدفع فاتورة هذه القرارات الشركات والأسر الأمريكية، كما يخشى المصدرون الأمريكيون من التعريفات الانتقامية من جانب الصين. حينئذ، ربما يلعب قطاع المال والأعمال الأمريكي دورًا في محاربة سياسات ترامب تجاه الصين، وذلك لصالح خصمه بايدن، خاصةً إذا ما أبدى الأخير مرونة ومواقف مُغايرة تجاه هذه القضية. ثانيًا- التعامل مع الأزمة الاقتصادية: عادةً ما يضر الركود الذي يشهده عام الانتخابات بفرص إعادة انتخاب الرئيس الموجود في البيت الأبيض. فقبل الأزمة الاقتصادية لعام 2020، أعلن ترامب أن سوق الأسهم المزدهرة ومعدلات البطالة المنخفضة هي المقياس الحقيقي لنجاحه. ومع ذلك، فإنّ صدمة فيروس "كورونا" مفاجِئة وحادة للغاية. كما أنّ الناخبين الأمريكيين مستقطبون للغاية، بحيث يصعب توقع سلوكهم الانتخابي. وإن كانت بعض النماذج الرياضية تتوقع أن النسبة الحالية لركود الاقتصاد الأمريكي تمنح –رقميًّا- بايدن اليد العليا في الانتخابات الرئاسية. ثالثًا- اختيار نائب الرئيس: من المفترض أن يختار بايدن، خلال الأيام القليلة المقبلة، نائبًا له. وقد يكون هذا القرار هو الأهم في حملته الانتخابية، حيث يمكن أن يساعد هذا القرار في توحيد الحزب الديمقراطي، إذا كان الخيار أكثر جاذبية لجناح المرشح السابق بيرني ساندرز، ويمكن أن يتسبّب في انقسام وتأرجح أصوات الحزب، إذا كان من ولاية أو منطقة تنافسية. وعلى الرغم من أن برنامج بايدن الانتخابي أكثر تقدمية من كلينتون وأوباما فإن الحزب مال مؤخرًا إلى اليسار بشكل كبير؛ وهو ما يُنذر بوجود فئة منشقة قد تمتنع عن التصويت لبايدن. صحيح أن نسبة هذه الفئة لن تكون مرتفعة كما في انتخابات عام 2016، إلا أنها ما زالت تُشكل تهديدًا قويًّا لبايدن، ومواجهته تتطلب تعيين مرشح تقدمي لمساعدته على موازنة المعادلة، وضمان إقبال مرتفع بين جماهير الحزب. رابعًا- مستقبل الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ: إذا ساهمت المخاوف الاقتصادية وفيروس "كورونا" في خفض فرص ترامب خلال الانتخابات المقبلة، فيجب أن يقلق أيضًا المرشحون الجمهوريون في انتخابات مجلس الشيوخ؛ لأن أي انخفاض طفيف في شعبية الرئيس سيكون كافيًا لأن يُفقد الجمهوريين سبعة مقاعد في مجلس الشيوخ. ومن المُرجّح أن يحتاج الديمقراطيون إلى الفوز بأربعة مقاعد إضافية فقط (أو الفوز بثلاثة مقاعد والتمسك بولاية ألاباما) للسيطرة على مجلس الشيوخ. كما سيكون من المتوقع أن يبقى مجلس النواب في يد الديمقراطيين، مع احتمال حصولهم على مقاعد إضافية. مستقبل السياسة الأمريكية وتلفت الورقة إلى أن إعادة انتخاب ترامب ستجعله يتحرك بسرعة أكبر نحو الانسحاب من العديد من المنظمات العالمية، مع إمكانية إجراء جولة جديدة من الإجراءات ضد الصين، بما يشمل تعريفات جديدة، وأوامر تنفيذية بشأن تصفية الاستثمارات، ناهيك عن المناورات الدبلوماسية. وسيسعى ترامب أيضًا إلى مواجهة الركود الاقتصادي من خلال إبداء مرونة أكبر، ومنح المزيد من التسهيلات لقطاع الأعمال، خاصة قطاع النفط والغاز. ومن المتوقع إصدار حزم إنقاذ جديدة تستهدف إجراء تخفيضات ضريبية على الرواتب. أمّا بايدن فقد وعد بأن إدارته ستكون "روزفلتيان"، أي ستسير على نهج الخطط الاقتصادية للرئيس الأمريكي الأسبق فرانكين روزفلت خلال مواجهته للكساد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي. وهذا يعني أن بايدن سيقوم بحزمة تحفيز رئيسة وسلسلة من الإصلاحات، ستشمل: فرض لوائح جديدة على القطاع المالي، وفتح قضايا الاحتيال والتهرب الضريبي للشركات. ومن المرجح أن يخوض البيت الأبيض في عهد بايدن مواجهة –ليست بالهينة- ضد شركات التكنولوجيا الرائدة، خاصة في ضوء الانتقادات التي طالتها على مستوى خصوصية البيانات وتهديدات الأمن القومي.