القصدُ مِن هذه السُطور هو التنبيهُ إلى شيءٍ هامٍ يهمُّ محارَبةَ كورونا بالمغرب. بما أنَّ التواصلَ مع المواطنين مِن طرفِ السُلطات المُشْرفة على الحملةِ مُنذ ظهورِ الدّاءِ بالمغرب يُؤدِّي وظيفةً مِفصليةً في إطار تنويرِ الرأيِ العامِّ يوميّاً بالمُستجدَّاتِ وتعبئةِ المغاربة، بُغيةَ تعزيز دَورِ الوقاية وحَصْرِ رقعةِ الانتشار، فإنَّ تَحْيينَ لغةِ التواصلِ على ضوءِ تطوراتِ الجائحةِ ببلادِنا باتَ أمراً مَرغوباً فيه، بل مُلِحّاً. أظنُّ أنَّ الأوانَ قد آنَ لتُغيِّرَ وزارةُ الصِّحة تحديداً لغةَ تواصُلِها مع المواطنين مِن حيثُ المُعجَم والأسلوب والنبْرة. وعلى الإعلاميين أنْ يَعكِسوا هذه المقاربة الجديدة شحْذاً للوعيِ وخِدمةً للصالح العامّ. والأمثلُ هو أنْ تُستخدَم كذلك الدارجةُ والتعبيرات الأمازيغية بالريف والأطلس وسوس (على الأثير وفي المواقع الرقمية) لإيصالِ القُصاصةِ البديلة إلى الناسِ. نحتاجُ اليوم إلى قُصاصةٍ إخباريةٍ وتربويةٍ تستغني عنِ الألفاظِ الطِّبية المُحايِدة والعباراتِ البارِدة وأسلوبِ اللِّفِّ والدَّوران؛ إلى قُصاصةٍ تُعلِنُ يوميّاً عن الجديدِ في أرقام كوفيد 19 بَدءاً بالموتى، ثم المرضى، ثم المتعافين، دُون التوقفِ عند المستبعَدين مِخبرياً، وذلك بلغةٍ واقعيةٍ صادمةٍ تفوحُ منها رائحةُ الموتِ: فيها إِخبارٌ ووعيدٌ صِحِّي ومَوعدٌ مع الموتِ لِمن يُريد التهلُكة. القُصاصة اليومية المألوفة لدى المغاربة حول كورونا تقول الآتي: "أعلنت وزارة الصحة، اليوم ...، عن تسجيل ... حالة إصابة مؤكدة جديدة بفيروس كورونا المستجد خلال ال 24 ساعة الماضية. وارتفع العدد الإجمالي للحالات المصابة بالفيروس منذ ظهوره إلى ... في المغرب. وكشفت المعطيات الرسمية عن تسجيل ... حالات وفاة، ليصل العدد الاجمالي للضحايا إلى ... حالة. كما تم تأكيد ... حالة شفاء إضافية لترتفع الحصيلة الإجمالية للتعافي إلى... حالة. وتهيب وزارة الصحة بالمواطنات والمواطنين الالتزام بقواعد النظافة والسلامة الصحية، والانخراط في التدابير الاحترازية التي اتخذتها السلطات المغربية بكل وطنية ومسؤولية." هذا الأسلوبُ الرتيبُ تخشَّبَ وانتهتْ مُدّةُ صلاحيتِه؛ فلم يَعُدْ يَستأثرُ باهتمام المغاربة، الذين لا يَحتفظون مِنْ مضمونِ القصاصةِ إلا برقم المصابين اليوم مقارَنةً مع رقم الأمس، لتناوُلِهِ خلال دَرْدَشاتِ الأسْرة والعمل والمقاهي والأسواق. لهذا ترى أغلبَهم يُخالِطون ويَختلطون دُون أنْ يتباعَدوا، ولا يُكمِّمون أفواهَهم، ولا يَغسِلون أيديهم، تقاعُساً أو عِناداً. نحتاجُ بالفِعل إلى لُغةٍ بديلةٍ أكثر واقعية؛ إلى لغةٍ صادمةٍ تُؤثِّرُ مُباشَرةً في نفوسِ المواطِنين وتُنذِرُ الضمائرَ الميّتة واللامُبالية؛ إلى لغةٍ تَستعمِلُ لفظة الموت والقتل والمُضاعَفاتِ القاتِلة، وتبدأ الإِخبارَ بالقتلى ولو كانتِ الحالة واحدة، وذلك لترسيخ العلاقةِ بين كورونا والموتِ في أذهان المغاربة. وفيما يلي نموذجُ القُصاصةِ البديلة التي نقترحُها على المَعنيِّين بالتواصلِ الرسمي والإعلامي مع المغاربة بشأن كورونا: "تُخبِر وزارة الصحة، اليوم...، بأنَّ كورونا قد قَتل...شخصاً في 24 ساعة الماضية. وهكذا ارتفع عدد القتلى بالمغرب على يدِ كورونا منذ 02 مارس الماضي إلى...شخصاً. كما تُخبِر وزارة الصحة بأنَّ كورونا قد أصاب ... شخصاً في 24 ساعة الأخيرة. وبذلك ارتفع مجموع ضحايا كورونا إلى... شخصاً، يُوجَد عددٌ منهم في حالةٍ خطيرةٍ، يَخضعون لعنايةٍ مُركَّزة لإنقاذِهم مِن الموت. أمّا المرضى الذين بَرأوا مِن كورونا في المَغرب فعدَدُهم منذ البارحة هو ... حالة. مع العِلم أنَّ الشِّفاء لا يَعني التعافي النهائي، لأنَّ كورونا قد يُسبِّب للمتعافين مَشاكلَ صحية حقيقية على المدى القريب والمتوسط، خاصة على مستوى الرئتين والدورة الدموية والذاكرة وأعضاء أخرى. لهذا تُحذِّر وزارةُ الصحة المغاربةَ مِن مَغبَّةِ الاستهزاءِ بكورونا والتعاملِ معه باستهتارٍ، مُتجاهلين وضْعَ الكِمامة والتباعدَ الاجتماعي وتنظيفَ اليدين، فيُعرِّضُون أنفسَهُم وذويهِم وإخوانَهم المواطنين لخطرِ الإصابةِ والموتِ. وتُذكِّرُ الوزارةُ بأنَّ اللِّقاحَ ضد كورونا غيْرُ مُتوفرٍ وبأنَّ المواردَ الاستشفائية ببلادِنا مَحدودة. وقد أعذرَ مَن أنذَر." *أكاديمي ومترجم