أثار قرار وزير الصحة القاضي بإلغاء جميع العطل الصيفية للأطر الطبية والتمريضية وكل العاملين بالمؤسسات التابعة للوزارة غضباً في صفوف أصحاب "البذلة البيضاء"، الذين كانوا يراهنون على "استراحة محارب" من أجل مواصلة المعركة ضد فيروس "كورونا" الغامض. وكانت عطلة "شغيلة الصحة" انطلقت على دفعات منذ فاتح شهر يوليوز، بعد قرار وزير الصحة حينها السماح لهم برخصة إدارية سنوية لمدة 10 أيام قصد الاستراحة من الحرب المفتوحة ضد الفيروس منذ بداية شهر مارس الماضي، قبل أن يتراجع عن القرار في ظل تطورات الوضع الوبائي. وعبر مستفيدون من العطلة الصيفية بوزارة الصحة عن رفضهم الامتثال لقرار الوزير خالد آيت الطالب، القاضي بإلغاء "الكونجي" والالتحاق بمقرات العمل داخل أجل لا يتعدى 48 ساعة من تاريخ صدور القرار، في حين يرى أغلبهم أن العودة إلى العمل واجب وطني في هذه المرحلة الحرجة. وقال موظف في وزارة الصحة إن من حقه أن يستفيد من راحة لمدة أسبوع رفقة عائلته التي تركها لوحدها منذ بداية الوباء خوفا من نقل العدوى إليها، مشيرا إلى أن القرار جاء بعد مساهمته المالية ضمن جمعية الأعمال الاجتماعية التابعة للوزارة التي تسهر على تنظيم عملية الاصطياف لأطر الصحة. مصدر من وزارة الصحة أكد لهسبريس أن وزير الصحة كان مجبرا على اتخاذ هذا القرار في ظرفية جد حرجة يمر منها المغرب، مضيفاً أن إلغاء "الكونجي" لم يكن سهلاً، خصوصا أن الجميع يعي حجم التضحيات التي قدمها أطر الصحة منذ بداية الجائحة. وقال مصطفى الشناوي، الدكتور والكاتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن قرار إلغاء العطل الصيفية كان منتظرا بعد تطور الوضعية الوبائية بشكل مقلق للغاية. وأوضح الشناوي أن هذا القرار جاء بعد الوقوف على عدة مؤشرات طبية لم يشهدها المغرب من قبل، وأولها تجاوز عتبة الألف حالة في ظرف يوم واحد، ثم تسجيل 15 وفاة خلال 24 ساعة، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الحالات التي ترقد في أقسام الإنعاش والعناية المركزة. وكشف الدكتور الشناوي، في تصريح لهسبريس، أنه وفقا للمعطيات الطبية المتوفرة فإن الوضعية السريرية لمرضى كورونا باتت تتطور بسرعة إلى المراحل الحرجة خلافاً لما كان عليه الوضع في السابق، وهو ما يفسر ارتفاع عدد الوفيات. وأكد الشناوي، ضمن حديثه عن المعطيات المقلقة، أن الوفيات لم تعد ترتبط بالأشخاص المسنين المصابين بالأمراض المزمنة أو الموجودين في أقسام الإنعاش، بل لوحظ تسجيل وفيات في صفوف صغار السن وأعمار متوسطة. ويشرح الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة، في تصريحه، أن إصابات كورونا لم تعد تقتصر على البؤر المهنية، بل تتفشى في أوساط عائلية ومخالطين كثر؛ وحمل مسؤولية تدهور الأوضاع إلى "'لخبطة' المسؤولين الحكوميين وقراراتهم المفاجئة أحيانا وسوء تدبيرهم للتعامل مع الجائحة عكس ما وقع في بداية الوباء، بالإضافة إلى تصرفات بعض المواطنين الذين لا يحترمون قواعد الوقاية والسلامة من قبيل ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي". وأورد الشناوي أن الإصابات التي سجلت في الفترة الأخيرة ضيعت المجهود الذي بذل في فترة الحجر الصحي، محذرا من أن الاستمرار في عدم احترام تعليمات السلطات الصحية سيؤدي بالمغرب إلى الدخول في المرحلة الثالثة من الوباء، وبالضبط تكرار سيناريو ما وقع في إسبانيا وإيطاليا أو تجاوزه. ولفت المصدر ذاته إلى أن المرحلة الثالثة تعني ارتفاع عدد الحالات الحرجة والخطيرة داخل المستشفيات، وبالتالي الاقتصار على علاج هذه الفئات الموجودة بين الحياة والموت ورفض استقبال المصابين بدون أعراض مرضية، والذين سيكونون مطالبين بقضاء فترة العلاج داخل منازلهم. ونبه الشناوي إلى أن خطورة الأمر تكمن في أن 25 في المائة من المصابين بكورونا في المغرب هم الذين يحملون علامات مرضية، ما يعني أن الفيروس منتشر في جميع المناطق، وعدم ارتداء الكمامة والحرص على التباعد يساهم في تفشي الوباء بشكل سريع. وشدد النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار على أن الضغط يتزايد بشكل كبير على الأطر الصحية أكثر من جميع الفئات الموجودة في الصفوف الأمامية، مشيرا إلى أن إلغاء العطل "قرار مؤسف، خصوصا أن الدولة والحكومة لم تقم بأي التفاتة إيجابية تجاه نساء ورجال الصحة، بل بالعكس جرى الاقتطاع من أجورهم مثل بقية الموظفين". ودعا الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة الحكومة إلى التخفيف من وطأة إلغاء "الكونجي" والمجهود الجبار لأطر الصحة بتقديم تحفيزات مادية والوقوف على تحسين الأوضاع المادية والمهنية للأطر الصحية، وتوفير شروط الوقاية للمهنيين وتحسين ظروف العمل، منبها إلى أن ارتفاع الإصابات في صفوف الأطر الطبية بالوباء قد تكون عواقبه وخيمة إذا علما أن عدد العاملين بالقطاع لا يتجاوز 60 ألفا. وطالب الشناوي بتوفير سكن لائق للأطر الطبية المتواجدة في الصفوف الأمامية؛ وذلك بعد استرجاع أصحاب المؤسسات السياحية فنادقهم التي كانت موضوعة رهن إشارة وزارة الصحة.