بعد أيام قليلة فقط من الضجة التي أثارها مشروع "تسقيف ساحة بيتري" بالرباط، الذي عرف رفضا واسعا من طرف رواد الساحة الشهيرة، أتت جرافات مشروع "الرباط عاصمة الأنوار" على إحدى المعالم ذات الحمولة التاريخية في عاصمة المملكة. سكان مدينة الرباط تفاجؤوا قبل ثلاثة أيام بتحويل مقهى مور "Maure"، المعروفة بمقهى الأوداية، الواقعة في قلب القصبة العتيقة المطلة على البحر، إلى أنقاض، وتم مسْحها من الوجود، وذهب بعضهم إلى اعتبار هدم هذه المقهى التي يفد عليها السياح وزوار الأوداية "جريمة في حق المدينة"، نظرا لرمزيتها وحمولتها التاريخية. وعلى الرغم من أن الهدف من هدم المقهى المذكورة هو إعادة ترميمها، إلا أن منتقدي هدمها يعتبرون أن عملية الترميم لا تعني الهدم، بل ترميم ما تضرر من بناية المقهى من أجل الحفاظ على طابعها الأصلي، كما هو معمول به في ترميم أسوار المدينة القديمة بالرباط، حيث تتم إزالة الأجزاء المتضررة وتعويضها دونما هدمها. ويعود تاريخ بناء مقهى الأوداية إلى فترة الحماية الفرنسية، حيث شيدت سنة 1922، وقد اختارت الجهة التي هدمتها أن يكون ذلك دكّا دكا قبل سنتين فقط من إتمام سنتها المئة. وذهب عبد الرحمان البراوي، نائب رئيس جمعية فضاء الأوداية، إلى القول إن هدم هذا المبنى التاريخي والثقافي "شوه المعالم الأثرية للرباط ومسح جزءا مهما من ذاكرة المغاربة". وأشار المتحدث إلى أن سلطات الحماية راعتْ في تشييد مقهى الأوداية الثقافة الأندلسية؛ إذ بُنيت وفق المعمار الأندلسي لتكون متناسقة مع معمار قصبة الأوداية، لافتا إلى أن الجمعية التي ينتمي إليها، إضافة إلى جمعية الأوداية، راسلت الجهات المعنية بعملية ترميم المقهى التي تعرضت للهدم من أجل استفسارها حول أسباب ذلك. وانبرى عدد من رواد مقهى الأوداية إلى التعبير عن رفضهم لقرار هدمها بعد انتشار صور المقهى وقد مُسحت من الوجود. وكتبت الممثلة لطيفة أحرار ما يشبه مرثية تحت عنوان "Le café Maure est... Mort"، رثت فيها المقهى المهدومة، مستعيدة نوستالجيا اللحظات التي قضتها هناك، متحسرة على قطع علاقتها بذلك المكان الذي ألفت أن تتناول فيه كأس شاي مع حلوى "كعب غزال". وفيما تتواصل ردود الفعل الرافضة لهدم مقهى الأوداية، على الرغم من أن الغاية من الهدم هي إعادة ترميمها، اعتبر عبد الواحد كندي، رئيس جمعية الأوداية، أنه لا يوجد هناك أي تخوّف من إزالة المقهى، وأنها ستخضع فقط لعملية ترميم. من جهته، قال عبد الرحمان البراوي إن دراسات أجريت على المقهى بينت أن جزءا من أجزائها آيل للسقوط، وعلى ضوء ذلك، تقررت إعادة هيكلتها وترميمها وفق الهندسة المعمارية التي كانت عليها، مضيفا أنه "سيتم الحفاظ على نفس نوع الخشب والزليج ونوع التراب الذي بنيت به المقهى، وسيعاد بناؤها بالشكل المتوافق مع ما كانت عليه في السابق، ونحن نثمن هذا العمل".