تعيش بعض قرى جماعة بني زرنتل بدائرة أبي الجعد بإقليم خريبكة، منذ سنوات، محنة سيزيفية مع ندرة الماء الصالح للشرب بعدما قل صبيب أغلب الآبار وضعفت فرشة المياه الجوفية، بحسب ما أوردته ساكنة المنطقة. "مّي عيشة"، امرأة سبعينية بتجاعيد بارزة، أبت إلا أن تحكي لهسبريس عن معاناة متواصلة رافقتها مند نعومة أظافرها بهذه المنطقة بسبب ندرة مياه الشرب و"حكرة" من تناوبوا على تسير الجماعة الترابية الذين لا يأبهون، حسب قولها، بمطالب ساكنة هذه القرى الهشة. "مي عيشة" ليست سوى واحدة من الوجوه القلقة من تداعيات هذا الوضع، خاصة في الفترة الأخيرة حيث أمسى الماء الشروب إكراها حقيقيا لعشرات الأسر التي تتكبد عناء التنقل إلى "سد مائي" يبعد بحوالي سبعة كيلومترات. تقول عائشة: "عمري الآن سبعون عاما، نسجت ذكريات بطعم الألم والمعاناة طيلة هذا الزمن الغابر جراء غياب مياه الشرب، كل القرى استفادت من الربط الاجتماعي بشبكة الماء إلا هذه الدواوير التي بقيت على الهامش رغم الوعود تلو الأخرى". من جانبه، ذكر مخروط علال، من ساكنة آيت علي، أن سكان الدواوير المحلية بجماعة بني زرنتل، وخاصة دواري آيت علي وأولاد طاجين، تعايشوا على مر السنين مع هذه المحنة، وكان حلمهم الوحيد أن تبادر الدولة بمشروع تنموي كفيل بأن يمحي آثار زمن "الحكرة" من تاريخ هذه الأسر. وقال: "سكان المنطقة قلقون للغاية من سياسة المجلس الجماعي، ويأملون أن تتدخل السلطات من خلال برامج التنمية القروية التي تستهدف العالم القروي لتنزيل مشروع الربط الاجتماعي بالماء الصالح للشرب"، موضّحا أن العائق الأكبر يتمثل في تباعد المنازل وضعف صبيب المياه بالآبار وهشاشة أغلب الأسر. وأضاف أن "الماء متوفر لكن المسؤولين لا يرغبون في التعاون معنا، ما يزيد من محنة النساء والأطفال والبهائم أيضا"، مشيرا أن "لا أحد يأبه بحالة المتضررين رغم كل الخطوات التي تبنتها الساكنة لإيصال صوتها". وأشار كراج علي، القاطن بدوار أولاد طاجين، إلى أن أزيد من 100 متضرر من المنطقة شاركوا خلال أيام قليلة في مسيرة على الدواب نحو أبي الجعد لإبلاغ السلطات ومعها باقي المسؤولين بحجم المعاناة والحاجة الماسة الى مياه الشرب، خاصة في فصل الصيف. وقال إن "زمن السقايات قد ولى، وقرى المكرونات في حاجة كما باقي المغاربة إلى الربط الفردي للحد من الآثار النفسية لهذه العملية، خاصة على النساء والأطفال"، موردا أن "جل الأسر تضطر إلى تكليف واحد من أفرادها لجلب الماء الشروب، وبعض النسوة قضين عمرهن وهُنّ يكابدن في رحلات سيزيفية يومية لتوفير ما يلزم من هذه المادة الحيوية". وأوضح المتحدث أن "المشكل الذي يؤرق سكان المكرونات هو إصرار الجهات المسؤولة على تجاهل هذا المطلب، رغم الاحتجاجات المتكررة والطلبات الموضوعة لدى المجلس الجماعي منذ حوالي ربع قرن"، مُشيرا إلى أن "سكان المنطقة هم من يوفرون المال، رغم هشاشتهم، لأداء واجبات حارس عينته الجماعة للسهر على إطلاق الحصص المائية بشكل محدد، ولإصلاح الأعطاب التي تصيب أحيانا المضخة والقنوات الخاصة بجلب مياه البئر". وعبّر المتحدثون لجريدة هسبريس الإلكترونية عن عزمهم على تنظيم مسيرة احتجاجية نحو مقر العمالة، لمطالبة جميع الجهات المعنية بالتدخل العاجل لربط منازلهم بشبكة الماء الشروب، ومد الكوانين المتبقية بالكهرباء، مع العمل على تنزيل بعض المشاريع التنموية التي تصبو إليها الساكنة، خاصة منها مؤسسات التعليم الابتدائي والمراكز الصحية. وفي تعليقه عن الموضوع، قال سعيد الطيبي، رئيس جماعة بني زرنتل الترابية، إن مشكل الماء الشروب بالمكرونات غير مطروح بكل هذه الحدة، مبرزا أن "الأمر يتعلق بالساكنة التي عجزت عن تأسيس إطار جمعوي لتدبير القطاع بسبب خلافات قبلية استعصى على السلطات حسمها منذ سنوات". وأضاف المتحدث أن "الجماعة الترابية قامت بالمتعين عليها، حيث أنجزت ثقبا مائيا رفقة خزان بكل المعدات الضرورية، وتنتظر من الساكنة تأسيس إطار قانوني للسهر على تدبير المشروع وفق الصيغ المعمول بها في عدة مناطق بالإقليم". وبخصوص الربط الفردي بالماء الشروب، أكد الطيبي أن "المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب-قطاع الماء أنجز دراسة في الموضوع، وتم تحديد تكلفة المشروع في حوالي 03 ملايير من السنتيمات". وانتقد رئيس المجلس من وصفوا تسييره للجماعة بالسيء، معتبرا ذلك "خطابا ملغوما، مادامت جماعة بني زرنتل استفادت من مشاريع تنموية ما تزال في طور الإنجاز بتكلفة تتجاوز 10 ملايير من السنتيمات، في الوقت الذي يعلم الكل أن ميزانية الجماعة تبقى رهينة الضريبة على القيمة المضافة في غياب مداخيل قارة وناجعة".