آلاف من حبوب الهلوسة في حوزة شخصين في سلا    اتفاقية شراكة بين إدارة الأمن ووكالة إنعاش وتنمية الشمال بهدف تجهيز مقار الشرطة في طنجة وتطوان والحسيمة بقاعات رياضية    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    9 أبريل .. الرحلتان التاريخيتان لطنجة وتطوان، محطتان وضاءتان في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال    صابري وآيت الطالب: من أجل نموذج إفريقي يُثمّن الرأسمال البشري ويُرسّخ السيادة الصحية    بوريطة يلتقي نظيره الأمريكي ماركو روبيو في واشنطن    أزيد من 3000 مشاركة في سباق النصر النسوي لمديونة    خارطة طريق ملكية سامية لمغاربة العالم و سؤال تحسين حكامة المسؤولين    رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني يشيد بسياسة المغرب في مجال مكافحة الإرهاب    قرار جمركي أمريكي يُربك المبادلات الدولية والمغرب في دائرة التأثير المحدود    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بنجرير: الإطلاق الرسمي للبرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    سبتة.. دراجات نارية وشوكولاتة "كيندر" لتهريب الحشيش نحو إسبانيا    احتياطات النقد الأجنبي للمغرب تتجاوز 39 مليار دولار    باحثان مغربيان يفوزان بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال19    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تنديدا ب"حرب الإبادة" ورفضا للتطبيع.. "مجموعة العمل" تنظم مسيرة وطنية بالرباط    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    قيوح يتباحث بمراكش مع رئيس مجلس منظمة الطيران المدني الدولي    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر        "مايكروسوفت" تطرد أبو السعد بعد احتجاجها على تواطؤ الشركة مع جيش الاحتلال    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز    المغرب وتونس إلى مونديال قطر تحت 17 سنة ومصر في الملحق    سعر الذهب يرتفع وسط توترات التجارة العالمية وتراجع الدولار    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    درجات الحرارة تلامس مستويات قياسية في شهر مارس    ديربي البيضاء يُشعل الجولة 26 من البطولة الاحترافية    الصين تتوعد بتصعيد الحرب التجارية    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    مالي ترد بالمثل وتغلق مجالها الجوي أمام الطيران الجزائري    أرسنال يحلم بتكرار سيناريو 2006 أمام الريال    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    المتقاعدون يراسلون أخنوش بعد تجميد معاشاتهم لأكثر من 20 سنة    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    بايتاس: الحكومة منسجمة وجميع مكوناتها تعمل على أن تبقى كذلك    رغم الحملات السابقة... محلات تجارية تحتل الملك العمومي بساحة الحنصالي بلا حسيب ولا رقيب    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    قطاع غزة ينعى قتلى غارات ليلية    إيلون ماسك يرفض "رسوم ترامب"    رائحة كريهة تقود لاكتشاف جثة رجل ستيني داخل منزله ببني ملال    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    المغرب وجل الشعب غاضب / 1من5    بين نور المعرفة وظلال الجهل    "المغرب في قلب التحديات: نحو مجتمع متماسك وآمن"    معرض الكتاب بالرباط يستقبل الشارقة كضيف شرف ويحتفي بمغاربة العالم    فضيحة لغوية في افتتاح المعرض الدولي للكتاب: الوزير بنسعيد منشغل بهاتفه وشاشة العرض تنحر اللغة    هل يُقلق وضوح إدريس لشكر بعض «المحللين والإعلاميين»؟    ‬كيف ‬نفكر ‬في ‬مرحلة ‬ترامب ‬؟    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلقاضي: استقالة حكومة فرنسا درس ديمقراطي للوزراء المغاربة
نشر في هسبريس يوم 07 - 07 - 2020

قد يكون تقديم الحكومات لاستقالتها أمرا عاديا في مجموعة من الأنظمة الديمقراطية، خصوصا إذا كثرت فضائحها وشعر أعضاؤها أن الأمر تجاوز الهفوات إلى الإخفاق.
ورغم ما انتشر مؤخرا من أخبار عن مجموعة من أعضاء الحكومة المغربية وهفوات بعضهم، لكن تقديم الاستقالة يبقى خيارا يكاد يقترب من المستحيل لحد الآن.
الدكتور ميلود بلقاضي، أستاذ التعليم العالي-كلية الحقوق أكدال- الرباط، يحاول أن ينقب في مقاله هذا عن الفروقات التي تجعل هذا الأمر هناك ممكنا وهنا لا.
فيما يلي نص المقال:
تعتبر عملية التصويت في الانتخابات ضد الحكومات إجراء دستوريا وآلية ديمقراطية بيد الشعوب، للتعبير عن رفض سياسات الحكومات، ودفعها إلى الاستقالة عبر تصويت علني تعبر فيه هذه الشعوب عن سحب ثقتها من الحكومة القائمة لكونها لا تعبر عن الإرادة الشعبية. وهذا السلوك هو عمق بيداغوجية الديمقراطية الحقة.
وتقديم الحكومات لاستقالتها هو سلوك عادي في الأنظمة الديمقراطية، لكونه أحد مكاسب البناء الديمقراطي السليم، حيث إن الاستقالة من تحمل تدبير الشأن العام بعد نتائج العملية الانتخابية، لا تتطلب مفاوضات سرية وتسريبات وإشعاعات قد تمتد لأسابيع وشهور، بل تتطلب ساعات قليلة لاتخاذ قرار الاستقالة، لأنه يكون في الأصل مؤطرا سياسيا بالثقافة السياسية الديمقراطية كما يقول آلان تورين.
ولنا في التجربة الفرنسية الأخيرة نموذجا، حيث لم تتردد الحكومة الفرنسية ولو لحظة في تقديم استقالتها للرئيس الفرنسي بعد هزيمتها القاسية في الانتخابات البلدية التي عرفتها فرنسا هذا الأسبوع. ساعات قليلة من بعد إعلان هذه النتائج، قدم رئيس الحكومة الفرنسي استقالته وتم تعيين رئيس حكومة جديد وتشكيل حكومة جديدة في 24 ساعة، وفق المبادئ الديمقراطية، حيث قبلت الأحزاب المنهزمة والأحزاب المنتصرة نتائج صناديق الاقتراع، لتنكب بعد ذلك على عملية التقييم الموضوعي المبني على النقد الذاتي.
الحزب الحاكم بفرنسا الذي يقوده ماكرون أراد حكم فرنسا وتدبير السياسات العمومية بشكل عمودي، وعدم إعطاء العناية للخطوط الأفقية في العلاقة بين الحكام والمحكومين، لذلك كانت كلفة هزيمته باهظة أدت إلى فقدان حزبه أهم المدن الفرنسية الكبرى، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب يوم الجمعة إلى تقديم استقالة حكومته للرئيس إيمانويل ماكرون الذي قبلها، رغم أن 57% من الفرنسيين أرادوا بقاءه في منصبه، وفق استطلاع للرأي نشره معهد "إيلاب بيرجي ليفرو".
مباشرة بعد استقالة إدوار من منصبه، عين الرئيس الفرنسي جان كاستكس رئيسا للوزراء ودعاه لتشكيل حكومة تأخذ بعين الاعتبار معطيات ونتائج الانتخابات، وتحترم مبادئ التحالفات المبنية على أسس المنطق وليس على أسس المصالح.
إنه درس فرنسي حقيقي في الديمقراطية فرضه تشكل خريطة سياسية جديدة بفرنسا، احتُرم فيه منطق النتائج الانتخابية الأخيرة بعد انتصار مهم لليمين وتقدم دال للجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة.
يستخلص من هذا كله أن الديمقراطية عند الأنظمة والشعوب الديمقراطية هي تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إنها ممارسة واعية للعقاب الشعبي الصارم للمؤسسات وللفاعلين المقتنعين بأن الديمقراطية التمثيلية هي التداول على السلطة، لكون الهزيمة أو الانتصار في الانتخابات عند الحكومات الديمقراطية هي منظومة بيداغوجية، وهو ما ميز سلوك الحزب الحاكم المنهزم وسلوك الأحزاب المنتصرة في الانتخابات البلدية الفرنسية، حيث إن الحزب الحاكم لم يقدم تبريرات للهزيمة، والأحزاب المنتصرة لم تلجأ إلى التشفي بقدر ما تم التركيز على أخطاء الحزب الحاكم منذ توليه السلطة، كل هذا يرجع إلى مسألة واحدة هي صلابة التقاليد الثقافية الفرنسية الديمقراطية.
هذه التقاليد هي ما يمنع تحويل الهزيمة أو الانتصار في هذه الانتخابات إلى حروب خطابية، أو إلى تهم متبادلة بين الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية، كتدخل الدولة لهذا الحزب أو ذاك، أو الطعن في النتائج أو الاحتجاج ضد وزارة الداخلية. كل الأحزاب المشاركة في الانتخابات قبلت بنتائجها المؤلمة أو المفرحة، لاقتناع الأحزاب المنتصرة والمنهزمة أن المنتصر في الأول وفي الأخير هو النموذج الفرنسي الديمقراطي، ومثل وقيم الجمهورية الفرنسية الخامسة، وبأن الممارسة الديمقراطية هي التي انتصرت في النهاية لتعزيز الرصيد الديمقراطي الفرنسي. لذلك، لم نسمع أثناء إجراء الانتخابات أو بعد إعلان نتائجها أن حزبا من الأحزاب طعن في النتائج وفي مسار العملية الانتخابية، أو اتهم أي جهاز من أجهزة الدولة الساهرة على الانتخابات ولا أي مس بمصداقيتها.
أقول هذا الكلام لأن المغرب يعيش اليوم على إيقاع فضائح وكوارث بعض الوزراء، ورئيس الحكومة يعترف بضعف أداء حكومته وببلقنة أغلبيته الحكومية والبرلمانية، وبسخط المواطن على أداء حكومته التي فضحت جائحة كورونا ضعفها وعدم انسجامها وعدم توفرها على رؤية استراتيجية لمغرب ما بعد كورونا، ورغم كل ذلك، فلم يتجرأ رئيس الحكومة على إعفاء أي وزير من وزراء حكومته الفاشلين الذين يرفضهم الشعب، ولم يتجرأ أي وزير على تقديم استقالته رغم كثرة الكوارث التدبيرية والحكاماتية التي تمارس من طرف بعض وزراء الحكومة الحالية.
الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا لا تستفيد الحكومة المغربية برئيسها ووزرائها وزعماء أحزابها من الدروس الديمقراطية الفرنسية؟ ألا تستمد المرجعيات الدستورية والقانونية والسياسية لرئيس الحكومة ولأعضاء حكومته وللأحزاب السياسية بالمغرب، فلسفتها العامة من دستور وقوانين وثقافة المدرسة الفرنسية؟ لماذا يقتبس الفاعل السياسي المغربي كل شيء من المدرسة الفرنسية إلا التجارب الفرنسية في مجال الممارسة الديمقراطية؟ لماذا لا يستفيد ساستنا ولو قليلا من الدروس الديمقراطية التي راكمتها مختلف التجارب الانتخابية العالمية والقبول بنتائج صناديق الاقتراع واحترام إرادة الشعب؟ وقبل ذلك احترام أجهزة الدولة لتظل مصداقيتها محمية وهيبتها قائمة؟
أعرف أنها أسئلة حارقة ومقتنع بأن الإجابة عنها ليست بالأمر الهين، لكون ثقافة الإعفاء والاستقالة من المناصب السامية والحكومية بالمغرب غير واردة في ذهن مسؤولينا، لأن هذا الصنف من الديمقراطية في النهاية هو ثقافة متأصلة وممارسات بيداغوجية قبل أن تكون قوانين ومساطر ونصوص.
وعليه، فسؤال الإعفاء والاستقالة من المناصب عند النخب السياسية المغربية مرتبط في العمق بمسألة الديمقراطية الحزبية المطروحة اليوم على الأحزاب المغربية، والذي يجب أن ألا ينصب فقط على بناء أحزاب ديمقراطية تستجيب للمعايير والشروط، ولكنه يجب أن يشمل مدى استجابة بنية الأحزاب لبيداغوجية ديمقراطية معبرة عن الإرادة الشعبية لإقامة مؤسسات حزبية ديمقراطية، تعمل لصالح الشعب بكونها ممثلة له عن طريق الانتخابات ومسؤولة عن تدبير شؤونه وخاضعة لرقابته.
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.