مطالب عديدة وضعها فيروس كورونا على طاولة الحكومة، تروم استدراك نقائص في قطاعات حيوية متفرقة، لكن ما كشفته الشهور الماضية من شد حبل بين الآباء والتعليم الخاص جعل التركيز منصبا على إمكانية فتح ورش تجويد المدرسة العمومية. وعلى امتداد الأيام الماضية، وجه آباء المتمدرسين في القطاع الخصوصي (15 في المائة من مجموع التلاميذ) انتقادات حادة لما أسموه "جشع" هذه المدارس، فيما راسلت النقابات وزارة التربية لتنبيهها من "هجرة جماعية" صوب القطاع العام، الموسم المقبل. ويرى عدد من آباء وأمهات التلاميذ المتمدرسين في القطاع الخاص أن بإمكانهم أن يساهموا في تجويد المدرسة العمومية، بتخصيص جزء بسيط من المبالغ التي كانوا يدفعونها إلى مدارس التعليم الخصوصية من أجل توفير بعض "الكماليات". مغامرة غير محسوبة عبد الغني الراقي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أورد أن تصدع العلاقة بين أولياء الأمور والتعليم الخاص وصل مستويات قياسية، مشيرا إلى أن سبب هذا التغول يعود إلى تشجيع الدولة لهذه المؤسسات في سياق معين. وأضاف الراقي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن النقابات منذ البداية نبهت إلى كون الأمر مغامرة غير محسوبة العواقب، وخلال الأزمة الحالية تبينت بالملموس محدودية الرهان على القطاع الخاص، وإمكانية انسحاب المقاولات بسهولة. وأشار الفاعل النقابي إلى أن المشكل المطروح يفتح الباب أمام هجرة مضادة نحو التعليم العمومي، فمن المتوقع انطلاقا من الموسم المقبل أن يباشر الآباء مسار بحثهم عن مؤسسات عمومية، ما يستوجب تعاملا جادا من طرف الوزارة. وأوضح الراقي أن النقابات (CDT-FNE) راسلت الوزارة بخصوص تحديات الدخول المدرسي المقبل، مشددا على ضرورة تشجيع المدرسة العمومية، لكي تنافس القطاع الخاص، بعدما كرست الدولة سياسة رفع اليد، خصوصا في مرحلة عبد الإله بنكيران. دروس كورونا عبد الوهاب السحيمي، منسق احتجاجات "الأساتذة حاملي الشواهد"، قال إن الصدام كان دائما بين أولياء الأمور وأرباب المؤسسات الخاصة، وزاد: "صحيح أن الصراع احتدم اليوم واشتد بسبب التوقف عن الدراسة خلال الجائحة، لكن يجب التأكيد أن الظاهرة قديمة". الصراع يحتد دائما، حسب المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية، مع بداية السنة الدراسية حول واجبات التسجيل باهظة الثمن وتعريفات التأمين المبالغ فيها وانتقاء المؤسسات للتلاميذ الذين يتم تسجيلهم وعدم قبول الجميع. ويشرح السحيمي أن صدام اليوم سيساهم في عودة عدد كبير من التلاميذ إلى مؤسسات التعليم العمومي، "لكن ليس بالصورة التي يمكن أن نتصورها، أي رحيل جماعي للتعليم العمومي؛ فنسبة كبيرة من الأسر تسجل أبناءها في التعليم الخصوصي مرغمة لا مخيرة، وخاصة التي يشتغل فيها الأب والأم خارج البيت، حيث يوفر لهم هذا النوع من التعليم الحماية للأبناء خارج أوقات الدراسة، عكس التعليم العمومي الذي يفتقد إلى قاعات ومربيات يتكلفن بالأبناء خارج فترة الدرس إلى حين حضور أحد أولياء الأمور". وشدد السحيمي، ضمن التصريح نفسه، على أن "المدرسة العمومية ستعود للعب دورها المحوري في التعليم بالمغرب، فالجائحة بينت وبرهنت للجميع أن المعول عليه هو التعليم العمومي لا غيره". وزاد المتحدث ذاته: "الدور اليوم على الدولة، فإن كانت تريد فعلا إصلاحا حقيقيا للتعليم ونهوضا بالمدرسة العمومية، فكل شيء واضح أمامها اليوم، وإن كانت من عبرة يجب أن تأخذها من الجائحة فإن صمام أمان التعليم والصحة هو القطاع العام".