أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    افتتاح معرض جيتكس إفريقيا بمراكش    عمر هلال: نترقّب الإغلاق النهائي لقضية الصحراء المغربية بدعم أمريكي حاسم    إغلاق دار الثقافة بالقصر الكبير فصل جديد من التهميش الثقافي    مجلس النواب يصادق بالإجماع على مقترح قانون يتعلق بكفالة الأطفال المهملين    بنك المغرب يطلق بوابة إلكترونية جديدة لتمكين المواطنين من الاطلاع على معلومات حساباتهم البنكية    كلاسيكو الشمال.. المغرب التطواني ينتصر على اتحاد طنجة في مباراة مثيرة    وزير الداخلية الفرنسي من الرباط: المغرب بلد صديق وشريك ثمين لفرنسا    طنجة.. توقيف شاب بسبب السياقة الاستعراضية للمرة الثانية في أقل من شهرين    روتايو يشيد بتعاون فرنسا والمغرب    طرد الجزائر لدبلوماسيين فرنسيين: تأكيد على تدهور النظام العسكري واتباعه لسياسات عدائية    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مراكش تحتضن المؤتمر الإفريقي الأول للتتشخيص النسيجي للأمراض المعزز بالذكاء الاصطناعي    الدريوش: قطاع الصيد البحري يوفر حوالي 260 ألف منصب شغل مباشر    وهبي يحدد لائحة منتخب "U20"    منظمة مهنيي الصحة التجمعيين تثمّن قرار وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإحداث مراكز الدكتوراه في علوم التمريض وتقنيات الصحة    باها: "منتخب الفتيان" يحترم الخصم    في لقاء جمع إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، بالفريق الاشتراكي: ملتمس الرقابة خطوة قابلة للتحقيق    بين نزع الملكية وهدم البناية، الإدارة فضلت التدليس على الحق    ممرض شاب يشرف على توليد امرأة نواحي تنغير بتنسيق مع «قابلات» باعتماد الاتصال عن بعد    ميناء المهدية.. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد الساحلي والتقليدي ب 28 بالمائة في مارس    السلوك الإيراني الذي امتد إلى... «بوليساريو»    الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية    أسلوب فاشل بالتأكيد    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    فرق ضوسي يفوز بتنائية على اتحاد البجيجيين في المباراة الإفتتاحية    مجلس النواب يدين بقوة العدوان الإسرائيلي ويجدد دعمه للقضية الفلسطينية    اختراق جدار وسرقة ذهب.. سقوط "عصابة الحلي" في قبضة الأمن    فرنسا والمغرب يشكلان مجموعة عمل مشتركة لتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين    "جاية" للإخوة بلمير تتصدر قائمة الأغاني الأكثر مشاهدة بالمغرب    جريمة ب.شعة بطنجة.. رجل يجهز على زوجته بطع.نات ق..ات/لة أمام أطفاله    توقيف الفنان جزائري رضا الطلياني وعرضه أمام القضاء المغربي    تسريبات CNSS تفضح التهربات والأجور الهزيلة لعمال شركات كبرى في طنجة    السغروشني تلتقي بحاملي المشاريع المنتقاة في إطار مبادرة "موروكو 200"    الشركة "إير أوسيون" ترد بتفاصيل دقيقة على حادث انزلاق طائرة في فاس    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    مديرية الضرائب تطلق خدمة إلكترونية جديدة لطلبات الإبراء من الغرامات والزيادات    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    في ظرف ثلاثة أيام.. حقينة سدود كير-زيز-غريس تنتعش    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    جبهة دعم فلسطين تواصل الاحتجاج ضد التطبيع وتدعو لمسيرتين شعبيتين ضد رسو "سفن الإبادة" بالمغرب    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطان المولى إسماعيل عادلا .. الاستثمار في الفِكَر والبشر والحجر
نشر في هسبريس يوم 22 - 05 - 2020


توطئة
إن عملي الروائي "إسماعيل السلطان" (1056-1139ه)، الذي مازلت أشتغل عليه منذ ثلاث سنوات، كان يراودني وأنا طالب بثانوية المولى إسماعيل بمكناس.
ومما ظل يشدني إلى شخصية هذا السلطان هي قدرته الخارقة للعادة على الاستثمار في مجالات ثلاثة: الفِكَر والبشر والحجر، وتوفق في جميعها، فكان مؤسس الدولة العلوية (فيما كان أخوه المولى الرشيد ممهدها)، وإليه يرجع الفضل في الحيلولة دون ضم المغرب الأقصى إلى الإمبراطورية العثمانية، كما في تحرير ثغور البلاد على الساحلين الأطلسي والمتوسطي من الاحتلال الإيبيري؛ هذا علاوة على تمكنه الصعب من هزم مناوئيه الشرسين، كابن أخيه بن محرز والخضر غيلان وأولاد التقسيس ومحمد العالم والزاوية الدلائية وصنهاجة الأطلس المتوسط، وكذلك نخب فاس الرافضين لقيام دولة علوية (كما نظهر ذلك في مقال مخصوص).
طوال حكمه المديد (نصف قرن ونيف) استمات المولى إسماعيل في فرض الأمن على بلاده، ما أدى، حسب شهادات المؤرخين، إلى انتعاش للنشاط التجاري والاقتصادي، كما إلى اكتساب شروط المناعة أمام الأتراك والبلدان الأوروبية العظمى لذلك العهد؛ ولم يتم له هذا إلا لأنه أحدث تغييرا جوهريا حاسما في التشكيلة العسكرية وقوتها الضاربة، مكّنه من تقويض أو على الأقل إضعاف دور العصبية الأعرابية والبربرية في حياة الدولة، أي نسف أسباب هيمنتها وعودها الدائم.
إن هذه النقلة التاريخية الكبرى التي اضطلع بها السلطان قد تحققت على يديه بإنشائه جيشا من العبيد، سواء ثبتت رقيتهم أم لم تثبت، وذلك بالعتق والافتداء. واستفتى فقهاء فاس في حلِيّة إنشاء ذلك الجيش، فعارضه أكثرهم من أجل حفاظ فاس على عبيدها المملوكين، إلا أنه تحداهم، وأمر بتسجيل العبيد المحررين في الدواوين حتى جمَّع منهم مائة وخمسين ألف جنديا محترفين لا يأتمرون إلا بأوامر السلطان وقائدهم، خارج أي عصبية وقسما بصحيح البخاري. وقد كان إسماعيل واعيا تمام الوعي بأحقية دلالات سياسته الجديدة ومراميها في صيانة المغرب وتقوية مؤهلاته وطاقاته...
أما عن بناء الرواية السردي فلم أجد خيارا آخر غير اعتماد ضمير المتكلم في مساحة إحاطتي علما بشخصية السلطان ولغته وعصره وجغرافيته، ما استوجب مني بذل جهد تَقَمُّصِيٍّ شاق واسع الغور والمدى والنطاق. والعمل جملةً شائك بقدر ما هو شائق.
والنص التالي قد يعطي مثالا على ذلك. هذا وإن الروائية مارغريت يورسنار قد برعت في سنِّ ذلك الخيار والتدليل على جدارته في روايتها العظيمة "مذكرات أدريان"، وذلك ما مارسته بنحو متنوع في رواياتي "مجنون الحكم" و"هذا الأندلسي!" و"العلامة"، وإلى حد ما "زهرة الجاهلية"...
النص:
الحمدُ للهِ والشكرُ له دائما أبدا والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ أشرفِ المخلوقات وخاتمِ المرسلين وعلى صحابتهِ الأكرمين ومن والاهم بالإحسان إلى يوم الدين.
قضاتَنا العدولَ البررة، أنتم أعرفُ الناس بكون العدلِ عمَدَ الملكِ القويم وأُسَّه المتين. قال بهذا خابروه والحكماءُ منذ عهدٍ عهيد، وزكَّاه ديننا الحنيف، وحثَّ على الكدِّ في رعايته وإحقاقه. فإذا قرأنا في القرآن المجيد ﴿وما ربّكَ بظلامٍ للعبيد﴾ فكيف لا نتأسّى ونقتدي، نحن رجالُ الله وخدمه، بهذه الآية وسواها كثير؟
وكيف لا يحلُّ بنا غضبُ الله إن عصيناه وبغيرِ العدلِ حكمنا. وفي آية أخرى ﴿ولا تخاطبني في الذين ظلموا. إنهم مغرقون﴾. ولقد حقّ عبد الرحمن ابن خلدون، طيبَ اللهُ مثواه، إذ خطَّ صفحاتٍ نيرات عنوانها "الظلمُ مؤذنٌ بخرابِ العمران".
إن لنا يا سادة شرفَ الأمانة، وعلى كواهلنا ثقلَ المهام. وقد جاءَ في محكمِ القرآن ﴿ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليهِ سلطانا﴾. وإنَّ هناك، كما تعلمون، أقواما لا ينزجرون لأوامر القرآن ونواهيه، لذا قال عمر ابن الخطاب الفاروق: "إنَّ اللهَ ليزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن". فلنكن معا للمظلومين والمعوزين والمتروكين أولياءَ، نذود عن حقوقهم بسلطاننا، وبهِ نكونُ للظالمين أخصاما ورادعين، وبهِ نجتثُ جذور الظلم حيثما عشَّشت وتناسلت، وننشرُ ألويةَ العدلِ ساطعةً خفَّاقة. فلا جورَ ولا حيفَ ولا عدوانَ إلا ووَجدَنا، كبنيانٍ مرصوص، صادِّينَ دافعين. فخذوا، رعاكم الله، شكاوى المظلومين رجالا ونساءً ويتامى بالرفق والإلانة، وتحلوا بالإنصاف وبالنزاهةِ، واعملوا بميزانِ الحقِّ والقسطاس المستقيم، لا تأخذكم في الانتصارِ للقضاءِ السّوٍيِّ لومةُ لائم، ولا تحرشاتُ المترفين الفاسدين، ولا تطاولاتُ المتنفذين الطاغين. فاللهُ سبحانهُ وتعالى شاهدٌ لكم، هو حسيبكم وراعيكم، ما دمتم بأوامره ونواهيه تعملونَ وتستنيرون. واجعلوا كفايتكم في الاقتداء بسِيَرِ رسولنا الأكرم وعمر ابن الخطاب الفاروق وعمر ابن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين وبكل من والاهم وحاكاهم مخلصين. وليكن نبراسكم في حديث نبينا وحبيبنا سيد الأنام ومسكِ الختام، وهذا نصه: "يُحشرُ قومٌ من أمتي على منابرَ من نور، يمرون على الصراط كالبرق الخاطف. نورُهم تخشعُ منه الأبصار.. ما هم بالأنبياء، ما هم بالصديقين، ما هم بالشهداء.. إنهم قومٌ تُقضى على أيديهم حوائجُ الناس". (رواه الإمامان البخاري ومسلم).
قال عني من حقا يعرفني من ذوي دخلتي وخاصتي: إن أبا النصر مولانا إسماعيل إذا ما تزيَّى يوما بالأصفر فللتعبيرِ عن غضبه واستيائه. وحالئذ يحسُن بالأعوان والحاشية أن يتجنبوه ويغيبوا عن مدى نظره. وكذلك أيامَ ورود أخبارٍ بالغةِ السوء عن ضحالةِ أداءِ القضاة في القرى والبوادي، فلا يخِفّ إلا بعد أن يكلفَّ من يبعثُ إليهم رسائلَ توبيخٍ وإنذار. وكان مما جاء في مضمون آخرها على لساني: يا قضاةَ الرداءةِ والجهالةِ الجهلاء، تركبونَ القضاءَ عوجاً، وتهرفونَ فيه بما لا تعرفون، وتخبطونَ خبطَ عشواء، وأنتم في إصدارِ الأحكام كحاطبي ليل، والعياذُ بالله، فلا محيد لي عن إجباركم على حضور مجالس العلماء في القرويين وجامعِ مكناس الأعظم، عسى أن يستفيدَ بعضكم ويتفقهوا إذا كانوا بالعلمِ شغوفين، وكان في صدورهم من النورِ بقية. أما من عصوا وتبلدوا فجزاؤهم الجلدُ فالعزلُ المهين ولا بدّ. ولا سلام عليكم إلا أن تتوبوا وتنصلحوا. وقد أعذر من أنذر.
وكان من عادة وزيري وعشيري أحمد اليحمدي أن يورد على هامش رسائلي إفاداتٍ نيرةً من علمه الغزير. ومنها أن العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في مصرَ المماليك، وقد تقلد منصب القضاء المالكي، سعى إلى التحلي بالاستقامة وتقوى الله في تطبيقِ أحكام الشريعة. لكنْ سرعانَ ما كثرت عليه الدسائسُ والسعايات، حتى إنه عُزل من المنصب ستَّ مرات، فلم يقوَ على مواجهة الفساد في بلد سرى فيه المثل "البراطيل تُنصر الأباطيل". فاستخلص القاضي المغربي منظّرا: "إذا فسدَ الإنسانُ في قدرتهِ على أخلاقهِ ودينهِ فقد فسدت إنسانيتهُ وصار مسخا على الحقيقة".. وكيف لا يقرُّ بهذا وقد شهد أن خطة القضاء والإفتاء أضحت تجارة وملعبة، وأن الرّشى فيها تؤخذ خفيةً وعلنا، حتى بدت على القضاةِ علاماتُ الثراءِ والرخاء.. أما معاناته مع شهودِ الزور فقد قضّت مضجعه وأضعفت قدرته، حتى إنه إذا انفضح أمر أحدهم لا يسعه إلا الأمرُ بالجزّ، ويقصد به الصفعَ على القفا حتى تحمرّ... وروايةُ هذه العقوبة أضحكت سني أمدا لغرابتها وضعف نجاعتها. ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ القدير.
ختاما، ألا أذكرِّكم بما قاله الحكيم أرسطو في "سر الأسرار" أو نُسب إليه: «العالمُ بستان سياجه الدولة. الدولةُ سلطان تجيء به السنة. السنةُ سياسة يسوسها الملك. الملكُ راع يعضُده الجيش. الجيش أعوان يكفُلهمُ المال. المالُ رزق تجمعه الرعية. الرعية عبيد يتعبّدهمُ العدل. العدلُ مألوف وهو قوامُ العالم. العالمُ بستان سياجه الدولة».
والسلام على من اتبعَ الهدى وتزود َبالإيمانِ والتقوى وبالعدلِ تقوَّمَ واستقوى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.