باغتَنا الوباء اللعين في عقر وطننا بعد أن كنّا نستقي أخبار تفشيه في بلدان أخرى عبر القنوات الفضائية أو قصاصات الأخبار التي تنقلها جرائدنا ووسائل إعلامنا. حسِبْنا أنه وباء يصيب بلدانا دون أخرى ولا يجرؤ أن يطرق باب بلدنا الذي طالما وُصِف بالبلد الآمن. الموصوف لم يعد مطابقا لِصِفته بعد أن غزت جائحة كورونا أجواءه وأضحت كل الطبقات الاجتماعية أمام الجائحة طبقة واحدة يتساوى فيها الغني والفقير. لم تعد نسب العدوى بجائحة كورونا حكرا على فئة دون أخرى، فقانون الطبيعة ألغى التمايز الاجتماعي، خلافا لجائحات وأمراض معدية أخرى تصاب بها فئات معينة فقط. فيروس 2020 أودى بحياة شخصيات من عليّة القوم وصَفوتهم، واندسّ بين أروقة الإقامات الفخمة؛ وأرغم الحكومات عبر العالم وضمنها الحكومة المغربية على إقرار الحجر الصحي اضطراريا كخطوة أساسية للحد من انتشار العدوى. هزمت الجرثومة الخبيثة لغة الخشب، وعرّتْ ما كان لحد ما مستورا بموجب السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام في بلادنا، والتي تفنّنت طيلة عقود من الزمن في تدبيج خُطط العمل وإحصائيات تنتقيها وفْق ما يخدُم مآربها السياسوية الضيقة، في تجاهل تام للمؤشرات الدولية في مجالات متعددة تضع المغرب في أسفل الترتيب، وآثرت بذلك نهج سياسة صمّ الآذان؛ فتجلى الواقع كما هو، مؤلم ومُحيّر، منظومة صحية مهترئة، آلاف الأسر فقدت عملها، معامل تجني أرباحا طائلة دون أن توفّر لجُلّ مستخدميها تغطية صحية واجتماعية في خرق صارخ للقوانين الجاري بها العمل في هذا المجال؛ بروز مظاهر الفقر المدقع خاصة على مستوى العالم القروي، وفي مناطق تابعة للمدار الحضري. كما أن ظروف الحجر الصحي وتعليق الدراسة أظهرت وبشكل جليّ للعيان مآسي المنظومة التعليمية ببلادنا، ومدى غياب إمكانية استفادة كافة الناشئة المغربية من ما سُمِّي مجازا بالتعليم عن بعد، لكون التدريس بالاعتماد على الرّقْمنة يقتضي جاهزية تقنية وبيداغوجية خاصة، وثانيا لكون هذا الوسيط التكنولوجي يشترط بالأساس أن يتوفر الجميع على تغطية شبكة الانترنت. ما كان لهذا الواقع أن يبرز جليّا دون مرآة تعكسه بلا مساحيق مخادعة ومزيّفة، خاصة في ظل سياق دولي انطوى فيه كل بلد على نفسه، بالاعتماد على بنياته وإمكانياته الذاتية لمواجهة تداعيات الجائحة الاقتصادية والصحية؛ وما كان على الحاكمين ببلادنا إلاْ مواجهة الحقيقة كما هي، بعيدا عن لغة التسويف والعام زين وأضحى الخطاب الرسمي يكتسي إلى حد ما نوعا من العقلانية عبر الإقرار بحقيقة وواقع المنظومة الصحية ببلادنا وبالبنيات الاقتصادية الهشة. إنها بالتأكيد خطوة أولى نحو تدبير أفضل للسياسات العمومية، يستلزم تبنّيها لمواصلة العمل واستخلاص العبر والدروس من تجليات الواقع الذي أفرزته جائحة كورونا والمخاطر التي تهدد استقرار بلادنا الاقتصادي والسياسي نتيجة سوء التدبير واستغلال السلط والمسؤوليات لخدمة مصالح شخصية. لعل هذه الأزمة التي تجتازها بلادنا ستكون بمثابة حافز لتجاوزها مستقبلا، وباعثا لتخطي كل العقبات التي تحول دون تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وعلى رأسها مكافحة كل مظاهر الفساد المختلفة التي تحول دون إقرار مجتمع تسوده قيم الشفافية والمساءلة.