من الجامعة الوطنية إلى الجامعة الجهوية في إطار ربط الجامعة المغربية بمحيطها، ليس فقط المحيط الاقتصادي كما دعت إلى ذلك جميع مشاريع الإصلاح بمنطق حصري، بل يتوجب كذلك في خضم ما بعد زمن كورونا، وبمنطق منفتح، ربطها بمحيطها البشري والثقافي والاجتماعي والتاريخي، وأن تنصب المشاريع البحثية والعلمية على متابعة المواضيع التي تشغل التراب الذي يحتضن الجامعة، والظواهر التي أصبحت تؤثر فيه، واسترجاع أنفاسها من أجل تحليل وفهم الإشكالات الجهوية والمحلية لما بعد كورونا. ومن شأن هذا الاهتمام والمتابعة العلمية أن يسهما في تقديم مقترحات حلول ترفع من مكانة وتأثير الجامعة في محيطها المحلي والترابي، ليتم الانتقال من جامعات وطنية إلى جامعات جهوية على أساس تقسيم ترابي للمملكة المغربية يفعل إطار الجهوية المتقدمة. تجدر الإشارة إلى أن مشاريع إصلاح التعليم العالي لما قبل زمن كورونا ركزت في مجملها على المخرجات في علاقتها بسوق الشغل، دون ربط هذه المخرجات بمنظومة القيم الرمزية، لا سيما منها العيش المشترك والرابط الاجتماعي والانتماء والهوية؛ ففي حالة ربط البحث العلمي الجامعي بمنظومة القيم في ما بعد كورونا، ستنكب الجامعة في صيغتها الجهوية على دراسة علمية ترابية لظواهر من قبيل الانتحار والمخدرات والتسول و"التشرميل" وشرع اليد والاغتصاب والعنف و"الحريك" والبطالة، وإشكالات السلم الاجتماعي والأمن الغذائي والمائي والوبائي (الأمراض المحلية) وغيرها، وتشخيص قدرة الموارد والثروات المحلية، المادية منها وغير المادية، على خلق مناخ للتنمية يحتضن شباب الجهة ويضمن اندماجهم في جهتهم التي ستتحول من ملحقة إدارية للمركز إلى قطب يسهم في الاندماج الوطني وضمان العيش الكريم وتكافؤ الفرص وتوزيع عادل للثروات. من هذا المنطلق، ستستفيد الجهة الحاضنة وستتحول الجامعة ما بعد كورونا من مؤسسة للتكوين إلى مؤسسة مواطنة لها سلطة اقتراحية تمكن الفاعل السياسي المحلي والجهوي من أن يقرر في تنمية ترابه شرط أن تقبل الدولة المركزية بتقاسم الخيرات المادية والرمزية مع الجهة التي تقوم على مبادئ احترام التنوع والتعددية، ونبذ ثقافة الكراهية والعنف، في أفق تعميق التماسك الاجتماعي وتثبيت العيش المشترك وتنمية اقتصادية متكافئة لجميع الجهات في احترام تام للدستور والمؤسسات ولوحدة الوطن. في هذا السياق، يمكن أن نستشرف مشاريع إصلاح جامعي ترابية (Réformes universitaires territorialisées) تؤسس على دور الجامعة في الرفع من تنافسية الجهة على المستويين الوطني والإقليمي، على أن تشكل الجهة وعاء منطقيا للتفاوض والمشاركة الجماعية لاحتواء الشباب العاطلين عن الشغل، وذلك بخلق مدارات علمية وجامعات جهوية الغرض منها إبداع مبادرات محلية يتم تأطيرها مؤسساتيا وقانونيا بحسب السياق المحلي والوطني في خضم الانتقال التنموي، لا سيما مع بروز وتجذر مقولة مجتمع الثقة. كما يظل مقترح جامعة جهوية تعتمد تدبيرا يرتكز على منح استقلالية مالية ومسؤولية مباشرة لمجموع الفاعلين المحليين وتكفلهم بالعملية التنموية في جميع جوانبها كبديل ترابي لدولة ما بعد كورونا في تدبير الشأن المحلي، رهين شرط تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وإنعاش الطبقة الوسطى الجهوية، ووقف سيرورة الإقصاء، ومنع مراكمة الخيرات الرمزية والمادية من لدن فئة ترابية بعينها دون غيرها.