مدى شرعية قرارات المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة موازاة مع هَبّة الفاعلين السياسيين ورواد الفضاءات الإلكترونية ومختلف شرائح المجتمع ضد مشروع القانون رقم 20.22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي اعتبر تراجعا عن المكتسبات الحقوقية ومتناقضا مع المقتضيات الدستورية، وفي خضم جلد من هندس للمشروع ومن صاغه ومن سرب مواده الثلاث المستفزة للمواطنين، طالب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة باستقالة وزير العدل، ولوح بتقديم ملتمس الرقابة في مواجهة حكومة مرتبكة لا تتحمل مسؤوليتها، وتتخذ قرارات لا شعبية مستغلة ظرفية أزمة وباء كورونا. فكيف يعقل إذن للأمين العام أن يحرك مكتبا سياسيا مفتقدا للشرعية ولم يكتمل أشواط انتخابه، ليتخذ قرارات تعيين أمناء جهويين في مختلف جهات المملكة، ويعين لجنة التحكيم والقوانين خارج المقتضيات المنصوص عليها بقوة القانون في عز أزمة الوباء، الذي تجند العالم لمواجهته بأولويات حصرية؟ كيف يعقل أن يتم الكيل بمكيالين، ولأسباب لا ترقى إلى درجة الاعتبار، وفي ظل أزمة جائحة اجتاحت العالم قاطبة، أن يعمد الأمين العام وفي خرق صارخ للقانون أن يطبق قاعدة مثل صيني: كل أزمة يجب أن تصاحبها فرصة، ليغتنم فرصة تعيين أمناء جهويين خارج قواعد الشرعية، على اعتبار أن القانون الأساسي للحزب يجعل المؤتمر الجهوي أعلى جهاز تقريري على صعيد الجهات، وأن المجلس الجهوي هو المختص وحده لانتخاب الأمين الجهوي ونائبه، كما يختص المجلس الإقليمي بانتخاب الأمين الإقليمي ونائبه بالاقتراع الأحادي الأسمى. الشيء الذي نستنتج منه أن القانون نص على مسطرة الانتخاب دون الاحتكام إلى أساليب التعيين. فلماذا سجل الأمين العام هذه الانتكاسة والتقهقر القانوني والانحراف الصارخ باعتماده قرارات لا تمت إلى القانون بصلة باعتماد مساطر التعيين بدل الانتخاب المنصوص عليه بقوة القانون. هل الباعث الدافع المؤدي إلى التنكر للقانون والانقلاب عليه يرجع إلى التخوف والتوجس من عامل الزمن والتمويل واللهث وراء ترتيب البنيات الترابية وإرساء هياكلها حسب المزاج، وضمان التحكم في العمليات الانتخابية وتحقيق المصالح والطموحات الشخصية التي يلهث ويطمح إلى تحقيقها البعض، وجعلها سببا لتجاهل البنيات الترابية الجهوية والإقليمية والمحلية والدوس على المقتضيات القانونية بإشهار مادة لا ظرفية ولا موجب لها؟ هل سيتذرع السيد الأمين العام بفترة انتقالية لتمرير ما يريد بقرارات فردية ضدا على القانون، ولو تعلق الأمر بقرارات مصيرية كتعيين الأمناء الجهويين بمكتب سياسي أعرج وغير مكتمل التشكيلة، إذ لا يختلف اثنان أنه لا وجود لمكتب سياسي بالصفة، بل هناك أعضاء يتواجدون بتشكيلته بحكم صفتهم كرئيسة المجلس الوطني أو رئيسي الفريقين البرلمانيين، أو رؤساء التنظيمات الموازية للحزب، أما باقي الأعضاء فإن المجلس الوطني وحده هو المختص بانتخاب أعضاء المكتب السياسي وإقالتهم كما انتخب الأمين العام وبإمكان المجلس الوطني أن يقيله. إذا كان السيد الأمين العام سيتذرع بالمادة 161 من المقتضيات الانتقالية الختامية للقانون الأساسي فإنها لا ترقى إلى قوة النصوص المؤطرة للبنيات الترابية وقوانين انتخاب الأمناء الجهويين والإقليميين، إضافة إلى ذلك فإن ما بني على الباطل فهو باطل، على اعتبار أن المكتب السياسي المختص حسب المادة باتخاذ كافة القرارات اللازمة لتدبير الحزب وطبعًا ليست القرارات التنظيمية المنصوص عليها بقوة القانون، فإنها صادرة عن مكتب سياسي يفتقد إلى الشرعية طبقا للمادة 89 في فقرتها الخامسة التي تمنح اختصاص انتخاب أعضاء المكتب السياسي للمجلس الوطني وحده، هذا الانتخاب الذي لم يباشر بعد، الشيء الذي يجعل المكتب السياسي الذي يريد الأمين العام أن يشغل دواليبه بأعضاء بالصفة فقط لا يمتلك الشرعية لتدبير شؤون الحزب في الفترات الفاصلة بين دورات المجلس الوطني، فبالأحرى اتخاذ قرار تعيين الأمناء الجهويين؟ علمًا ولو في الحالة التي كان فيها المكتب السياسي مشكلًا بصفة قانونية فإنه لا يمتد اختصاصه إلى تعيين الأمناء الجهويين الذين يخضعون لمسطرة الانتخاب بقوة القانون؟ ما السبب الذي جعل قرارات تضرب مصداقية ومستقبل الحزب وكونه يحمل مشروعا حداثيا حَمَلَتُه من خيرة كفاءات وطننا العزيز، في عز الظاهرة الوبائية وتداعياتها؟ هل تعتبر من الأمور المستعجلة خرق القانون من أجل تعيين أمناء جهويين والتلويح بالتأديب عن طريق هيكلة لجنة الأخلاقيات في الظروف الراهنة وسحب اختصاص انتخابها من المجلس الوطني كما ينص على ذلك القانون؟ إذا كنا استكثرنا على الحكومة مصادقتها على مشروع قانون جرم أفعالا تعتبر ادعاءات زائفة أو التشهير أو الابتزاز، وقلنا إن الظرفية غير ملائمة، هل نكيل بمكيالين للمرور على جثة القانون لأجل أهداف انتخابية مستقبلية لا تمت إلى مصلحة الحزب بصلة، بل تعتبر انتهاكا للذكاء الجماعي لمناضلي الحزب ومؤسسيه؟ بل حتى في الزمن الاستبدادي ولما كان الأمين العام السابق يريد أن يقصي أمينًا جهويا كما تم ذلك بشأني سنة 2013، توفرت لديه خطة إبعادي عن طريق المؤتمر الجهوي، فباحترام للقانون.. لذلك، كان ربما على السيد الأمين العام أن يتحايل على القانون بترتيب الانتخابات حسب ما يريد بالاستعانة بمن يراه مناسبا، أو يسلك المسالك الملتوية من أجل تحقيق النتائج ولكن دائما تحت مظلة القانون وقبته؛ لكن أن يتجاهل القانون ويصادره لفائدة التعليمات والتعيينات فهذا ما لن يقبل أبدا ممن يحترم نفسه من المناضلين حتى ولو كلف ذلك الانسحابات الجماعية إذا لم يتم تدارك الأمر أو لم يصحح القضاء النزيه جل المسارات. نعلم جيدا أن وحده قانون الطوارئ الصحية الذي سلكت الحكومة بشأنه المسطرة واحتكمت إلى الفصل 81 من الدستور من أجل اتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا هو الذي يعتبر ذا راهنية حاليا في قمة الاستعجال القصوى، فما بالنا بقرارات تنظيمية صادرت المقتضيات القانونية ودون الاحتكام إليها ودون توفر أي عنصر للاستعجال لسلوك مسطرة التعيين والركوب على الأزمة من أجل اغتنام الفرصة، علمًا أن تدبير الفترة الانتقالية ما بين انعقاد المؤتمر وصولا إلى مرحلة البناء التنظيمي لا تسمح له به بتعيين الأمناء الجهويين واتخاذ القرارات التنظيمية المصيرية من طرف مكتب سياسي غير مكتمل وبالتالي فاقد للشرعية وكل ما يتخذه يعتبر باطلًا، وفي خرق سافر للقانون وعدم الارتكاز على أساس، ومصادرة القانون لفائدة التعليمات وإملاءات ذوي المصالح والترتيبات الانتخابية. وإذا كانت كل أزمة تصاحبها فرصة على حد تعبير أحد الصينيين، فإن اغتنام الفرصة في ظل الوباء يجب أن تتمحور حول احترام القانون والنهوض بالمستوى المعيشي للمواطن وتوفير العيش الكريم والقطع مع ممارسات الماضي، خصوصا تلك التي يتمسك بها بعض الأقوياء اللاهثين وراء المناصب وتحقيق المصالح الشخصية البحتة مع رفع الشعارات الرنانة واستعمال النساء والشباب لتأثيث المشهد الحزبي لمواجهتهم بالخذلان والتخلي عنهم بمجرد بلوغ الأهداف المتعلقة بتحقيق المصلحة العامة؛ بل حتى من الناحية الإنسانية والأخلاقية وبغض النظر عن الخرق والدوس المتعمد على المقتضيات القانونية، إذا كانت المساجد قد أغلقت، والمحاكم توقفت باستثناء ملفات التلبس وملفات الجنايات والملفات الاستعجالية، وتجند الكل من أجل التضامن وإيجاد لقمة العيش للطبقات الهشة، والحكومة بمختلف مؤسساتها ارتكزت على مشروع مرسوم بقانون لاتخاذ مختلف قرارتها لإضفاء الشرعية عليها، وإن جميع قرارات الحكومة في زمن الحجر الصحي وتفشي الوباء مسيجة بمرسوم بقانون صدر في الجريدة الرسمية، كل ذلك لأننا في دولة الحقوق والواجبات فهل سيدفع الأمين العام إلى تبرير خرق القانون بتدبير المرحلة الانتقالية؟، وما هي قوته القاهرة ومحرك اتخاذ هذه التدابير التي قطعا لن تفيد في مواجهة الوباء في الظرفية الحالية التي يعيشها العالم بسبب الجائحة والتي تجند فيها الجميع لمواجهة تفشي الفيروس؟ أسئلة حارقة وتأملات تسائل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة بخصوص مصادرة القانون لفائدة التعليمات والتعيينات واتخاذ قرارات تعتبر خرقًا مدويًا للقانون في عز أزمة الوباء؟ أسئلة تجعل آمالنا تخيب في الأحزاب السياسية ومدى مواكبتها لدستور رفع سقف الحقوق والحريات. وأستحضر ما جاء في الخطاب الملكي السامي بتاريخ 14 أكتوبر 2016: "إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية" انتهى النطق الملكي السامي. *أمينة إقليمية وجهوية سابقة لحزب الأصالة والمعاصرة وبرلمانية سابقة.