كان لبعض الأوبئة عواقب قاطعة ومآلات حاسمة ومحصلات دامغة على تاريخ البشرية. يعتقد معظم العلماء أن وباء القرنين الثاني والثالث كان سببا رئيسيا في تقهقر الحضارة الرومانية وتدهورها. بعد أكثر من ألف عام، شكَّلَ الطاعون الكبير في القرن الرابع عشر موجبا محوريا ومُسَوِّغا أساسيا لإضعاف النظام الإقطاعي وتهزيله. تقودنا الملاحظة التاريخية ومعاينة الماضي وتوسُّم جملة الأحداث والأحوال التي مرت منها البشرية إلى استنتاج هام جَلَل مفاده أن البكتيريا والفيروسات والعدوى قد شكلت، دون شك، وجه الإنسانية المعاصر. لعبت الأوبئة التي أوفدها الأوروبيون دورًا رئيسيًا في قهر وإِخْضاع الساكنة الأصلية لكل من أمريكا وأستراليا وشعوب جزر المحيط الهادئ، فكان ضحايا الأوبئة في كل مرة أكبر بكثير من ضحايا الأسلحة. دمرت الأمراض جيش نابليون العظيم في روسيا، قضت على سلطاته الإمبراطورية وغيرت ملامح أوروبا للأبد. إن العالم لن يعود إلى طبيعته الاعتيادية والمألوفة بعد جائحة كورونا. إن حياتنا وأفكارنا ودواخلنا وطموحاتنا ستنقسم قطعا إلى مرحلة ما قبل كورونا وما بعدها. إننا نقف، من الناحية التاريخية، عند نقطة تحول مصيرية هامة. إننا نقف على أعتاب منحنى حاد في نهاية خط مستقيم طويل. قد يكون من الصعب صياغة تنبؤات صائبة المعالم ثاقبة الحيثيات والتفاصيل بنسبة مائة بالمائة خاصة أننا لسنا أمام حالة علمية دقيقة أو حالة خضعت للسيطرة الكاملة بشكل قبلي. حتى وإن تجاوز المغرب المرحلة بسلام، سيقدم الفيروس التاجي صفحة فارغة لبداية جديدة. هل سيُحوِّلُ الفيروس إذن حياتنا وسلوكياتنا نحو الاتجاه الذي نبتغيه والنمط الذي نسعى إليه دوما؟ كيف يمكن لهذا الوباء أن يُقَوِّمَ ممارساتنا الاجتماعية ويُغني خبراتنا ويُعَدِّل تجاربنا ويُوَجِه تمرُّسنا المعيشي ويُعيدَ صياغة أفعالنا وبديهياتنا وطبائعنا وسَلائقنا ومُسِلَّماتِنا؟ كيف ستتغير العلاقات بين الأفراد ومختلف أطياف المجتمع المغربي شعبا وحكومة؟ ما القيم النظرية والاجتماعية والسياسية التي يتعين على القوى القيادية استنهاضها وتَحْرِيكهَا وَبَعْثُ النَّشَاطِ فِيهَا؟ ما الإجراءات الاحْتِرَاسِيّة الاحْتِيَاطِيّة والتدابير الاحترازية الحِمَائِيّة والالتزامات الوِقَائِيّة التي يتعين على الحكومة المغربية بلورتها استعدادا لمرحلة ما بعد كورونا؟ جائحة كورونا وانعكاساتها على انبعاث القيم في المجتمع المغربي 1. تَرَاجُع الفردانية وإحياء التعاون الإنساني والتآزر الاجتماعي "أن تَعْرِف يعني أن تتناقض". أَنْجَبَت أزمة كورونا التضامن من طبيعتين متناقضتين، إذ يتعلق الأمر هنا بممارسة الإخاء والتآزر مع الالتزام في نفس الوقت بالحجر الصحي وحفظ المسافات. إننا أمام حالة تاريخية فريدة تُلزمنا بإبداء تضامن وَاسِع كبير في أوقات انفصال حَازِم شديد وتباعد مستحكم وثيق. إن فكرة السعي وراء تحقيق التضامن في هذه الظروف لا تُحدِثُ تناقضا عقلانيا بل الذي يُحدِثُ التناقض العقلاني هو نفي هذه الفكرة. لم يكن أمام المجتمع المغربي سوى تقبل الاتحاد على مصاعبه وعلاته، والانكباب على التعاون على عوائقه ومَشَقَّاتِه. إن التناقض في مجتمع كورونا مصيرنا وكان على هذا المجتمع، لِكَي يحيا، أن يُحِبَّ تناقضاته. "يد تغسل الأخرى، والاثنتان تغسلان الوجه". قال أحد الصالحين: "إنِّي لألقم اللُّقمة أخًا مِن إخواني فأجد طعمها في حلقي". لقد ولَّدت الأزمة مجتمعا أكثر تماسكًا وأَنْدَى كرماً وأَجْوَد سَخاءً وأَعْظَم مُرُوءَة. انطلقت بوادر الإخاء والإيثار بتفضيل المرء غيرَه على نفسه وتفضيل خير الآخرين على الخير الشخصيّ. لم يتجل هذا التضامن فقط على نطاق العقار مِلكيةً واستئجاراً وإنما عمَّت بوادره وشاعت علاماته وذاعت أركانه لتشمل البيت والعِمارة والمحل والمقهى والمطعم والشارع والحي والمدينة. الأمر الذي يستحق الثناء والتزكية والإشادة خاصة في هذه الظروف التي تجبر المواطنين بملازمة البيوت مما يَحرِمُ الفئات المعوزة من تحصيل قوت يومهم، وكما يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ). "وحدنا يمكننا أن نفعل القليل، معا يمكننا أن نفعل الكثير"- هيلين كيلر "الشيء الوحيد القادر على إنقاذ البشرية هو التعاون"- برتراند راسل يُشكِّلُ الوباء مصدر قلق واضْطِراب للمجتمع المغربي لكونه مرضاً شديد العدوى، سريع الانتشار وآفة مُهلكة تُهدد حياة المواطنين بشكل عام وحياة المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة بشكل خاص. ولكن في المقابل، الوباء هو أيضا مصدر لتجدد الأنسجة المدنية والنقابية والإنتاجية والصناعية التي لعبت أدوارا محورية هامة: دور ردعي ميداني، دور توعوي تحسيسي، دور رقابي، هذا فضلا عن الدور الوقائي الملموس المتمثل في إنتاج معدات طبية ووقائية للحماية من الفيروس ويمكن إدراج أهم المساهمات على النحو التالي: - تولي عشرة مصانع توفير الكمامات للسوق المحلية بسعر 0.80 درهم للواحدة - التوجه إلى إنتاج أجهزة تنفس اصطناعية (إنتاج مغربي مائة بالمائة) موجهة للمصابين بفيروس كورونا - خلق مبادرات لإيواء الأشخاص في وضعية الشارع بمجموعة من المدن من خلال توفير فضاءات ومراكز، بتنسيق مع السلطات المحلية والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة فيروس كورونا. - منح مساعدات مالية للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل، التي فقدت إيراداتها جراء انتشار فيروس كورونا وإعلان حالة الطوارئ الصحية. - إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) بتعليمات من جلالة الملك محمد السادس. - تجسير العلاقة بين المجتمع والدولة وتعزيز قيم الوساطة الاجتماعية بتفعيل دور "القايد" و"المقدم" وأعوان السلطة ورجال الأمن للسهر على عملية مراقبة الحجر الصحي. 2. قِيَمٌ إيجابية في حياتنا اليومية كَشَفَت عنها كورونا من الخطأ أن تكون الأمور الأكثر أهمية تحت رحمة الأمور الأقل أهمية- غوته "عندما يُقْطَعُ الرأس لا نبكي على الشعر". إن أولوية الأولويات الحفاظ على حياة الإنسان وأولوية المرحلة ممارسة الحرية بلا ضرر ولا ضرار، بمعنى الالتزام بالسياج المُحكَم الذي شيدته الدولة لضمان مصالح الناس، في العاجل والآجل. أجبر الوباء الشعب المغربي على الإبطاء والتأني. لقد أصبحت تحركات الناس بطيئة متريثة متزنة. يتناسب البطء طردًا مع قوّة السيطرة على الوباء، وتتناسب السرعة طردًا مع فشل الإحاطة به والسيطرة عليه، ولأن "من أسرع كثر عثاره"، فالمؤكد أننا لن نهزم كورونا في يوم واحد. لقد توقف الناس عن الحركة، توقفوا عن مغادرة بيوتهم، توقفوا عن الإنفاق بشكل أكبر، توقفوا عن الذهاب في عطلة، توقفوا عن الذهاب إلى المناسبات الثقافية، توقفوا حتى عن الذهاب للمسجد. يُعيدُ المجتمع المغربي اكتشاف قِيَم منسية مهملة مثل قيمة توجيه النظام الاقتصادي لخدمة البيئة وحقوق الإنسان الأساسية -كصحة المواطنين والتعليم- بدلاً من العكس. يُعيدُ المواطن المغربي اكتشاف قيمة المعرفة العلمية، قيمة النظام الصحي، قيمة العمل عن بعد، قيمة القراءة وقيمة الاستماع إلى الموسيقى في أوقات الفراغ، حتى أنهم يبادرون أحيانا بصناعة موسيقاهم الخاصة وابتهالاتهم الشخصية الفردية وتلاوتهم الذاتية. هي خيارات تتربع اليوم على عرش الصدارة. إن تغيير الأولويات كان وسيبقى على الدوام ممكنا، كان علينا فقط أن نُقدِمَ على الخطوة الأولى. لقد اعتاد الناس بسبب الفيروس ممارسة أشياء أبسط وأيسر وأقل. إن تأثير الوباء قد يجبرنا مستقبلا على الإبطاء والتروي، قد يعلمنا التريث قبل استقلال الطائرة والسفر، قد يُعودنا على العمل من منازلنا والترفيه عن أنفسنا فقط مع الأصدقاء المقربين أو الأسرة، قد يلقننا كيفية الاكتفاء بالذات والشعور بالنفس والجلوس إليها. تبدو لنا اليوم إشهارات الأزياء شاذة غريبة عجيبة، حتى إعلانات السفر التي تقتحم شاشتنا تبدو عدوانية ومثيرة للسخرية. تترك كل أزمة عميقة قصة ورواية تُخبرنا عن الآتي من بعيد ولم يبق لنا سوى أن نكتشف ما سيحمله المستقبل. تنفست المدن المغربية الكبرى وتحررت فجأة من الضباب الدخاني. تزينت السماء من جديد بزيها الأزرق واستنشق الهواء طعم النظافة. ارتدَّت الأنهار إلى طهرها ونقائها وصفائها، تطهر نهر سبو وتحررت طيور المحميات وتنفس الزرع والعشب والشجر. لقد قلصت جائحة كورونا التلوث وأنعش الحجر الصحي الأرض. هناك أمل في أن هذه المرة بالفعل، سيتعلم المواطن المغربي شيئًا من هذه الأزمة. الشارع المغربي: تفكير في ما بعد كورونا من المؤكد أن الحكومة لن تتخذ أي إجراءات متسرعة "لإزالة الجليد" في الحال ولكن لابد من الوصول آجلا لمرحلة "فتح اليد" بصفة تدريجية. تتوقف عودة الحياة لطبيعتها على عدة عناصر أهمها: كيفية تطور الوباء، نسبة تراجع انتشاره، مدى توفر أدوية أو لقاحات فعالة ضد الفيروس ونسبة الاختبارات الضرورية. كما تحتفظ الدولة بحق إلغاء أي قرار قد يتم اتخاذه للعودة للحياة الطبيعية، تماما كما فعلت الصين التي ما أن استأنفت نشاط بعض المسارح ودور السينما حتى سارعت لإغلاقها مجددا. لا يمكن التعامل مع الساكنة على قدم المساواة في مسألة رفع الحجر الصحي. من المرجح أن يضطر كبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة إلى إطالة فترة حجرهم الإلزامي لفترة أطول من الشباب الأصحاء. لابد من تنقيح قرار رفع الحجر وتقييده بشروط تأخذ بعين الاعتبار الحالة الصحية والفئة العمرية. وهكذا يمكن إرفاق قرار رفع الحجر بإضافة شهر قابل للتمديد لأصحاب الأمراض المزمنة والفئات العمرية التي تتجاوز الستين من العمر. كما يُستحسن ابتكار وثيقة إدارية بمثابة "التمرير الصحي" حتى يتمكن الأشخاص الذين اجتازوا الوباء بالفعل، ومن المفترض أن يكون لديهم تحصين ومناعة ضده، من الانضمام إلى الحياة الطبيعية بعد وقت قصير من اجتياز اختبار الأجسام المضادة. تتمايز المناطق الموبوءة عن بعضها البعض حسب نسبة إصابتها بالفيروس. ومثلما لم تصب المناطق جميعها بالوباء في نفس التوقيت الزمني، قد يكون من المنطقي ألا تُعتَمَد نفس التدابير بشكل متطابق على مختلف المدن والأقاليم في الوقت ذاته. سيكون الأمر معقدًا إذ لا بد من حصر وتجزئة وإغلاق مناطق ومدن محددة دون غيرها عند رفع الحجر. إذا خاطر المواطن بالسفر والتنقل من مناطق مصابة، فإنه سيخاطر حينها بإعادة الفيروس إلى مكان لم يعد فيه. لا بد للقيود أن تستمر جزئيا تفاديا لأي موجة ثانية محتملة للوباء. 1. المجتمع المهني ما بعد كورونا.. حياةٌ رقمية تتصدر المشهد "كل شيء يكون صعباً قبل أن يكون سهلاً". وإن زخرت التكنولوجيا بأدوات التواصل الضرورية للعمل عن بعد إلا أن المجتمع الدولي، بما فيه المغربي، لازال يصر على الإبقاء على طقوس العمل بشكله التقليدي وما يرافقه من حضور المواطن لمقر عمله وانصرافه بشكل يومي أحيانا دون ضرورة ملحة لذلك. زاد الوباء من نسبة استخدام مختلف بلدان العالم بما فيها المغرب وسائل التكنولوجيا بشكل عام وأنمى نسبة توطيد وترسيخ العلاقات العامة الرقمية بشكل خاص كمعرفة تواصلية إدارية، لا يمكن أن تظل مهملة ومنفصلة عن انتعاشات واستحداثات قطاع الشغل حتى لا تسقط في دائرة التهميش والإهمال، خاصة في ظروف غزو الإعلام التقني لكافة أطياف المجتمع. تطور الإقبال على الإنترنت في مختلف بقاع العالم مع أزمة كورونا. انتعشت التجارة الإلكترونية، نشط قطاع تطوير البرمجيات ونما قطاع الخدمات اللوجستية والتوزيع. صرح مهنيون مغاربة من قطاع الاتصالات تسجيل ارتفاع هام على مستوى طلبات الانخراط في خدمات الانترنت المنزلي عقب الإعلان عن حالة الطوارئ بالمغرب. كما اتجهت المملكة لنشر التعليم عن بعد مباشرة بعد قرار غلق المدارس والجامعات بسبب كورونا. كلها عوامل أدت إلى تعرض شبكة الانترنت لضغط كبير أدى إلى إفقارها على المستوى التقني. إن العمل انطلاقا من العالم الرقمي لازالت تتخلله عدة صعوبات، تتجلى أهمها في المشاكل التقنية التي ترتبط بشكل خاص بضعف سرعة الانترنت في بعض المناطق بل وحتى غيابها التام عن مناطق أخرى، وفي كونه وسيلة اتصال غير متاحة للجميع تارة بسبب الأمية وتارة لضيق ذات اليد. قد يساعد إنعاش قطاع الشغل بأدوات التواصل الضرورية على تمديد فترة العمل عن بعد قدر المستطاع لأمد قد يمتد إلى ما بعد نهاية الحجر مادامت إمكانية بقائه عن بعد لا تتسبب في تعطيله أو الإضرار به. الأمر الذي لا يعتبر مناسبا لكل الفئات المهنية، لكنه سيكون على الأقل أحفظ نسبيا لمجتمع ما بعد كورونا خاصة في فترة رفع الحجر الصحي التي يُفترض أن تتحقق بشكل تدريجي، لرفع مستوى الحماية ضد أي موجة ثانية محتملة للفيروس. تستوجب العودة إلى أرض العمل تقليل طاقة المنشآت الاستيعابية للعنصر البشري، علينا أن نعتاد على أن نكون أوسع والبحث باستمرار عن طرائق فعالة لموازنة الأمان التجاري الربحي بالأمان الصحي اللازم. 2. تداعيات كورونا تعزز توجه المجتمع المغربي نحو المحتوى الوطني المحلي يرتدي الإنسان نظارات جديدة فوق عينيه يعيد رؤية كل شيء من خلالها بوجهة نظر مختلفة عما سبق.. هذه النظارات اسمها المحنة- باولو كويلو حتى في أسوأ الأزمات قد تجد الدول نقاطا إيجابية كافية تُمكنها من تخطي المحن. الأزمات الصعبة قد تُدمر بعض المجتمعات إلا أنها قد تدفع مجتمعات أخرى لتحطيم جل التحديات. الأزمات والشدائد تُخضع العقول المتقاعسة المتخاذلة، ولكن العقول المتقدة المثابرة ترتفع فوقها. يظهر معدن المواطن في الكيفية التي يقاوم بها المحن. من تحدى الأزمة، يُكشَفُ له لاحقا عن فضلها حتى يقف على المستور عنه من منفعتها. تُعتبرُ تقوية المنتج الوطني المحلي أحد أهم وسائل النهوض بالقطاع الاقتصادي بشكل متين قوي مستدام. الأمر الذي يخول إغناء مصادر السُوق المَحَلِّي، ابتكار فرص جديدة للتصنيع، تنويع المنتجات الخاصة، ورفع الصادرات في عدد من القطاعات. هذا فضلا عن تقليص مستوى الواردات التي رفعت معدلات البطالة عاليا وخلفت مواد ملوثة يصعب التخلص منها على مر السنين، وعطلت نشاط العديد من البؤر الصناعية الموزعة على مختلف أرجاء المملكة. تتمتع المملكة المغربية بقوة إنتاجية ومقدرة إحداثية وطاقة صناعية جيدة، تولت توفير كمامات للسوق المحلية بسعر 0.80 درهم للواحدة والتوجه إلى إنتاج أجهزة تنفس اصطناعية (إنتاج مغربي مائة بالمائة) موجهة للمصابين بفيروس كورونا، إلا أنها بحاجة لمزيد من التطوير والتَعْدِيل والتَحْسِين إِلَى مَا هُوَ أَفْضَل وتوفير ركيزة طبية متطورة يمكن أن تساهم في إثبات أسس الأمن الصحي ببلادنا استجابة لظروف الوباء المستجد. 3. ما بعد كورونا: عودة الثقافة إلى محطاتها "إن أكثر الأمور الاعتيادية تفاهة تصبح في المحن العصبية غير اعتيادية، لا بل أكثر ما يرغب فيه من أمور الدنيا" - الطاهر بن جلون "الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا". كشف وباء كورونا عن سمات ثقافية تمتاز بها مختلف مناطق المملكة عن غيرها، وأعاد إلى الواجهة أهمية الثراء والتنوع الثقافي في المغرب، ما بين إنتاجات موسيقية وأعمال فنية وإبداعات أدبية وغيرها من الابتكارات التي تدفقت بغزارة في زمن كورونا في مجتمعنا المغربي لتثري هويتنا الثقافية بتنوعها. الثقافة ليست ترفًا تجميليا أو زينة زخرفية. الثقافة اسْتِحْداث متجدد للذات وإدراك عقلاني إدراكَ مقارنةٍ وموازنة. فنحن لا نفهم الظاهرة بشكل مجرد، بل نفهمها في علاقتها بظواهر أخرى تُشبهها وتختلف عنها. نحن لا نفهم مجتمع كورونا في حد ذاته، بل نفهمه في ارتباطه الوثيق بمجتمع ما قبل كوفيد-19 وما بعده. الأمر الذي سيتجلى دون شك بوضوح أكبر فور انتهاء فترة الحجر الصحي، في القصائد والروايات والقصص، في المسارح والمتاحف والمعارض ودور السينما... شكَّلت أزمة كورونا هزة في الإبداع تماما كما اهتزت ريشة بيكاسو للقصف الألماني لبلاد الباسك ليصور لوحة "غرنيكا" الجدارية التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. إن الثقافة تعني تنقُّل الإنسان من مجرد التواجد الطبيعي إلى الوعي بهذا التواجد. مع كل صرخة وجع مدوية تنقضي، مع كل منحنى اجتماعي جائر مستبد أحمر يختفي، تتفتح زهرة جديدة من زهور الثقافة. *باحثة ومدونة