تاريخيا، أثبت المغرب، في محطات عدة، قدرته على مواجهة مختلف التحديات التي تعترضه، خارجية كانت أم داخلية، سيما إذا كانت مفاجئة. أكثر من ذلك؛ سرعان ما كانت هذه المحطات تظهره قادرا على تدبير الأزمات المصاحبة لهذه التحديات، سياسيا، عسكريا، واقتصاديا .. هذا أمر مسلم به بحكم ما توثقه الحقائق التاريخية، ولا مجال للاختلاف حوله، ومن قال بغيره فهو كمن يدفن رأسه في الرمل. بشأن الأخبار الزائفة وبعيدا عن الإطار التشريعي ، قريبا من الإطار المنطقي الرياضي، نستطيع القول بأن الأخبار الزائفة هي مجموعة من المعطيات أو المعلومات التي لا تستند إلى مرجعية، طبيعية، سليمة، وأن تدفقها رهن بمبدأ تقاطع المصادر، فكلما اقترب الأخير من الصفر، اتجه حجم الأخبار الزائفة نحو اللانهاية، وعلى العكس من ذلك؛ كلما اتسعت رقعة مساحة هذا المبدأ، اتجه المنحنى العام الخاص بهذه النوعية من الأخبار نحو الصفر. الأخبار الزائفة كانت قبل الأزمات، بل ومنذ أن خلق الله الكون، لكن ما يلاحظ هو أنه في بعض الأحيان تتخذ ذريعة لتبرير الضعف، وفي أحايين أخرى تستعمل كأداة للردع ولإبراق الرسائل بغرض فرض منطق محدد لا نريد أن يجادلنا أحد بشأنه. وهذا أمر يفيد إما بأنا لم نكن على بينة من وقوع الأزمة حتى نستعد لها بما فيه الكفاية، بالخطط اللازمة، وأن نهيئ أنفسنا للسيناريو الأسوأ لتوفير الإمكانات اللازمة لتجنب الإجراءات المبالغ فيها والمتساهلة أيضا. وإما أنا استعدنا لها وفق سيناريو معين، ظهرت عدم نجاعته مع مرور الوقت . وإذا كان الأمن الصحي، في مثل حالة أزمة كرونا، غير مرتبط بوزارة الصحة، وأن التدبير يجب أن يشمل مجموعة من المتدخلين، فإن الأزمات كيفما كان نوعها، غير مرتبطة بقطاع دون آخر، بما في ذلك الأزمات الاجتماعية والأمنية، وأن الأصل هو التوفر على آلية وطنية تعنى بتدبير الأزمات غير المتوقعة، كالزلازل والجائحات والحرائق الخطيرة، والفيضانات، بل والانفلاتات الأمنية، والتحديات الخارجية. إن ملايين الأخبار الزائفة، الهدامة، قبل كرونا، استهدفت النيل من الأخلاق العامة، والهوية الوطنية، والحياة الخاصة بالناس، ورسمت صورا نمطية، قاتمة السواد، للفرد والمجتمع، ومرت دون أن تثير حفيظة أي من صناع القرار.. والإقرار بأن المواجهة ليست فحسب مع كرونا وإنما أيضا مع الأخبار الزائفة، فهذا أمر مقبول وجب تعميمه على باقي الأزمنة، سواء أكانت أزمنة أزمة أم لم تكن، لأن الأصل هو تهديدها للأمن العام وللمحتوى النافع وترويجها لضرب القيم والأخلاق ونشر الخلاعة والتفاهة. عقيدة التواصل حينما يصرح أي مسؤول في عز الأزمة بتصريح ديبلوماسي، أو عكس ذلك، كما فعل رئيس الحكومة في اللقاء التلفزي المباشر ليلة الخميس 7 يناير الجاري، حينما اشترط فتح الحدود بعود العالقين، فإنه بذلك يجعل المتلقي، النوعي، المتمكن، غير قادر على استنباط الرسائل والمعاني والدلالات، ويدفع بالمتلقي العادي إلى استنتاج كل أشكال التأويلات، السلبية، ما يعني أن منحنى مبدأ تقاطع المصادر، في هذه الحالة، قد اتجه نحو الصفر، ومن ثم ولادة جيل جديد من الأخبار غير السليمة عند المتلقي. الأمر الذي يعني أن الأزمات تتطلب نوعا من التواصل يتم الفصل فيه بين الاتصال والصحافة. فالمنطق الديبلوماسي غالبا ما يستحضر الاتصال من زاوية إعلامية تتفاعل بحمولة المصطلحات والتعابير ومعانيها، والديبلوماسي الناجح، هو من يدرك هذا المنطق في الأزمات السياسية، أما في هذه النوعية من الأزمات التي تمر منها البشرية وبلادنا، فإن استحضار هذا المنطق مؤشر على أن فعل الاتصال والتواصل لا يزال يتطلب الكثير من العمل في بلادنا، وهو ما يدفعني إلى مطالبة وزارة الخارجية بضرورة الخروج عن صمتها فيما يتعلق بملف المغاربة العالقين خارج أرض الوطن. كما يجعلني أسجل – واتمنى أن أكون خاطئا – أن الخارجية المغربية على مستوى هذا الملف، تعبد الطريق أمام أعداء الوطن ليصطادوا في الماء العكر، من جهة، وتعمق من جهة ثانية الآلام الجسدية والنفسية، والمادية والمعنوية، التي يعيشها المغاربة العالقون في الخارج. نعم إن عددا مهما من هؤلاء المغاربة وفرت لهم الإقامة وما يتبعها من ضروريات، وهذا أمر لا يمكن إنكاره، مشكورة عليه الدولة المغربية، لكن تسويق منطق الصبر ثم الصبر، الذي يقابله غياب التواصل الصادق بخصوص وضعية هؤلاء المغاربة، أخشى أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. التحدي ممكن إن المغرب الذي استطاع أن يرسل أكثر من 350 ألف مواطنة ومواطن إلى الصحراء المغربية، في ظل إمكانات محدودة تكاد تكون منعدمة، وفي ظل وجود أوبئة كانت حينها في مستوى جائحة كرونا، أو أكثر، وفي ظل تهديد عسكري إسباني، قادر على إعادة مواطنيه العالقين خارج أرض الوطن والذي لا يتعدى تعدادهم إلى حدود الساعة نحو 27 ألف مواطنة ومواطن. وبالمناسبة؛ تحدي المسيرة الخضراء أخرجه وخطط له فكر رجل واحد، استطاع تنظيمه في حوالي شهر، تقريبا، إنه المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه. فلا تحملوا إخواننا العالقين في الخارج ما لا طاقة لهم به، وإلا ستستفيقون على جملة من التداعيات السلبية، الخطيرة، التي لن يتأت تجاوزها إلا بعد مرور عشرات السنين. وكفى قولا إن مصالح الخارجية المغربية في العالم قامت بالواجب معهم، لأن ذلك واجب الوجب وأقل ما يتوجب فعله. ومثلما تتكاثف جهود عدد من القطاعات إلى جانب جهود وزارة الصحة لاحتواء الجائحة، فإن ملف المغاربة العالقين في الخارج يجب أن تتكاثف فيه جهود تلك القطاعات إلى جانب جهود وزارة الخارجية في أجل أقصاه 20 ماي الجاري، حيث على المسؤولين بالخارجية المغربية أن يخرجوا للرأي العام ويفصحوا عن الخطة المعتمدة لإعادة هؤلاء، وإلا، فكلنا سيستفيق على مآسي عميقة سيدونها التاريخ بمداد الأسى والأسف. *أستاذ الإعلام والتواصل بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة