في منطقة ريفية في جنوب غرب كولومبيا هناك منطقة خصبة مليئة بالأشجار والشجيرات في تناقض مع الصفوف الرتيبة لعيدان قصب السكر الممتدة على طولها. وقال وليام، وهو أحد أفراد جماعة ناسا التي تضم السكان الأصليين لكولومبيا، والذي لا يريد نشر أسمه الحقيقي" لقد قمنا بإعادة تشجير الأرض، بينما تقوم شركة المحصول الواحد وهو قصب السكر بالتسبب في جفاف الحقول". ويعيش هذا الرجل، متوسط العمر، في محمية لوبيز ادينترو على مساحة 2237 هكتارا، والتي تضم حوالي 2000 من أفراد ناسا، الذين يزعمون أن جزءا من منطقة زراعة قصب السكر هو ارضهم. ويأتي حوالي 100 من أفراد ناسا بانتظام لاحتلال 115 هكتارا ، حيث يقومون بقطع عيدان قصب السكر. وتتجول الكلاب والديوك بين الأكواخ التي تقطنها 15 أسرة من الأشخاص الذين امتلكوا الأرض بوضع اليد والذين يقومون بزراعة الكاسافا والذرة، وغيرهما من المحاصيل التي تهدف لإحياء التربة التى تم استنزافها. ووفقا لمجلس كاوكا الإقليمي للسكان الأصليين فإن مقاطعة كاوكا تشهد تسع عمليات مماثلة للاستيلاء على الأراضي التى تخص مزارع أو ملاكا آخرين لها. وتتمتع المنطقة الفقيرة والتي ابتليت بالعنف، والتي تقع في شمالها محمية لوبيز أدينترو، بحركة من أكثر حركات السكان الأصليين نشاطا في كولومبيا. وفي مناطق أخرى في كولومبيا، هناك عشرات من جماعات السكان الأصليين تحاول أيضا استعادة الأراضي التي تقول أنها سرقت منها، على الرغم من أنها عادة تلجأ للقنوات القانونية والمؤسساتية. وهذه الجماعات لا تريد الأراضي للعيش والزراعة فقط، ولكن أيضا لتعزيز أسلوب بيئي للحياة على عكس النظام الاقتصادي السائد. وقالت ديانا لوسيا كويرا، وهي خبيرة في شؤون البيئة في محمية توتوريز في شمال شرق كاوكا" نحن منهمكون في حركة مقاومة واسعة النطاق ضد النموذج الرأسمالي". وفي محمية لوبيز أدينترو ، تحتل جماعة ناسا أرض شركة قصب السكر منذ عام 2015. ويقول وليام " كنا نستخدم المناجل، والعصي والحجارة ضد شرطة مكافحة الشغب التي تحاول طردنا بالغاز المسيل للدموع. وقد قُتل أحد النشطاء أثناء الاشتباكات في عام 2018. وأضاف" والآن لم تعد الشرطة تضايقنا". ولم تضع جائحة فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19) نهاية لعمليات استعادة الأراضي في شمال كاوكا. وتحدثت وسائل الإعلام المحلية وجماعة " تحرير الأرض الأم" عن وقوع عدة حوادث. وشملت هذه الحوادث اشتباكات مع الشرطة، ومقتل أحد العاملين في المزارع على يد مسلحين مجهولين، واحتجاز نشطاء لجنود ورجال شرطة لفترة وجيزة. وأحيانا يتم اتهام السكان الأصليين باستخدام العنف. ولكنهم أيضا يخاطرون بحياتهم عندما يشاركون في عمليات استعادة الأراضي، أو في الاحتجاجات الأخرى، أو عندما يحاولون حماية أراضيهم ضد الأنشطة الإجرامية. ووفقا للمنظمة الوطنية للسكان الأصليين في كولومبيا فقد قتل ما مجموعه 134 من السكان الأصليين في الشهور ال15 الأولى من حكم الرئيس إيفان دوكي حتى تشرين ثان/نوفمبر. 2019 كما تردد أنه تم اغتيال العديد من السكان الأصليين أثناء جائحة فيروس كورونا. وينسب الكثير من عمليات القتل لجماعات شبه عسكرية تدافع عن مصالح رجال الأعمال، وكذلك لرجال حرب عصابات ومجرمين يحاولون تهريب الكوكايين أو معادن المناجم في أراضي السكان الأصليين. وزاد العنف بعد أن قامت حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) بتسريح سبعة آلاف من مقاتليها في أعقاب اتفاق سلام في عام 2016، مما أدى إلى سعى جماعات مسلحة أخرى للسيطرة على مناطق انسحبت منها. وارتفع عدد القتلى من السكان الأصليين بنسبة 52% في عام 2019 في كاوكا، وذلك وفقا لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي سجل أكثر من65 عملية اغتيال لأشخاص من جماعة ناسا هناك العام الماضي. وأرسلت الحكومة الآلاف من القوات إلى كاوكا، ولكن ممثلي السكان الأصليين يتهمونها ب"إضفاء الطابع المسلح" على المنطقة للحفاظ على السيطرة على المحميات التي تسعى للحصول على الحكم الذاتي. وتقول الجماعات إنها تريد استعادة أسلوب معيشتها التقليدي، الذي يشمل رؤية الأرض ككائن بشري. وقال وليام أمام مسكنه المتواضع المحاط بالخضرة" إن وقوع زلزال يعني أن الأرض تهز نفسها. كما أن الرعد يقول لنا شيئا". وترى جماعات السكان الأصليين أن الأنشطة الزراعية، والتعدين والسدود أفسدت الطبيعة . وقام سكان بلدية توتوريز في مقاطعة كاوكا على سبيل المثال، بإعادة تشجير مئات الهيكتارات من الأراضي، وتوزيع البذور المحلية وانتاج 91 من الأدوية العشبية. ووفقا للبيانات الرسمية فإنه تم تحديد حوالى 9ر1 مليون من الكولومبيين على أنهم أفراد في 115 جماعة من جماعات السكان الأصليين . وهي جماعات تعيش في أكثر من 1000 محمية تتراوح ما بين محميات كبيرة مثل ناسا- التى تضم 250 ألف نسمة- ومحميات صغيرة مثل توتوريز- التى تضم حوالى 9000 نسمة. ويقول السكان الأصليون إن المستعمرين الإسبان والمستوطنين المحليين سرقوا أراضيهم من خلال العنف والخداع. وفي محميات كاوكا ، كثير من السكان يملكون فقط نحو هيكتارا من الأرض القابلة للزراعة. وقال ميلادي ديكوي من مجلس كاوكا الإقليمي للسكان الأصليين" لقد أثبتت الطرق القانونية عدم جدواها لأن المحاكم تحابي ملاك الأراضي". وذكر البرنامج الإخباري نوتسياس أونو أن السكان الأصليين تقدموا للحكومة بحوالي 1200 طلب يتعلق بالأراضي حتى أكتوبر الماضي، لكن تم حسم 43 منها فقط في مطلع فبراير الماضي. واتهم الرئيس دوكي سكان منطقة كاوكا بتقديم طلبات مبالغ فيها بالنسبة للأراضي, وفي الوقت نفسه تسعى جماعات السكان الأصليين إلى تعزيز ثقافتها لمواصلة نضالها. وتقدم جامعة السكان الأصليين الثقافية (UAIIN) في بوبايان عاصمة كاوكا مقررا يحمل اسم" إحياء الأرض الأم". وقد غيرت عبارة" الموارد الطبيعية"، الذي يوحي بالاستغلال لتحل محلها عبارة" الفضاءات وأساليب الحياة". وقال وليام، ليس فقط البشر هم الذين يحتاجون لمساحة للعيش هنا، و"لكن أيضا الطيور، والماء والأرواح". *د.ب.أ