من مفارقات هذا الزمن الغريب أن تجد الدماء تجري بلا حساب في وقت تحتل كلمات المصالحة ألسنة الجزارين و الطغاة ، من مفارقات العالم العروبي أن تجد الأطفال يُذبحون بلا هوادة تحت وابل القصف الإعلامي المتستر على الجرائم . نعيش المأساة و النكبات في عالم مليئ بالتناقضات في عقول السياسيين و المثقفين ، نعيش الحقارة للآدمية فنكسوها بطلاء بديع في الظاهر ، نُتمتمُ بالحوقلة في زمن القعود و الانبطاح الدولي . يُشاهد العالم بحارا من أنهار الدماء تسيل في وديان متلئلئة من نور ، شهداء من أمهاتنا و أطفالنا تتكرر كمرايا لبعضها البعض تطالبنا كل يوم بالنظر في مغول العصر و مثقفونا لا يخجلون . مَن منا لازال لم يصدق عودة المغول ؟ مَن منا لا يزالُ يثق بعقل عفلقي يدمر و يسفك الدماء ؟ مَن منا لم ينزع الغشاوة على عينيهِ ليرى البشاعة في أحطّ صورها ؟ مَن منا لا زالَ يحلم بتسويات و حلول توافقية وسط تقتيل هستيري تتري ؟ مَن يكون هذا العفلقي المتغطرس الذي أراد أن يُسقِطَ شعبهُ ليبقى في أريكة العرش ؟ مَن يُصدِّق أن مثقفين صاروا أذيالا نجسة و طواغيت يقدمون صكوك غفران و شهادات البراءة ؟ مَن يُصدق السياسي العفلقي وسط هول المذابح و غول المدافع؟ عفوا يا سيدي عمر بن العزيز : فالحجاج لن يستطيعَ أن يتفوّقَ على الجزار ذنوبا لو وضعوا في الميزان ، لو قُدّرَ لك النظر إلينا سيدي لاعتذرتَ عن كلماتك اللامعة : "لو أتت كل الأمم بذنوبها و أتينا نحن بالحجاج لرجحناهم" ، عفوا سيدي فذنوب الطاغية العفلقي يقارع كِبار الجزارين في التاريخ ، ذنوبهُ ليست كالذنوب. عفوا يا سيد أحمد بن زيني دحلان ، فالتتار ليسوا وحدهم من قتلوا العلماء و الصلحاء و الزهاد و العباد و الخواص و العوام و لم يخربوا لوحدهم الجوامع و المصاحف (الفتوحات الإسلامية بعد مضي الفتوحات النبوية ج 2 مؤسسة الحلبي للنشر و التوزيع 1968 ص : 69 ) ، عفوا مفتي مكة فأنتَ لم تدرِ ماذا يصنع العفلقي الأشدّ بشعبه المعزول ، لم تُشاهد كيفَ تتحرك الآلة العسكرية لسحق أجسام الأطفال و الأحرار ، لم تر طوابير الشهداء يُكفنون و يُجمعون بالجملة . عجبا لدول و أحزاب توالي ، عجبا لمثقفين يتحدثون عن المظلومية و هم متحالفون مع آلة البطش ، عجبا لدول آثرت الصمت الرهيب ، عجبا لعقليات كانت تصك آذاننا عن العدل و مناهضة سلاطين الجور فأصبحت مِثالا لكُتاب الجزارين و عنوانا للنفاق السياسي . عجبا لإيران :من دولة الحسين دولة الثورة و التحرير إلى دولة يزيد دولة السيف و التبرير ، يكادُ المرء يُصابُ بالذهول حينما تعاين وقوفَها إلى جانب الطاغية العفلقي بلا حياء و خجل ، تتعرى أمامَ العالم لتُؤكد مدى ازدواجية معاييرها ، تتحدث عن الظالمين و تقف مع الجزارين ، عجبا لغباء سياسي مقصود يتاجر بالدماء الطاهرة في سوريا ، كنا ننتصر لهذه الدولة و نقف وراء حقها في امتلاك القوة النووية و الآن تزداد المخاوف من إبادة المظلومين بعد التمكن . أخطاء إيران من العراق إلى أفغانستان الجريحة إلى مساندة الطائفية البحرينية إلى موالاة الطاغية العفلقي ستمضي في زحزحة مكانتها في عقول الأحرار و لن تستطيع الدعايات الإعلامية و التبريرات السياسية و العمامات الفقهية أن تعيد نجمها في عيون البسطاء و عموم الكادحين . أما أنت يا حزب الله فإننا نخجل من ذكركَ بعدما كنا نستشهد ببطولاتك و قوماتك ، صِرنا نمل النظر في قنواتك ونكره الاستماع لحديثك ، نجمك صارَ شبه وهم كانَ يداعبُ مخيالنا ، عمامتك الآن غدت لا تقل عن عمامة فقهاء السلاطين ، كلماتك أصبحت في عيوننا مسامير في أجساد الأطفال الشهداء ، خُطبكَ تحولت إلى طائفيات أعادتنا إلى طائفيات القرن الرابع و الخامس الهجريين فلا نحس لها همسا و لا نبغي فيها سمعا . أما مثقفيها من أبناء الطائفة الشيعية بالأساس فقد سقط القناع ، مثقفين متحربئين يناصرون الحراك البحريني في قنواتهم بشكل جنوني ثم يصمتون لجرائم بشعة يقترفها نظام بعثي عبثي ، يتباكون على ثلة من الضحايا في البحرين و يبتسمون لبقاء نظام مستبد يحكم بعقلية : " من قال برأسه كذا قلنا بسيفنا كذا " . مثقفينا صاروا يتزحلقون بكلمات يتخيلون أنها قادرة على حجب الجرائم و المجازر ، صاروا يفلسفون الظالم و يرجمون الظلومين ، يمارسون التبرير و هم يزعمون أنهم أبطال لا يهادنون الظلمة عبر التاريخ . أما بعض العلماء و الفقهاء الذين كنا لأمد قريب نحسبهم مدافعين عن الحق و العدل فقد خاب ظننا بهم فصاروا "رجال دين " يفصلون الفتوى على مقاس الحاكم البعثي المستبد ، بعدما كانت خطبهم تطوف شرقا و غربا أصبحت الآن منبوذة تُحرق على أنظار الناس علنا ، علماء التحقوا بطلاب الدنيا فأعرض عنهم الصادقون في مجالسهم الوعظية ، خالفوا منهج سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب و أعرضوا عن منطق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لا خير فيكم إن لم تقولوها ) ، خالفوا منهج حطيط الزيات مع الحجاج و الأوزاعي مع عبد الله بن علي و ابن طاووس مع أبا جعفر المنصور و سفيان الثوري مع المهدي و الفضيل بن العياض مع الرشيد و الحسن البصري مع عمر بن هبيرة و محيي الدين النووي مع الظاهر بيبرس و بطاوس اليماني مع هشام بن عبد الملك و سعيد بن المسيب مع عبد الملك بن مروان و العز بن عبد السلام مع السلاطيين و و... خالفوا ذلك فاستحقوا من الناس الإعراض و التأديب . ماذا بعد يا سوريا الحبيبة ، ماذا بقي لك بعد أن أحرقوكِ بالمدافع الحربية و الخطابات التبريرية ، تواجهين الدبابات و تصنعين تاريخا لن تندمل آلامه و تقاتلين الموالين الظلمة بمسيرات بطولية يومية عجزت الآلة الحربية عن وقفها ، تصمدين و تقدمين الشهداء بالعشرات في وقت يتضاحك الحكام العرب و يبتسمون ، لو كنتِ تملكين آبارا نفطية لاجتمع العالم طمعا في ثرواتك ، لو كنتِ براميل نفط لتنافس الإفرنج في إسقاط الطاغية ، لكنكَ لا تملكين ، لا تملكين إلا الدماء الرخيصة التي لا تساوي شيئا عندهم ، لا تملكين إلا العزة فلله العزة و لرسوله و للمومنين . ليس لك يا سوريا الحرة إلا الله و المومنون الصادقون ، ستظلين في عيون الشرفاء رمزا للأحرار ، تقاومين آلات غدر العسكري و السياسي كما قاومَ أبطال غزة الطغاة المستكبرين ، إذا متُّم فشهداء تُرزقون و إن عشتم فأبطال حقيقيون . فالويل لحزب البعث من يوم البعث كما قال الداعية كشك رحمه الله .