أقبل شهر رمضان الفضيل هذه السنة على مدينة تطوان، فيما غابت أجواؤه وطقوسه، بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية، وما رافقها من تدابير احترازية لمحاصرة جائحة "كورونا"، فبات الصيام فعلا روتينيا خاليا من المظاهر الروحية التي تميزه عن باقي الشهور، وكأنه جسم غادرته الروح، تاركة جثة هامدة تسري البرودة في أوصالها. فبخلاف التقاليد المرتبطة بموائد الإفطار في شهر الصيام، التي يلخّصها نوع خاص من الأطباق التي تخضع لمنطق الأذواق، فإن عادات كثيرة حرم منها الناس في ظل هذه الجائحة، جعلت رمضان هذا العام بدون طعم، إذ فقد طقوس قيام الليل، ودفء التجمعات العائلية، وأنس السهر، فجاء رتيبا حزينا لا يعدو أن يكون إمساكا عن الأكل والشرب. طقوس مفقودة في تقاليد رمضان قالت ثريا البراج، فاعلة نسائية بمدينة تطوان، في تصريح لهسبريس، إن "رمضان، هذه السنة، لم يعرف تغييرات كبرى على مستوى العادات والتقاليد، خاصة تلك المرتبطة بالإعداد لهذا الشهر الفضيل"، مشيرة إلى أن "حالة الطوارئ الصحية التي تزامن معها، حرمتنا من عادات أخرى تميزه عن بقية الشهور، ومنها تبادل الدعوات للإفطار بين أفراد العائلة"، وزادت: "كنا نجتمع في كل يوم من أيام شهر الغفران ببيت أحدهم، نتشارك ثواب الصيام وأجر القيام، وهي أمور نفتقدها في الوقت الراهن". وتابعت البراج حديثها: "هذا العام نفتقد الطقوس الرمضانية المعتادة، ونحاول التعايش مع وضع الحجر الصحي، بالبحث عن بدائل يمكننا عبرها ملامسة روحانيات الشهر المعظم"، وأردفت: "نحاول قدر المستطاع الحفاظ على الأجواء الروحية لرمضان، بإقامة الصلوات جماعة ببيتنا، كما نقيم التراويح، ونرتل القرآن"، مضيفة: "ربما حرمنا كذلك من عادة ممارسة الرياضة قبل آذان المغرب، ومن الجولات الليلية بعد صلاة التراويح، لكننا اكتسبنا بالمقابل عادة قراءة الكتب التي تملأ فراغ أوقاتنا". من جانبه، اعتبر منعم محفوظ، فاعل نقابي بالحمامة البيضاء، أن "الحجر الصحي حتم علينا أن نغير مجموعة من العادات والتقاليد التي دأبنا عليها في هذا الشهر الكريم، ولعل أول تلك العادات، تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب"، مضيفا: "بل حتّم أن تتقلّص اللقاءات حتى داخل الأسرة الأم، ببن أصولها وفروعها، تجنبا لما لا يحمد عقباه"، مشددا على أن "أهمّ ما غيّر من نكهة رمضان لهذا العام، وهو الشهر الذي يعتبر شهر تعبّد بامتياز، هو المساجد المغلقة أبوابها في وجه عموم المصلين، ما حتم على الجميع القيام بطقوسه التعبدية والدينية داخل البيت ومع أسرته الصغيرة". عادات رمضانية بطعم التكنولوجيا يرى محفوظ أن الإجراءات الاحترازية التي قررتها الجهات المعنية لمواجهة تفشي وباء "كورونا"، رغم أنها غيرت طعم شهر رمضان ونكهته في هذا العام، "غير أنها، بالمقابل، جعلتنا نبتدع طرقا وأساليب جديدة من أجل الحفاظ على الروابط الأسرية، عبر استغلال التكنولوجيا الرقمية، والتطبيقات الذكية الخاصة بالمحادثات الفورية السمعية البصرية، للاستعاضة بها عن الزيارات المباشرة للأهل والأقارب"، موضحا أن استغلالها يتم، كذلك، "للتواصل بين الأصدقاء، الذين ألفوا أجواء السمر الرمضاني الذي كانت تحتضنه فضاءات المقاهي والنوادي كل رمضان بعد صلاة العشاء، فهي تضمن على الأقل تجمعات افتراضية تحقق نوعا من المتعة المشتركة". وشاطرت نوال أسلمان، ناشطة جمعوية، منعم محفوظ في رأيه، حين اعتبرت أن "وسائل وتطبيقات التواصل الفوري، حلت محل الزيارات بين الأهل والأقارب"، مؤكدة أنها "وفي ظروف الحجر الصحي التي نعايشها، فقد مثلت لنا متنفسا يقربنا من أفراد العائلة، ويضعنا على اتصال دائم بهم، للاطلاع على أخبارهم، والاطمئنان على أحوالهم"، مشيرة إلى أن "التواصل عبر هذه الوسائط التكنولوجية، يسد فراغا كبيرا على مستوى العادات الاجتماعية المرتبطة برمضان، ولولا ذلك، لكان مجرد شهر إمساك عن الأكل والشرب، في ظل غياب كلي لطقوسه المميزة". وفي السياق ذاته، أثنى عادل، وهو شاب ثلاثيني من عشاق السمر في رمضان، على دور التكنولوجيا في تبسيط عملية التواصل بين الناس قائلا: "في الحقيقة، لا أتخيل نفسي، في ظل حالة الطوارئ الصحية المفروضة، ووسط أجواء رمضان، دون أن أتشارك ليالي السمر مع الأصدقاء، وهو أمر أتاحته لنا التطبيقات التي توفرها الهواتف الذكية، صوتا وصورة، ومع مجموعة من الأفراد"، مؤكدا أن ذلك "لا يعوض بطبيعة الحال متعة السمر مع الأصدقاء بالمقاهي، والاستمتاع بلعبة 'البارتيش' الشهيرة بالشمال حتى نهاية الليل". أزواج يتشاركون الأنشطة المنزلية لم يعد للأزواج الذين كانوا يفضلون انتظار موعد آذان المغرب في التجول بين الأسواق كنشاط يومي من ملاذ غير المطبخ، في رمضان هذا العام الذي يتزامن مع تفشي جائحة "كورونا"، وحالة الطوارئ الصحية كأحد التدابير الاحترازية المفروضة لمحاصرته. يقول منعم محفوظ، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الحجر الصحي "جعل عددا من الأزواج يسعون إلى مساعدة زوجاتهم في أشغال البيت، من تنظيف وترتيب..."، وزاد مستدركا: "بل ويخوضون أحيانا تجارب على مستوى المطبخ الذي كان قبل ذلك حكرا على النساء، خاصة بعد أن وجدت معظم الأسر نفسها مضطرة، لأسباب وقائية، إلى إعداد الحلويات والمملحات التي كانت تقتنيها سابقا من المحلات التجارية، في إطار العادات الغذائية لأهل تطوان خاصة، والمغاربة عموما، في هذا الشهر المبارك". من ناحية أخرى، أوضح المتحدث ذاته، أن "مناسبة رمضان هذه، وبتزامنها مع وضعية الحجر الصحي، سجلت فرصة كبيرة للأزواج للاقتراب أكثر من أبنائهم، خاصة من هم في مرحلة المراهقة"، مضيفا: "ولعلها فرصة للاحتكاك والالتصاق بهم عن قرب، وملامسة اهتماماتهم وأنماط تفكيرهم"، خاتما حديثه بالقول: "لا شك أن رمضان هذا العام، بكل ما تولد عنه من مشاعر وتجارب جديدة، سيبقى راسخا في الأذهان، وسيشكل مادة للحكي للأجيال اللاحقة إن شاء الله".