في هذا الجزء الأول من حوارها مع هسبريس، ترى آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن منهجية اشتغال المجلس في إعداد التقرير السنوي تأخذ بعين الاعتبار معايير وأساليب العمل التي تعتمدها المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، رافضة اتهامها بنشر التقرير في هذه الظروف الاستثنائية لتفادي النقاش حوله. واستغربت بوعياش القول إن المجلس يسعى إلى "تمرير" التقرير دون نقاش مجتمعي حوله، مشيرة إلى أن هذا التقرير تم إعداده ضمن مقاربة تشاركية واسعة وممتدة عبر كل هياكل المجلس، ورحب بمضامينه العديد من متتبعي المجلس وشركائه. وفي مقابل تأكيد رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن نشر التقرير تتبعته العديد من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التي قامت أيضا بنشر تقاريرها في سياق هذه الظروف، نفت أن يكون ما تضمنه "ينتصر لرؤى الدولة". بوعياش شددت على أن التقرير السنوي للمجلس مر من جميع المراحل التي ينص عليها قانونه نظامه الداخلي، كاشفة أنه تم تقديمه إلى الجهات المعنية وفقا لما هو منصوص عليه في القانون. أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا جديدا خاصا بحالة حقوق الإنسان بالمغرب سنة 2019، لكنه تعرض لعدد من الانتقادات، وفي مقدمتها ما يتعلق بمنهجية صياغة التقارير، إذ خلط حسب المنتقدين بين المنجزات والتقرير السنوي.. لا يفوتني أولا أن أبارك لجميع المسلمين حلول شهر رمضان الذي يتزامن هذه السنة مع ظرفية استثنائية تحتم على الجميع التأقلم مع الوضع والالتزام أكثر بالإجراءات الاحترازية والوقائية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية. يكتسي التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان أهمية بالغة، على اعتبار أنه يمثل فرصة لتقييم وضعية حقوق الإنسان من وجهة نظر مؤسسة وطنية دستورية مستقلة، مشهود لها بالفعالية والمهنية؛ كما أنه آلية مهمة لإبراز أوجه الخلل وإثارة انتباه السلطات العمومية إلى القضايا الحقوقية الضاغطة التي تنبغي معالجتها على المستوى القانوني والمؤسساتي وعلى مستوى الممارسات. لقد قمنا بنشر تقرير مفصل وشامل عن وضعية حقوق الإنسان ببلادنا يغطي أجيال حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وكذلك القضايا الناشئة من قبيل التغيرات المناخية والأعمال التجارية وحقوق الإنسان. ويتضمن التقرير أكثر من 125 توصية موضوعاتية و30 توصية عامة، من شأن تفعيلها تعزيز المنظومة الوطنية لحماية حقوق الإنسان بالمغرب. يجب أن تجيب منهجية اشتغال مؤسسة وطنية مستقلة في إعداد التقرير السنوي على ثلاثة أسئلة محورية: ما هي أبرز التطورات التي شهدها البلد في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها؟ ما هي أبرز الإشكالات التي تم رصدها والتي يمكن أن تعيق التمتع الفعلي بالحقوق؟ وكيف تعاملنا نحن معها باعتبارنا مؤسسة وطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها؟. ويعتمد تقييم وضعية حقوق الإنسان على الإشكالات التي جرت معاينتها والانتهاكات التي جرى تسجيلها، كما أن منهجية اشتغال المجلس في إعداد التقرير السنوي تأخذ بعين الاعتبار معايير وأساليب العمل التي تعتمدها المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، كما يوصي بها التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، الذي يمنح الاعتماد لهذه المؤسسات. التقرير إذن يعتمد، مثله مثل التقارير الدولية، على الحالات والمعطيات التي يجري التحقق منها، ويقدم تقييما للوضع الحقوقي على هذا الأساس. لماذا اختيار هذا التوقيت الذي ينشغل فيه المغرب بفيروس كورونا؟ البعض يرى أنكم تريدون تمريره دون مناقشة. لقد قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال هذه الظرفية بتأجيل أنشطته ولم يقم بتأجيل مهامه، أما التقرير فقد مر بجميع المراحل، ابتداء من التداول حول محاوره خلال اجتماع جمعية المجلس العامة في شتنبر 2019، وصولا إلى مناقشته والمصادقة عليه بالإجماع في مارس الماضي، بعد أن عملت اللجان الجهوية وأطر المجلس، كل حسب اختصاصه، على صياغة مشروعه. فإذا كان هناك من "تمرير" فهو مرور هذا التقرير ضمن مقاربة تشاركية واسعة وممتدة عبر كل هياكل المجلس، وقد رحب بمضامينه العديد من متتبعي المجلس وشركائه. بالإضافة إلى ذلك، يعيد التقرير المجلس إلى وتيرة الانتظام القانونية في إصدار تقاريره السنوية، لذلك حرصنا، رغم الظروف الاستثنائية التي نمر بها، على الحفاظ على هذا الالتزام، وهو التوجه الذي اتبعته بالمناسبة العديد من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التي قامت أيضا بنشر تقاريرها في سياق هذه الظروف، مثل نظرائنا بالدنمارك وبجنوب إفريقيا وأيضا عدد من المنظمات الدولية. تجدر الإشارة في هذا الباب إلى أنه لم يسبق للمؤسسة منذ 2011 أن أصدرت أي تقرير سنوي شامل ومفصل عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب، باستثناء التصريح الذي قدم أمام البرلمان في 2014 حول أنشطة المجلس. من هنا إذن حرصنا على احترام الوتيرة السنوية المنتظمة لصدور التقرير السنوي. ومن أجل المحافظة على هذه الوتيرة شرعنا، حتى قبل نشر تقرير 2019، في الاشتغال على تقرير 2020، الذي سيشمل تقييما لوضعية حقوق الإنسان خلال فترة حالة الطوارئ الصحية. المنتقدون لكم يرون أن التقرير ينتصر لرؤى الدولة دون تسجيل الخروقات التي ترتكب، والتي تتطلب ضرورة الدعوة إلى إيقاف التجاوزات.. بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه بشأن منهجية إعداد التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان، تقوم إستراتيجية اشتغال المؤسسة على الرصد والتحري والتقصي وتقاطع المعلومات، كما لا يمكننا إعداد التقرير سوى انطلاقا من المعلومات والمعطيات الموثوقة والموثقة التي تتوفر لدى المجلس. لقد قدمنا للقارئ جميع المعطيات التي نتوفر عليها وندعوه إلى قراءة متأنية وشاملة لمضامين التقرير. كيف يمكن القول إن التقرير "ينتصر لرؤى الدولة" في حين أنه يتضمن، بالإضافة إلى توصيات عامة، أكثر من 125 توصية لتعزيز حماية حقوق الإنسان موجهة للسلطات ولأجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية والمؤسسات، من إلغاء عقوبة الإعدام إلى إجراء التحقيقات السريعة والنزيهة بشأن حالات الوفيات التي تقع داخل أماكن الحرمان من الحرية وتقوية مكافحة إفلات مرتكبي التعذيب وسوء المعاملة من العقاب، وعدم التذرع بأوامر وتعليمات لتبرير جريمة التعذيب، والتنصيص على إخضاع عملية استعمال القوة لمراقبة النيابة العامة لفض التجمهر وضمان حق التظاهر السلمي، وإن لم يستوف مسطرة التصريح والإشعار (اقترحنا في هذا الإطار فتح إمكانية التصريح القبلي لتنظيم المظاهرات عبر البريد الإلكتروني)، على سبيل الذكر لا الحصر؟ زد على ذلك أن التقرير سجل حوالي 700 انتهاك للحقوق المدنية والسياسية، بما فيها حرية التجمع والتظاهر. إن رصد العديد من الإشكاليات والحالات التي جرى التحقق منها وتوثيقها وتقديمها في تقرير سنوي يعد فرصة لجميع الفاعلين للتوقف، بما يكفي من مسافة وتبصر، من أجل تقييم اللحظات القوية التي طبعت الأحداث ذات الصلة بحقوق الإنسان في المغرب خلال السنة الماضية. لماذا لم يتطرق التقرير لزيارة مراكز الشرطة؟. يقوم المجلس في إطار ممارسة مهامه في مجال حماية حقوق الإنسان بزيارة أماكن الاعتقال والمؤسسات السجنية، ومراقبة أحوال السجناء ومعاملتهم (وكذا مراكز حماية الطفولة وإعادة الإدماج ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والمؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية وأماكن الاحتفاظ بالأجانب في وضعية غير قانونية). وقد تعززت اختصاصات المجلس في هذا المجال باحتضانه مهام الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث يمكن أن تقوم الآلية بزيارات منتظمة، وكلما طلب المجلس ذلك، إلى مختلف الأماكن التي يوجد فيها أشخاص محرومون أو يمكن أن يكونوا محرومين من حريتهم بهدف تعزيز حمايتهم من التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. إلا أن تنصيب الآلية لم يكتمل سوى خلال نهاية شهر شتنبر 2019، شأنها في ذلك شأن الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، والآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. ولا بد من التوضيح، في هذا السياق، أن الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لا تجري تحقيقات، في حين يجوز للمجلس باعتباره آلية حمائية القيام بذلك، فالآلية تختص بالقيام بزيارة وقائية إلى جميع أماكن الحرمان من الحرية، وإعداد توصيات بخصوص كل ما يمكن أن يؤدي إلى انتهاك، وتقديم مقترحات بشأن التشريعات الجاري بها العمل أو مشاريع أو مقترحات القوانين. وبغض النظر عن الزيارات، يعتمد المجلس أيضا على الرصد والتتبع واستقاء الوقائع والتحري بشأن الشكايات والادعاءات التي تصل إلى علمه ويقوم، باعتباره آلية حمائية، تحكمه مرجعية دولية أساسية هي مبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بإجراء التحقيقات والتحريات اللازمة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب، وإنجاز تقارير تتضمن خلاصات ما قام به؛ ويتولى توجيه هذه التقارير إلى الجهات المختصة، مشفوعة بتوصياته، كما يخبر الأطراف المعنية بالانتهاك موضوع التحقيق أو التحري، ويقدم لها التوضيحات اللازمة بشأن ذلك. ويتضمن تقرير المجلس السنوي مجموعة من التوصيات التي تهم بالفعل عمل المديرية العامة للأمن الوطني، مثل إخضاع عملية استعمال القوة لمراقبة النيابة العامة وإرساء استعمال وسائل التسجيل السمعية البصرية أثناء تحرير محاضر الشرطة القضائية والتوصيات التي تهمها بصفتها جهة ساهرة على إنفاذ القانون بأماكن الحراسة النظرية. وقد أشار التقرير في الصفحة 29 إلى أنه "يتم العمل على استقصاء الوقائع التي تحصل إبان فترة الحراسة النظرية من محاضر الاستماع، أو من خلال ما يصرح به عند الاستنطاق من طرف النيابة العامة أو أمام قاضي التحقيق أو أثناء الاستماع للمتهمين من طرف المحكمة"؛ كما أشار أيضا إلى تظلم المشتبه فيهم عند الإيداع تحت تدابير الحراسة النظرية، بصفة عامة، "من عدم توفر شروط نظافة الزنازين وعدم توفر العدد الكافي من المراحيض ونظافتها، وعدم تخصيص زنازين للنساء مجهزة بالمراحيض، منفصلة عن أماكن إيداع باقي السجناء، بالإضافة إلى التشكي من عدم تقديم وجبات الطعام". هل احترم التقرير ما تنص عليه المادة 35 من القانون المنظم بأن يرفع إلى الملك وبعده رئيس الحكومة ورئيسا غرفتي البرلمان؟. لقد مر صدور التقرير السنوي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، من جميع المراحل التي ينص عليها قانون إعادة تنظيم المجلس وكذلك نظامه الداخلي، ابتداء من تداول أعضاء المجلس حول محاوره خلال الجمعية العامة المنعقدة في شتنبر 2019 وصولا إلى المصادقة عليه بإجماع أعضاء الجمعية العامة التي انعقدت من 6 إلى 8 مارس 2020. لقد أرجئ نشر التقرير، بعد المصادقة عليه، إلى حين إدخال التعديلات التي اقترحها أعضاء الجمعية العامة، على مستوى الشكل والمضمون، ثم تقديمه إلى الجهات المعنية وفقا لما هو منصوص عليه في القانون. كما يشير التقرير نفسه إلى احترام هذه المسطرة، عندما ورد فيه أنه سيرفع "إلى نظر جلالة الملك، كما ستوجه نسخة منه إلى رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، وسيعمل المجلس على نشره وإطلاع العموم عليه، كما سيقدم، في وقت لاحق، تقريرا عن أعمال المجلس، سيكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان". لقد ورد ذلك في صيغة المستقبل، بما في ذلك نشر التقرير وإطلاع العموم عليه، وهي الصيغة التي قدم بها التقرير وصادقت عليها الجمعية العامة لأعضاء المجلس.