لعل ما يثير الانتباه صراحة في الطريقة التي تعاملت بها ألمانيا مع هذه الجائحة ليس فقط ما عرفته من أرقام للإصابات والوفيات والتي كانت دون الأرقام المسجلة في معظم الدول الأوروبية أو مستوى التأهيل الذي تعرفه المنظومة الصحية الألمانية وقدرتها على استقبال وإسعاف المرضى أو حتى السبق الذي سجلته فيما يخص محاصرة الوباء والرفع التدريجي لإجراءات "الحجر الصحي؛ ولكن، وهذا هو الأساسي، كون السيدة الأولى في ألمانيا المستشارة أنجيلا ميركل تجنبت حتى استعمال "المفردة القوية" في إشارة إلى "الحجر الصحي"، واكتفت في مخاطبة الألمان بالتقدم إليهم بملتمس يوصي باللجوء إلى "التباعد الاجتماعي"، ليتم ترك التطبيق العملي الاحترازي لهذا التباعد لأفراد المجتمع الألماني، حيث لم يكونوا بحاجة إلى ترخيص مسبق من طرف السلطات للخروج، وكانوا مدعومين برجالات الأمن الذين انحصرت مهامهم في لعب دور الراعي والمراقب العام لهاته الإجراءات من دون إفراط أو تفريط. من شبه المؤكد أن هذا "الانضباط التلقائي للشعب" وراءه عوامل كثيرة لعل أبرزها ضمن أشياء أخرى تقدير خطورة الوباء، بالإضافة إلى "الثقة والوعي"؛ وهو ما أعطى صورة راقية عن الشعب الألماني أصبحت كورونا بموجبه أكبر مؤشر بصم على جودة الحياة هناك ربحت بموجبه ألمانيا مسافات بالمقارنة على الأقل بفرنسا. بالمقابل، لنا أن نتصور حجم "المعاناة" التي يتكبدها رجالات الأمن عندنا نحن هنا في المغرب من أجل تطبيق هذا الحجر، بحيث وصل الأمر حد الاستعانة بخدمات "طائرات درون" لرصد المخالفين في ظل عدم انضباط لعدد من الساكنة، ومع التفهم الذي قد يبديه البعض لبعض الحالات التي لها ما يبررها للخروج اضطرارا، أو التي لها ما يفيد استثناءها من الحجر في بعض الأوقات، إلا أن الخروج غير المبرر للبعض وغير المفهوم لم يعمل إلا على تحرير مخالفات مجانية والإسهام في إعمار السجون والتأثير على المجهودات التي تسارع الزمن من أجل وقف نزيف هذا الوباء وتقزيم زمن تواجده معنا في المغرب لا سيما أن المغرب كان سباقا لاتخاذ الإجراءات الاحترازية. يقع هذا من دون الحديث عن الأشخاص الذين مضوا بعيدا في "هذا الخروج" في محاولة منهم لاستغلال ظرفية الجائحة إلى أقصى حد ممكن، لتحقيق الربح السريع أو الأشخاص الذين لا يزال يساورهم الاعتقاد بأنهم من "علية القوم" ويسمح لهم وضعهم هذا بخرق القانون والتطاول عليه.. باختصار وحده "مؤشر مدى الاحترام التلقائي لتطبيق الحجر" كفيل بإعطاء نظرة على مستوى البلد، علما بأنه ومن باب التذكير فقط فالامتثال بتطبيق الحجر -وقبل أن تجني ثمراته أية جهة- هي في صالح المواطن أولا وأخيرا ما دام الأمر متعلق بصحة الإنسان. وعلى الرغم من القيمة التي تحتلها الصحة في المخيال الشعوري واللاشعوري للمواطن المغربي، في ظل كثرة الحكايات التي تحوم حولها "اللي صاب صحتو عاندو كلشي"، "الصحة تاج في رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى"، إلا أنه وبالنظر للأعداد المسجلة في ما يخص خرق الحظر، أنه لم يتم تقدير الأمور بحسب قدرها، وربما الدولة هذه المرة ومن حيث تقييمها لقدراتها أولا ولخطورة الوباء، كانت أكثر إسراعا من حيث اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة من أجل تجنيب الساكنة لخطر الإصابة بهذا الوباء اللعين، وأساسا مخافة تعريض المنظومة الصحية للانهيار الكامل، وهو ما أكده السيد رئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية للبرلمان المغربي حين أكد على الأولوية التي توليها "حكومته" للبعد الصحي "في هذه النازلة" كما بدت عليه علامات التأثر وهو يترحم على الموتى الذين قضوا بسبب هذه الجائحة. المؤسف،أنه وفي إطار التدبير الاعتيادي لشؤون البلد، ومن منطلق الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، وعلى الرغم من المكانة التي يحتلها المكون الصحي، فإن هذا الأخير وكغيره من القطاعات الاجتماعية لا يبدو أنه يحظى بنفس الاهتمام والأولوية في التدبير الحكومي كما هو حاصل حاليا. وقد تكون الطريقة التي اعتمدها المغرب، والقاضية بأخذ ملف الصحة بين يديه والتكفل بالمرضى مع إبعاد المصحات الخصوصية عن هذا المحور، قد ساهمت بطريقة كبيرة في تسليط الضوء على الوضعية التي يوجد عليها "المستوصف العمومي"، وفي مختلف مناطق المغرب، بحكم أن كورونا قد زارت تقريبا مجمل التراب الوطني؛ وهو ما أعطى فرصة من خلال النشرات الإخبارية التي يتابعها المغاربة كل مساء في الإعلام العمومي من تكوين فكرة عن الوضعية الحقيقية التي توجد عليها المستوصفات العمومية، والتي كانت تدبر فيما مضى فيما يشبه "بتدبير الندرة". كما أن المؤشرات الوطنية المرتبطة بالصحة كانت دائما ما توجه شكواها ونداءاتها إلى المسؤولين معلنة عن التقصير الذي يعرفه القطاع، لا فيما يخص الميزانية (حيث لا تتعدى نسبة %6 من الناتج الإجمالي للمغرب، متأخرًا عن النسبة %9 الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية)، أو الأسرة (سرير واحد لكل 1000 نسمة) أو طاقم التمريض والتطبيب (طبيب واحد لكل2000 نسمة). بالموازاة مع المكانة التي تبوأها البعد الصحي مع هذه الجائحة، تم تسليط الضوء على قيمة الخدمات الجليلة التي تسديها وتقدمها الطواقم الصحية عموما من أجل إسعاف المرضى، قيمة هذه الخدمات لا تقدر فقط بحجم ساعات العمل من السهر والتفاني في سبيل الإسعاف ولكن بحكم خاصية قربها من الوباء فهي دائما ما تكون معرضة لا قدر الله لخطر الإصابة بالعدوى. وهي مناسبة لتوجيه الشكر الجزيل إلى مختلف المكونات العاملة في المجال، ونخص بالذكر عاملات وعمال النظافة والساهرين على سيارات الإسعاف والطواقم الإدارية والصحية، وانتهاء بهيئة التطبيب من الطبيبات والأطباء، ومع إيماننا الراسخ بأنه "لا ثمن" يعلو فوق القيمة الإنسانية التي توجد وراء "إنقاذ الأرواح البشرية" كأسمى عمل إنساني نبيل، إلا أن المؤمل ومن منطلق الاعتراف بالجميل تجاه قيمة وجودة الخدمات المقدمة من طرف هذه الطواقم أن تتم الالتفاتة إليهم من حيث التسريع بالترقية أو بتخصيص تحفيزات مادية مستحقة. نقول هذا وكلنا أمل في أن يتحول زمن الجائحة هذا رغم قساوته إلى زمن يلعب في صالح المزيد من توطيد العلاقة والثقة فيما بين الأطر الطبية والفئة المستضعفة من الشعب، نعلم بأن صعوبة الولوج إلى الخدمة العمومية المتمثلة في الصحة في ظل النقص الحاصل سواء في العدد والإمكانيات وتجهيزات المستشفيات أو النقص الحاصل في الأطباء كان دائما يضع الأطباء في المحك وفي الواجهة الأمامية أمام سهام النقد التي "ربما لقصر النظر والوعي" بدل أن يتم توجيهها إلى السياسات العمومية المطبقة في المجال يتم توجيهها في غير محلها تجاه طواقم التمريض والأطباء. من جهة أخرى، ولنكن صرحاء، فلبعض الأطباء نصيب لما آلت إليه الأوضاع من خدش لنقاوة بياض الثوب الذي يلبسونه بالنظر إلى عدم إعطاء الخدمة العمومية كل ما تستحقه من وقت وجهد مقابل الجري وراء المال سواء في المحلات الشخصية أو المصحات الخصوصية... في تقديرنا وفي محاولة لتفسير جانب من الإقبال على الشعبوية الموجودة في الشارع والتي تقدم نفسها كبدائل مرده في جزء كبير منه إلى عدم القدرة على الولوج إلى الخدمة وأيضا لأن جزءا من أشباه الأطباء لا يشرفون البذلة ولا القسم الذي أدوه.. للتأكد من ذلك ما علينا سوى الإنصات لبعض الحكايات الواقعية والمؤلمة في هذا المجال والموقعة من طرف بعض البسطاء من الشعب المسكين.