فيروس كورونا من بين مجموعة الفيروسات التي يمكن أن تصيب الحيوانات كما البشر، وهي تصيب الجهاز التنفسي، خفيفة كانت مثل نزلات البرد أو شديدة مثل الالتهاب الرئوي. كما يمكن لفيروس كورونا الحيوانية أن يصيب البشر ثم يتفشى بينهم. من هذا المنطلق، يمكن أن نذكر مرض سارس الذي انتشر في الفترة بين 2002-2003، ومتلازمة الشرق الأوسط التي ظهرت سنة 2012. ينتشر الفيروس بين الناس عادة من خلال السعال والعطس أو ملامسة شخص لشخص مصاب أو لمس سطح مصاب ثم الفم أو الأنف أو العينين.. لذلك ينصح عادة بالنظافة الشخصية المستمرة، وتجنب لمس العينين والأنف والفم، وتنظيف وتطهير الأسطح بشكل متكرر، وغسل اليدين بشكل دائم بالماء والصابون لمدة 20 ثانية على الأقل، أو استخدام مطهر يدوي يحتوي على الكحول، وشرب السوائل بكثرة، وتغطية الأنف والفم باستعمال الكمامات، وتجنب التجمعات الكبيرة والمخالطة اللصيقة والبقاء في المنزل وممارسة التباعد الاجتماعي. بات فيروس كورونا من أكبر المخاطر التي تهدد جميع دول العالم، وسط تزايد حالات الإصابات والوفيات في دول عديدة، ثم تدهور الاقتصاد العالمي الذي يؤثر لا محالة على العلاقات الدولية والأنظمة. لقد أصاب الشلل الجماعي المجتمع الدولي... في ظل كل ما شهدناه، كيف يمكن تصور عالم ما بعد كورونا؟ بين أن أصل هذا الفيروس حيواني، أو أنه نظريات مؤامرة تحدثت عن أن فيروس كورونا المستجد ليس طبيعي المنشأ بل تم التلاعب به في المختبرات، يجب على البلدان أن تكون على استعداد لتبادل المعلومات بشكل واضح وبتواضع للحصول على المشورة، والثقة في البيانات والأفكار التي تتلقاها. الأكيد هو أن كوفيد-19 يفاقم الانقسامات العالمية والخصومة الصينيةالأمريكية ويضعف التعددية الدولية، فاتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منظمة الصحة العالمية بأنها منحازة إلى الصين هو استمرار للصراع بين القوى؛ فمثلا تنافس القوى العظمى للمقارنة بين نماذجها في إدارة الأزمة، وتردد الولاياتالمتحدةالأمريكية في أداء دور القائد على المستوى الدولي والذي عهدته لعدة سنوات وتشبثت به، لتظهر الصين خصوصا بعد النمو الذي عرفته في السنوات الأخيرة وكأنها تقول أنا القوة والقيادة، فكيف يمكن الاعتراف بقائد لا يتحمل المسؤولية مطلقا، ولا يعترف أبدا بالأخطاء. من جهة أخرى، فإن الانقسامات التي شهدها الاتحاد الأوروبي، خصوصا مع خروج بريطانيا منه بعد مخاض عسير وأيضا ما شهدته دوله من انغلاق في خضم هذه الأزمة، وأيضا في علاقة الاتحاد الأوروبي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تخلت إدارتها عن دوله فحظرت جميع رحلات السفر من الاتحاد الأوروبي، ولم تعط ولو إشعارا مسبقا ولا حتى بعد التشاور. هذا الوباء سيدفع بلدانا عديدة إلى الاهتمام بالشؤون الداخلية منه بالشؤون الخارجية لبضع سنوات على الأقل، بسبب الإخفاق في العمل بشكل فوري على تشكيل تعاون دولي فعال بين الدول وقت الأزمة في ظل حكمة جماعية وتعاون من البشرية ككل. وهذا ما سيؤدي إلى تراجع الانفتاح والتبادلات في العلاقات الدولية على الأقل على المدى القصير ما سيؤثر لا محالة على الأسواق المالية العالمية. هي أزمة عالمية و ربما هي الأشد مقارنة مع سابقاتها، فهي لم تقتصر على أنظمة الرعاية الصحية فقط، بل امتدت إلى الأنظمة الاقتصادية والسياسية والثقافية ومجال الأعمال أيضا، فقد اكتشف الجميع العمل من المنزل والتواصل عن بعد، بل وصل الأمر إلى المدارس والجامعات بأكملها ليظهر جليا دور التكنولوجيا والتطور التقني والمعلوماتي. هذه الأزمة أظهرت خيارات جديدة تمثلت في الرقابة الشاملة ومعاقبة من يخالفون القواعد ورعاية المواطنين والعزلة القومية والتضامن القطبي على المستوى العالمي، فهل سيتخذ هذا النظام شرعية في ما بعد كورونا؟ التدابير المؤقتة خلال حالات الطوارئ عادة ما تعجز عن تجاوزها وتظل راسخة فيما بعد، فالأكيد بعد استقرار الوضع عالميا يمكن أن يتخلى الفرد عن حقه في حماية معلوماته الشخصية مقابل أن يضمن استقرارا صحيا؛ فبصورة طبيعية لا يمكن تجاوز أزمة الثقة بسرعة، ولكن في مثل هذه اللحظات يمكن للعقول أن تتغير بسرعة. إن تفشي المرض أثر بالفعل على مفاهيمنا التقليدية كما يؤثر على التنمية العالمية وأساليب الحياة، وكشف عن ضعف بعض الأنظمة العالمية الحالية وعدم قدرتها على حماية شعوبها من الظلم الاجتماعي والبيئي والصحي. هل نسير في طريق الانقسام؟ أم التضامن العالمي؟ هل يكون هناك تغير في موازين قيادة العالم مع التحول إلى عالم متعدد الأقطاب بصورة أوضح؟ هل هو عصر القائد الواحد؟ أم الثنائية القطبية؟ أم التعددية الدولية؟ هل تستمر العولمة؟ أم ستظهر عولمة جديدة تعتمد على التعاون والشراكة وليست عولمة الهيمنة؟ هل سيظهر دور المفكر والمثقف؟ أم سيعود بخفي حنين؟ الأكيد أن التاريخ يرفض الاستمرارية والثبات. *طالب باحث في ماستر التواصل السياسي.