سجَّل اليوم الأول من بدء تنفيذ مشروع التقاضي عن بعد، في إطار التدابير المتخذة من أجل الحد من انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، عددا من الصعوبات ونوعا من الارتباك، بسبب ضعف التنسيق بين الجهات القضائية المشرفة على هذا المشروع وباقي مكونات جسم العدالة. وعلمت هسبريس أن بعض كتاب الضبط عبروا عن رفضهم الانتقال إلى المؤسسات السجنية التي يوجد بها الأشخاص المتابعون أمام المحاكم، دون القضاة أعضاء الهيئة، بعد أن طلب منهم المسؤولون القضائيون ذلك، من أجل التأكد من هوية المتهمين. ويعود سبب رفض بعض كتاب الضبط الانتقال إلى المؤسسات السجنية للتأكد من هوية المتهمين الخاضعين لإجراء المحاكمة عن بعد إلى الخوف من الإصابة بعدوى "كوفيد-19". وذهبت النقابة الديمقراطية للعدل، عبر فرعها في سوق أربعاء الغرب، إلى القول إن صحة موظفي هيئة كتابة الضبط "خط أحمر". ووجهت الهيئة النقابية المذكورة دعوة إلى منخرطيها من موظفي هيئة كتابة الضبط بسوق أربعاء الغرب إلى رفض أي دعوة للانتقال إلى السجن المحلي لهذه المدينة "رفضا تاما لا نقاش فيه"، معتبرة أن الظروف التي يمر منها المغرب، على غرار باقي بلدان العالم بسبب جائحة كورونا، "لا تحتمل المخاطرة والمجازفة بأرواحنا كجهاز لكتابة الضبط". وانطلقت عملية التقاضي عن بعد أمس الخميس، وتتم عن طريق ربط قاعة الجلسات في المحاكم بقاعة السجن، عن طريق تقنية "سكايب" للبث المباشر، لكن هذه العملية عرفت ارتباكا أفرزه طلب المسؤولين القضائيين من كتاب الضبط الانتقال إلى المؤسسات السجنية، وكذلك تحفُّظ بعض المحامين عن اللجوء إلى محاكمة المتهمين عن بعد، لعدم توفر شروط الحماية والوقاية من فيروس "كورونا". مجلس هيئة المحامين بمكناس وجه منشورا إلى محاميي الهيئة، أعلن فيه رفضه اعتماد التقاضي عن بعد في القضايا الجنائية والتلبسية الجاهزة التي بدأ العمل بها أمس، بداعي أنها تحتّم المخابرة المباشرة، سواء مع المتهم أو مع عائلته، مع ما يستتبعه ذلك من فتح مكاتب المحامين، والاشتغال بصفة عادية، عادّا إياه "انتهاكا صارخا لشروط الحجر الصحي، وتعريض الجميع للإصابة بآفة الفيروس اللعين". وأعلن مجلس هيئة المحامين بمكناس، في منشوره الذي تتوفر عليه هسبريس، رفضه مقترح التقاضي عن بعد، والاستمرار في إغلاق مكاتب المحاماة، قبل أن يستدرك بأن الباب سيبقى مفتوحا مستقبلا "لكل تعاون بهذا الشأن وفق مقاربة تشاركية فعلية بين مكونات جهاز العدالة". وتعود فكرة مشروع المحاكمة عن بعد إلى عهد وزير العدل السابق مصطفى الرميد، لكن تنزيل هذا المشروع تعثر، وبعد انتشار جائحة فيروس "كورونا"، وما تقتضيه من إجراءات للحد منها، تم إخراجه إلى الوجود، خشية انتقال الفيروس عند نقل المعتقلين من السجن إلى قاعات الجلسات بالمحاكم. ورغم الشروع في العمل بالتقاضي عن بعد فإن هذه العملية يكتنفها فراغ قانوني، رغم أن اللجوء إليها تم في ظرفية استثنائية. وأوضح عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، في هذا الإطار، أنه كان ينبغي أن يكون هناك اجتهاد، في حدود معينة، لتجاوز هذا الفراغ القانوني. وأضاف الشنتوف، في تصريح لهسبريس، أن الفراغ القانوني الذي يشوب عملية التقاضي عن بعد كان يمكن إيجاد صيغة توفيقية له، باعتماد مقاربة تشاركية مع جميع المتدخلين، من قضاة وموظفي العدل والمحامين وباقي مكونات منظومة العدالة. وأشار المتحدث ذاته إلى أن هناك تجارب لتغيير القوانين بسرعة، يمكن الاستئناس بها، مثل التجربة الفرنسية، والتجربة التونسية التي تسير أيضا في هذا الاتجاه، حيث يتاح للمشرّع تغيير القانون في وقت وجيز، في الظروف الاستثنائية مثل الظرفية الراهنة، عبر الاجتهاد في حدود معينة، من أجل ضمان مصلحة جميع الأطراف المعنية بالمحاكمة عن بعد.