يستقبل المغاربة رمضان هذه السنة في ظروف غير معتادة تتسم بإغلاق المساجد، وبالتالي الحرمان من صلوات الجماعة بها، وغياب التجمعات العائلية وعدد من الأعراف والعادات التي كانت سائدة قبل سنوات، بسبب الإجراءات والتدابير الاحترازية المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها لمواجهة والحد من جائحة فيروس كورونا المستجد. وفي الوقت الذي قد يجد البعض في الحجر الصحي وضعا سلبيا، يؤكد باحث مغربي أن للحجر في رمضان إيجابيات كثيرة. الدكتور عدنان زهار، باحث ومؤلف في العلوم الإسلامية، قال إن "للناس في هذا الشهر الفضيل نشاطا غير معتاد للإقبال على نوافل الخير وأعمال البر لشعورهم بالحاجة إلى ما يُعين أرواحهم على الطمأنينة ويخفف عليهم وطأة الحياة، وكذلك ما يصحح معتقداتهم ويجدد ربطهم بهويتهم الدينية". لكنه استدرك بأن "كثيرا من المسلمين في زمن الحجر الصحي الذي فرض بسبب جائحة الوباء الخطير كورونا-19، احتاروا في طريقة اغتنام دخول رمضان في الطاعات والعبادات، كما كان دأبُهم في ما مضى من الإقبال على المساجد وكثرة الخطى لمجالس الذكر والعلم، وصلة الأرحام". ويرى الدكتور عدنان أنه على عكس ما يعتقد كثير من الناس، فالأوضاع تعين على القيام بالعبادات على أكمل وجه، قائلا: "الواقع لمن تأمل مقاصد الصيام وأفعال النبي عليه السلام أن هذا الحَجر هو خير معين على التأمل في العبادة وحسن التعبد في الخلوة، بدليل أن أفضل النافلة في رمضان الاعتكاف، وهذه مناسبة ليعتكف الناس في بيوتهم ويقبلوا على ربهم بذكره وقراءة كتابه والتأمل في خلقه وتدبيره". ومن الأدلة على ذلك، ذكر المتحدث "فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي عليه السلام لم يصل بالناس التراويح إلا ثلاث مرات، ثم دخل بيته ولم يخرج إليهم وبقيت هذه سنة جارية إلى زمن عمر الذي جمع الناس على إمام في التراويح، ولا شك أن فعل النبي عليه السلام أدق حكمة وأجلى مقصدا، وهو أن صلاة البيوت أرفع وأنفع". وأبرز زهار أن هذا الوضع هو "مناسبة أيضا للناس أن يحرصوا على مدارسة الدين ومقاصد الشريعة وأحكام الصيام والعبادات في بيوتهم، ويجددوا الصلة بأهليهم في مادة علم الدين، وكذلك في جَمعهم على صلاة واحدة، مما يقوي آصرة المحبة بصلة الجميع بالله وقتا واحدا وبنفَس واحد، فكأن الصيام في ظل الحجر الصحي مناسبةٌ لإرجاع الناس إلى مبدأ الخلوة في العبادة التي هي أصل من أصول العبودية والسير إلى الله تعالى". وأشار الباحث إلى أن "الحكمة من تشريع الصوم في رمضان، بما يتصل به من عبادات محرابية، وقربات سلوكية، يكون للمسلم سببا من أسباب اليقظة من الغفلة، والاتصال بعد الانفصال، وترويح القلوب بالذكر بعد إثقالها بالأغراض، فقد قال تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات)، والتقوى اسم جامع لأفعال الخير الحسية والمعنوية القلبية والسلوكية؛ فيُقبل العبد على ربه بأنواع الطاعات والقربات التي ترقق قلبه وتطهر جنانه وتخفف ثقل نفسه، بذكره تعالى وقراءة كتابه الكريم وأحاديث رسوله المصطفى الأمين صلى الله عليه وآله وسلم".