يُواجه المغرب، كما دول العالم بأكمله، صدمة بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا المُستجد على الاقتصاد، وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عديدة من أجل تخفيف آثار الأزمة والخروج منها بأقل الأضرار. ويرى جهاد أزعور، مُدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، في هذا الحوار مع هسبريس، أن الإجراءات التي اتّخذتها السلطات المغربية كانت سريعة وستُساهم في الحفاظ على حياة المواطنين وتُخفف الأعباء الاجتماعية والاقتصادية. وأشار المسؤول في صندوق النقد الدولي إلى أن المملكة اعتمدت في السنوات الأخيرة عدداً من الإصلاحات جعلتها قادرةً على المحافظة على الاستقرار الاقتصادي؛ وهو الأمر الذي سيتعزز بعد سحب مبلغ يفوق 3 مليارات دولار من خط الوقاية والسيولة. ويُشرف أزعور، الذي أجرينا معه الحوار التالي عبر الهاتف، على عمل صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز، وسبق له أن شغل منصب وزير المالية في لبنان من عام 2005 وحتى 2008. كيف ترون التدابير التي اتخذها المغرب لتخفيف آثار جائحة كورونا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي؟. في الحقيقة كُورونا له تأثير قوي على كل دول المنطقة، بما فيها المغرب، إذ كان التأثير من خلال صدمة خارجية أدّت إلى تراجع الطلب الخارجي على المُنتجات المغربية، بما فيها المنتجات الصناعية، إضافة إلى الخدمات، وخاصة السياحة. من جهة أخرى، تأثرت الحركة الاقتصادية بسبب مواجهة أزمة كورونا، ما استدعى تخفيضها لتخفيف مخاطر انتشار الوباء، وهو ما خلف تراجعا في الاستهلاك والاستثمار، ما يجعل من الأزمة صدمةً مزدوجةً أثرت على الحركة الاقتصادية داخلياً وخارجياً. ونظراً للارتباط الاقتصادي الكبير للمغرب مع شركات تجارية بأوروبا وإفريقيا سيكون هناك انعكاس إضافي لهذا الأمر. وقد اتخذت السلطات المغربية إجراءات سريعة في أول مرحلة من خلال لجنة اليقظة الاقتصادية، ووضعت انطلاقاً من شهر مارس مجموعة من التدابير لحماية العاملين والشركات، من بينها السماح للعاطلين عن العمل بالحصول على تغطية مالية وأولئك المُشتغلين في القطاع غير المهيكل. كما وضع بنك المغرب تسهيلات لفائدة البنوك وضمانات على القروض من طرف صندوق الضمان المركزي، وهو ما ساهم في تخفيف العبء عن الشركات. أعتقد أن ردة فعل الحكومة والبنك المركزي كانت سريعةً من خلال استعمال الإمكانيات الموجودة واعتماد السياسات لتخفيف الأعباء من خلال إجراءات على صعيد المجال الصحي والدعم النقدي للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم عبر تسهيلات في أداء الضرائب وأقساط القروض السكنية. كل هذه الإجراءات تُساهم في الحفاظ على حياة المواطنين، وهي الأولوية الأولى، إضافة إلى تخفيف الأعباء الاجتماعية والاقتصادية، وتمكين الاقتصاد من تحمّل تداعيات هذه الصدمة. لجأ المغرب بداية الشهر الجاري إلى استخدام خط الوقاية والسيولة، ما هي شروط هذا الخط؟. في الحقيقة ليست هناك شروط. هذا خط يَحق للمغرب سحبُه في أي وقت يراه مناسباً، وهو عبارة عن احتياطي موجود منذ عدة سنوات يسمح للسلطات المغربية بالاستفادة منه كلما كان الاقتصاد في حاجة إليه. ومنحُ هذا الخط للمغرب يُعبر عن مدى الإصلاحات التي اعتمدها وقدرته على المحافظة على الاستقرار. والمبلغ الذي يتيح هذا الخط يفوق 3.2 مليار دولار سيُضاف إلى احتياطي البنك المركزي المغربي للمساهمة في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتعزيز قُدرة البلاد على مواجهة هذه الأزمة العالمية التي فرضت نفسها على كل اقتصاديات العالم. هل هناك فرق بين استعمال هذا الخط لدعم ميزان الأداءات أو دعم الميزانية؟. الحكومة المغربية هي التي تحدد طريقة استعماله.. وهذا المبلغ يودَع في حسابات بنك المغرب، وهو ما سيُعزز قدرته ويسمح له بالتوفر على مستوى مرتفع من احتياطي العملة الصعبة، يُؤمن القدرة على مواجهة أي صعوبات. لقد قام المغرب في السنوات الماضية بمجموعة من الإصلاحات التي أمّنت الاستقرار وجعلت الاقتصاد قادراً على تحمل الصدمات، واستعمال هذا الخط سيُعزز القدرة الحمائية للإدارة الاقتصادية. ما الذي يتوجب على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عمله لمواجهة آثار الركود الاقتصادي المتوقع خلال السنة الجارية؟ أولاً يجب الفصل بين عدة مجموعات، فهذه المنطقة مكونة من دول مُصدِّرة للنفط ودول مُستوردة له، ودول ذات دخل مرتفع ومتوسط وأخرى منخفض. ومما لا شك فيه أن هذه الأزمة الكبرى تعصف بالعالم، والمنطقة لم تشهد مثلها منذ أكثر من خمسين سنة. هذه الأزمة أثّرت على الحركة التجارية، خاصة في الدول المرتبطة اقتصادياً بالعالم، سواء بالسلع أو الخدمات، وأثرت أيضاً على الأسواق المالية نظراً لتراجعها على مستوى العالم، كما أثرت على تراجع أسعار النفط بطريقة مباشرة بالنسبة للدول المُصدرة وبشكل غير مباشر على الدول المستوردة، نظراً لحجم التحويلات التي تأتي من الدول الأولى إلى الثانية من خلال اليد العاملة. هذه الصدمات كلها ستنعكس على اقتصاديات المنطقة، بحيث ستتراجع مستويات النمو بشكل ملحوظ مقارنة مع كان متوقعاً السنة الجارية. من هنا يجب على كل الدول أخذ تحديات هذه الأزمة وكيفية مواجهتها بعين الاعتبار. ونرى أن هذه المواجهة يجب أن تتم من خلال ثلاثة محاور أساسية: - المحور الأول: يهم الحفاظ على حياة المواطنين وسلامتهم من خلال تعزيز النفقات الصحية والاجتماعية والإجراءات التي تساهم في تخفيف حدة انتشار وباء كورونا في المجتمع. - المحور الثاني: يتضمن الإجراءات التي تساهم في المحافظة على قدرة الاقتصاد على الحركة، وخاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة والعاملون فيها، إضافة إلى القطاع غير المهيكل. - المحور الثالث: القدرة على النهوض بعد الخروج من هذه الأزمة؛ وهي اليوم من العناصر الأكثر صعوبة نظراً لعدم القدرة على تقدير وقت خروج الاقتصاد العالمي من الأزمة. يجب على هذه الدول اليوم أن تنظر إلى كيفية الخروج من هذه الأزمة وتحصين اقتصادياتها. وهنا تختلف الأوضاع باختلاف قُدرة كل بلد؛ فهناك دول لديها احتياطات مثل البلدان المُصدرة للنفط، في المقابل هناك دول تواجه مستوى مرتفعا من الديون وعليها أن تُعطي الأولوية القصوى للنفقات الصحية والإنسانية وتَعملَ على جدولة وتكييف النفقات لتأخذ بعين الاعتبار ما طرأ حالياً بسبب الأزمة. وهناك مجموعة من الدول تُواجه صعوبات كبيرة، خاصة تلك التي تعرف حالات حروب أو أزمات داخلية كليبيا واليمن وسوريا، حيث البنيات الصحية ضعيفة جداً، ما يجعلها في حاجة إلى دعم كبير من خلال المنح والمساعدات الدولية. ماذا الذي قام به صندوق النقد الدولي لمساعدة الدول في ظل هذه الظرفية؟ تحرك صندوق النقد الدولي سريعاً لمساعدة دول العالم لمواجهة هذه الأزمة، إذ وضع في تصرفها برنامجاً جديداً يتضمن تسهيلات طارئة بمبلغ 100 مليار دولار، وقد استفادت منه عدة بلدان مثل تونس، كما طلبت موريتانيا وجيبوتي الاستفادة منه. وبالإضافة إلى ذلك نُقدم المساعدة في وضع السياسات الاقتصادية التي يمكن أن تساهم في معالجة هذه الأزمة. هل من السهل تحقيق التعافي في ظرف وَجيز بالنسبة لاقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ مما لا شك فيه أن هذا الأمر مرتبط بسرعة القُدرة على التحكم في تفشي فيروس كورونا؛ وفي حال تمكن الاقتصاد العالمي من الخروج التدريجي كما هو متوقع حالياً في الفصل الرابع من هذا العام سيشهد الاقتصاد تعافياً سريعاً، لكن ليس من المُمكن تحقيق العودة السريعة إلى ما كنا عليه قبل هذه الأزمة، وهذا يتطلب مجموعة من السياسات التي تساهم في إعادة تقوية قدرة الاقتصاديات على النهوض ورفع مستوى الإنتاجية والمحافظة على حد مقبول من الاستقرار الاقتصادي والمالي، الذي يُخفف من المخاطر الاقتصادية على دول المنطقة. ما هي الدروس التي يجب على دول المنطقة استخلاصها من هذه الأزمة؟. في الحقيقة، الدرس الأول هو أن الدول التي كانت تنتهج سياسات حكيمة تمكنت من مواجهة هذه الأزمة بطريقة أفضل، وهذا هو الحال في المغرب لأن السياسات التي اعتمدها في السنوات الماضية مكَّنته من مواجهة هذه الأزمة الكبيرة بقُدرة أكبر مما هو عليه الأمر في الدول التي لم تكن تعتمد السياسات المحافظة في مجال الإدارة المالية والاقتصادية. الدرس الثاني هو أهمية وجود بنية تحتية مُؤسساتية فاعلة على صَعيد المؤسسات العامة، وخاصة في القطاعات الخدماتية؛ أما الدرس الثالث فهو ضرورة الموازنة بين إجراءات حماية الاقتصاد وعدم زيادة الأعباء التي يمكن أن تصبح في المستقبل مَصدراً للقلق على مصير الاستقرار الاقتصادي. أما الدرس الرابع والأخير فهو ضرورة رفع نوعية ومستوى التعاون بين دول المنطقة، سواء لمواجهة الأزمة أو للخروج منها واستعمالها كمُحفز لتفعيل قدرة الاقتصاد وتقوية أسسه.