ما زال الجدل الذي أعقب إقرار السلطات العمومية إجبارية ارتداء الكمامة للوقاية من فيروس "كورونا" المستجد، تحت طائلة التعرض لعقوبات تتراوح بين الغرامة المالية والحبس، مستمرا، في ظل نفاد الكميات الموزعة من الكمامات من محلات بيع المواد الغذائية وحتى من الصيدليات. وطرح غياب الكمامات في السوق إشكالا كبيرا بالنسبة لعدد من المواطنين المسموح لهم بمغادرة بيوتهم؛ إذ وجدوا أنفسهم بين مطرقة عدم توفّرها وبين سندان الخوف من أن تطالهم العقوبات التي وضعتها السلطات، والتي دعت النيابةُ العامة، في مذكرة موجهة إلى وكلاء الملك والوكلاء العامين، إلى تطبيقها بصرامة. ووجّه ثمانية محامين بهيئة القنيطرة رسالة مفتوحة إلى رئيس النيابة العامة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، حول موضوع إجبارية وضع الكمامات، نبهوا فيها إلى ضرورة اتخاذ ما يلزم من التدابير القانونية، حماية للمواطنين من الوقوع في جرائم لا سبيل لهم لتفاديها، أي الخروج بدون حمل الكمامات لعدم توفرها. وسجّل المحامون الموقعون على الرسالة المفتوحة أن مخافر الشرطة أصبحت تعجّ، مباشرة بعد سريان قرار إجبارية وضع الكمامة، بالمشتبه فيهم بجنح خرق هذا القرار، "دون البحث في أسباب ارتكاب هاته الجنح، وهو ما قد ينتهي بصدور أحكام قضائية بإدانتهم بعقوبات قد تكون سالبة للحرية بعد متابعتهم من طرف النيابة العامة". واعتبر المصدر ذاته أن إشكال الحرص على تطبيق القانون ضد مخالفي قرار وضع الكمامة دون البحث في أسباب ارتكاب هذه الجنحة، "يجعلنا في وضعية شاذة واستثنائية ستشهدها المنظومة القانونية في بلادنا يتعين أخذها بعين الاعتبار". وأكد المحامون الثمانية أنهم، كمتتبعين للشأن القانوني، لم يسبق لهم أن سمعوا آراء حول الجريمة التي يستحيل تفاديها من طرف المواطنين، ذلك أنّ من يضطر للخروج للعمل أو لزيارة طبيب سيجد نفسه أمام وضعية يستحيل معها تفادي الجريمة في حالة عدم ارتدائه كمامة بسبب لا دخل له فيه. واتّخذت السلطات العمومية المعنية قرار إجبارية حمل الكمامة مساء يوم الإثنين الماضي، ودخل حيز التنفيذ ابتداء من صباح يوم الثلاثاء الموالي. وبعد زوال اليوم نفسه، وجه رئيس النيابة العامة مذكرة إلى الوكلاء العاملين ووكلاء الملك والمحامي العام الأول، دعاهم فيها إلى "التطبيق الحازم والصارم" للمقتضيات القانونية المتعلقة بمخالفة قرار حمل الكمامة. وتتراوح عقوبة مخالفة هذا القرار بين الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر والغرامة المالية بين 300 و1300 درهم، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكن فئات من المواطنين ما زالوا يبحثون عن الكمامات دون أن يجدوها لا في محلات بيع المواد الغذائية ولا في الصيدليات كما عاينت ذلك هسبريس إلى حدود أمس الأحد. وتخلّت بعض المراكز التجارية الكبرى عن بيع الكمامات بصفة نهائية بعد أن كانت تبيعها خلال الأيام الأولى لتطبيق قرار إجباريتها، وعلقت لافتات صغيرة على زجاج أبوابها مضمونها: "نلفت انتباه زبنائنا الكرام إلى أن الكمامات تباع حصريا في محلات البقالة". وعرفت عملية تموين السوق بحاجياته من الكمامات اضطرابا عقب إصدار وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي قرارا يقضي بمنع بيعها بالتقسيط، بعد أن كانت توزَّع علب من خمسين وحدة على محلات البقالة. وكانت هسبريس قد نبهت إلى أن هذه العملية قد تؤدي إلى انتشار فيروس كورونا المستجد بين مستعملي الكمامات، بسبب لمسها بأيدي التجار التي قد تكون حاملة للفيروس. ولتجاوز الإشكال القانوني الذي يطرحه غياب الكمامات في السوق، مقابل تشديد السلطات القضائية في تطبيق المقتضيات القانونية في حق المخالفين، دعا المحامون الذين راسلوا رئيس النيابة العامة إلى إجراء أبحاث تمهيدية في محيط المشتبه بهم للتأكد من وجود هاته الكمامات قبل تسطير أي متابعة في حقهم، وذلك حماية للمواطنين من الوقوع في جرائم لا سبيل لهم لتفاديها.