قررت وزارات الداخلية والصحة والاقتصاد والمالية والصناعة، أول أمس الإثنين، العمل بإجبارية وضع الكمامات الواقية، اعتبارا من يوم أمس الثلاثاء، بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية المقررة سلفا. وحسب بلاغ مشترك للوزارات الأربع، فقد عبأت السلطات مجموعة من المصنعين الوطنيين من أجل إنتاج كمامات واقية للسوق الوطني، وحددت سعرها في 80 سنتيما، مع التأكيد على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تسويق “الكمامات الواقية” بجميع نقط القرب التجارية.
قرار سريع يخلق الارتباك لكن هذا القرار لم يصدر ولم يصل إلى علم المواطنين إلا بعد الساعة السادسة من مساء يوم الإثنين، أي بعد إغلاق المحلات التجارية والصيدليات أبوابها، ما جعل المواطنين في حيرة من أمرهم، نظرا للسرعة في اتخاذ هذا القرار المفاجئ، والسرعة في تطبيقه، إذ إن جل المغاربة ليسو متوفرين على هذا المنتوج، خاصة وأن وزارة الصحة كانت تؤكد على عدم ضرورة ارتداء غير المصابين بفيروس كورونا للكمامات، عملا بتوصية سابقة لمنظمة الصحة العالمية. هذه السرعة في اتخاذ القرار، جعلت الكثير من المواطنين، يزدحمون أمام أبواب بعض المراكز التجارية وبعض المحلات من أجل اقتناء الكمامات، في مشهد يخالف التدابير الوقائية التي تحث عليها السلطات العمومية، بشكل دائم ومستمر، خاصة فيما يتعلق بوضع مسافة أمان بين المواطنين…، ما يعيد للذهن مشاهد الازدحام التي أعقبت قرارات سريعة أخرى، من قبيل الازدحام حول أعوان السلطة للحصول على ورقة التنقل الاستثنائية، والازدحام في المحطات بعد قرار وقف السفر بين المدن. وفي الوقت الذي أصبح فيه القرار ساري المفعول، وتترتب عنه جزاءات قانونية للمخالفين، لا تزال الكثير من المراكز والمحلات التجارية… في عدة أحياء بمختلف المدن المغربية، لم تتوصل بهذا المنتوج، ما يجعل المواطن في حيرة من أمره، وفي وضع قانوني صعب. وإضافة إلى حالة الفوضى والازدحام، فقد أدى التهافت على اقتناء الكمامات بالمراكز والمحلات التي كانت تتوفر عليها إلى نفادها، ما اضطر البعض للانتظار داخل المراكز التجارية إلى حين توفير كميات جديدة من هذا المنتوج، واضطر البعض الآخر للعودة إلى منازلهم دون الحصول عليه، كما دفع بعض أصحاب المحلات إلى تعليق لافتات كتب عليها “لا توجد كمامات”. ندرة وغياب الكمامات، ليست بالأمر الجديد، فقد شكل غيابها إلى جانب المعقمات موضوع مراسلات متعددة من طرف مهنيي الصحة، ومن طرف الصيادلة الذين اشتكوا في رسالة سابقة موجهة لوزارة الصحة، نفاد مخزونهم من هذا المنتوج، وعدم توفره في السوق، ما جعل الصيادلة ومساعدهيم غير قادرين على الحصول على الكمامات للاستعمال الشخصي، في وقت كان ارتداؤها لا يزال غير ضروري للمواطنين. وأمام غياب الكمامات الطبية في السوق العالمية، لجأ المغرب إلى التصنيع المحلي لكمامات واقية، وبكميات كبيرة تلبي الطلب، إلا أن توزيع هذا المنتوج على المدن والأحياء يتطلب وقتا، إذ ولحدود منتصف اليوم الأربعاء، أي بعد يوم ونصف على دخول القرار حيز التنفيذ، لا يزال الكثير من المواطنين يبحثون عن الكمامات دون جدوى، فالمحلات التجارية القريبة وحتى التي في الأحياء المجاورة لم يصلها بعد هذا المنتوج، ما يسائل نجاعة السرعة في تطبيق القرار قبل ضمان وصول الكمامات للمواطن، الذي سيجد نفسه أمام التطبيق الصارم للقانون. التعامل الصارم مع المخالفين دخول قرار إلزامية وضع الكمامات حيز التنفيذ، يجعل المواطنين ممن لم يقتنوا مسبقا هذا المنتوج، أو لم يستطيعوا اقتناءه بسبب عدم توفره في المحلات التجارية والصيدليات القريبة…، عرضة للمتابعة القانونية، حيث حددت المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292، عقوبة المخالفين في الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد. لكن وأمام واقع الأمر، وفي ظل عدم توفر الكمامات بشكل يجعلها في متناول الجميع، دعا العديد من النشطاء إلى التعامل بنوع من المرونة والليونة في تطبيق هذا القرار، والتساهل مع من لا يرتدون الكمامات إلى حين توفر المنتوج في السوق واقتناء المواطنين له، خاصة وأن وزير الصناعة أكد في تصريح له أن هذه الكمامات لن تصل إلى جميع نقط البيع إلا في نهاية الأسبوع. لكن، وفي مقابل هذه الدعوات، أصدرت رئاسة النيابة العامة، أمس الثلاثاء، دورية تحث فيها على الصرامة في التعامل مع من يخالف هذا القرار، ويخرج للشارع دون ارتداء الكمامة، وشددت على “عدم التردد في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية”، أمام هذا السلوك المخالف. كما نبهت في دوريتها إلى أن عدم وضع الكمامات الواقعية يعتبر جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي المتعلقة بعدم ملازمة مكان الإقامة، أو خرق غيرها من التدابير الأخرى التي قررتها السلطات العمومية المختصة في هذا المجال. ولم تتضمن هذه الدورية أي إشارة بخصوص المواطنين الذين لم يستطيعوا اقتناء الكمامات بعد، ولا حتى تلميحا للتساهل معهم، والتطبيق المرن للقانون إلى حين تعميم المنتوج على جميع نقط البيع، ما يجعل فئة المواطنين غير المتوفرين بعد على الكمامات عرضة للعقوبات، ويجعلهم تحت رحمة رجال السلطة الذين سيقررون تطبيق القانون على الشخص أو مسامحته، الشيء الذي يمنحهم سلطة تقديرية واسعة، قد لا تستخدم بشكل جيد. وقد أكد بعض المواطنين أنهم تعرضوا للعقوبات القانونية جراء عدم ارتدائهم لهذه الكمامات الواقية، حيث أدوا غرامات مالية لهذا السبب، ما يطرح سؤال العدل في معاقبة المواطنين الذين لا يزالون في بحث عن الكمامات، دون أن يرتدوا الكمامات، إضافة من لا مال لهم لشراء هذا المنتوج.