تعد المقاولة المواطنة إحدى تجليات المبادئ المواطناتية التي فرضت نفسها في الساحة الدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي، باعتبارها وسيلة لتدبير الأزمات الاجتماعية والكوارث الطبيعية المطروحة والمحتملة، وأداة لتكريس روح التضامن وتقوية وشائج التعاون بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين سعيا نحو بناء صرح تنموي شامل. وتنزيلا للمفهوم الحقيقي للمقاولة المواطنة انخرطت المملكة المغربية، مطلع الألفية الجديدة في مسلسل مأسستها الحثيثة، عبر توجيهات وخطب ملكية سامية شكلت المنطلق وخارطة الطريق نحو تبنيها، بدءا (بالخطاب الملكي السامي سنة 2000 بمناسبة تدشين جلالته للجرف الأصفر)، الذي دعا فيه المقاولات المغربية إلى إيثار البعد الاجتماعي لتصبح مقاولة مواطنة اجتماعية، مرورا بخطاب عيد العرش المجيد ''27 مارس 2013'' المنادي بالتشبث بعمق المقاولة المواطنة، فالخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية العاشرة ''12 أكتوبر 2018" الذي كرس فيه حفظه الله، دعوته لدعم المقاولات المواطنة. واستكمالا لذلك وخدمة له تم سن العديد من القوانين الهادفة لتعزيز التسييج القانوني لهاته المقاولات، في شقها المواطناتي منها ذات البعد الاجتماعي كمدونة الشغل ومنها المرتبطة بالبعد البيئي كقانون البيئة والتنمية المستدامة، ومنها المتعلق بالجانب الاقتصادي كقانون الشركات ومدونة التجارة، تصديا لكل الآثار والتداعيات المحتمل وقوعها، منها ما استجد مؤخرا من تفش لفيروس كورونا كوفيد 19 المستجد، الذي ما فتئ يزهق يوميا آلاف الأرواح البشرية ويطبق على كل أمل في الحركة والتنقل بسبب العدوى الناجمة عنه. لذلك واستجابة للتوصيات الملكية السامية السباقة لإعمال كل أشكال الوقاية من الفيروس، عمدت وزارة الصحة المغربية بمعية مختلف الوزارات الأخرى المتدخلة (وزارة الاقتصاد و المالية ووزارة الداخلية...) على التتبع الكامل والموازي لمختلف القطاعات الحيوية خاصة المقاولات، من خلال دعم نشاطها الاقتصادي وقدرتها الإنتاجية، تلبية لكل حاجيات المواطنين وتيسيرا لولوجياتهم الضرورية في هاته الظرفية الاستثنائية، وتحقيقا لهذه الغاية وإيمانا بالوحدة الوطنية واللحمة المجتمعية، اشتركت مجموعة من المقاولات العامة منها والخاصة سواء الفردية أو الجماعية بشكل فعال في التدبير المعقلن للجائحة عن طريق فتح مصانعها لتزويد العموم من خدماتها، فعلى سبيل المثال، اتخذت فيدرالية مخابز الدارالبيضاء شعار – نحو تكريس المقاولة المواطنة – واعتمدت مقاولات أخرى في مدن طنجة والرباط... خدمات جديدة مضافة لخدماتها الأصلية تهدف لتصنيع كمامات وأجهزة تنفس وتعقيم اصطناعية محلية الصنع وبمواصفات جيدة مصادق عليها من قبل المختبرات الطبية المعتمدة، مع محافظتها على كل المناصب الشغلية للشغيلة العاملين بها، تعزيزا للتماسك الاجتماعي وتقوية للآليات الوقائية في أفق الإسهام في الحد من الفيروس الفتاك. وعليه فإن المبدأ المواطناتي للمقاولات قد كرس وكانت معه في موعد الانتظارات المتوسم فيها بل واستطاعت أن تقدم الدعم الكبير لمعظم القطاعات الحيوية ذات الأولوية الملحة، لتدشن بشكل فعلي وعملي لعهد جديد يمزج بين الهامش الربحي والحس الوطني والإنساني في مقاولة مواطنة تروم درء المخاطر وتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنموي. *باحث في منازعات الأعمال